اخبار المغرب

البنك الدولي يحذر من رفع شظايا “حرب حماس وإسرائيل” لأسعار الطاقة والغذاء

“تحذير” صريح من “طفرة في تضخم أسعار مواد الطاقة والغذاء” أطلقه البنك الدولي، في أحدث إصداراته من تقرير “آفاق أسواق السلع الأولية” (Commodity Markets Outlook)، منبها على الخصوص إلى “ارتفاع صاروخي” قد يطال أسعار النفط لتتجاوز 150 دولارا للبرميل “في حال تصاعُد الصراع في الشرق الأوسط واتساع رقعة النزاع”.

البنك الدولي رسم في تقريره، المعنون بـ”تحت ظلال المخاطر الجيبو-سياسية”، سيناريوهات عديدة لتطور أسواق المواد الأولية، أسوأها الذهاب إلى “وضع مماثل لأزمة النفط في السبعينات”، معتبرا أن “شظايا الحرب بين إسرائيل وغزة” قد تدفع أسعار برميل النفط إلى “الانفجار” (بين 140 و157 دولارا) في قادم الأشهر.

ولفت البنك إلى أن “الآثار الطفيفة لهذا الصراع حتى الآن على أسعار السلع الأولية قد تعكس التحسن في قدرة الاقتصاد العالمي على استيعاب صدمات أسعار النفط”، ملاحظا أن دول العالم عززت “استعداداتها لمواجهة مثل هذه الصدمات منذ أزمة الطاقة التي حدثت في سبعينات القرن الماضي، عبر تقليل اعتمادها على النفط”.

“مزيد من عدم اليقين”

على الرغم من أن الاقتصاد العالمي في وضع أفضل بكثير مما كان عليه في سبعينات القرن الماضي لمواجهة صدمة كبيرة في أسعار النفط، إلا أن تصعيد الصراع الأخير في الشرق الأوسط، بالإضافة إلى الاضطرابات الناجمة عن الصراع الروسي-الأوكراني، قد يدفعان أسواق السلع الأولية العالمية إلى حالة من عدم اليقين.

وقال التقرير ضمن أقوى خلاصاته: “أدى الصراع في الشرق الأوسط-وهو الأحدث من سلسلة الصدمات غير العادية في السنوات الأخيرة-إلى زيادة المخاطر الجيو-سياسية على أسواق السلع الأساسية، في بيئة عالمية غير يقينية بالفعل”.

وتابع خبراء رئيسيون بالبنك الدولي، في تعليق مرفق بالتقرير اطلعت عليه هسبريس، أن “من الممكن أن تؤدي حرب طويلة الأمد في المنطقة إلى ارتفاعات كبيرة في أسعار الطاقة والأغذية، بعد عام واحد فقط من ارتفاع الأسعار بسبب الحرب في أوكرانيا”.

في الوقت الحالي، ورغم تذبذبها، لا تزال أسعار النفط ثابتة عند نحو 90 دولارا للبرميل، مع توقعات بانخفاضها أو استقرارها على الأقل بعد قرارات “أوبك+” في الأشهر الأخيرة، غير أن البنك الدولي قرع “جرس إنذار” من كون “التوقعات يمكن أن تنقلب بسرعة”.

وغير بعيد عن موعد المصادقة على مشروع قانون المالية وموازنة عام 2024 بالمغرب، اعتماداً على فرضيات محددة (أبرزها استقرار سعر برميل النفط العالمي في متوسط معتدل، وتوقع نسبة النمو في 3,7% خلال سنة 2024، وعجز الميزانية في حدود 4% من الناتج الداخلي الخام)، جاء الصراع المسلح الدائرة رحاه (منذ السابع من أكتوبر) في قلب الشرق الأوسط غير بعيد عن دول الخليج المنتجة والمصدرة للنفط، وأغلب دول شمال إفريقيا المستوردة لحاجياتها النفطية والغذائية.

هذا يعني أن المغرب، باعتباره من البلدان المستوردة للنفط والمواد البترولية بكثرة، لن يكون في منأى عن تداعيات صراعٍ ما فتئ ينذر بالتوسع كل يوم، من خلال تواتر عديد المؤشرات الجيو-سياسية المقلقة وتصاعد المخاوف الجدية من دخول كامل لـ”محور إيران” على خط القتال.

“تقييم أولي”

تقرير المؤسسة المالية الدولية (اطلعت هسبريس على نسخة منه) بسَط تقييماً أوليًا للتداعيات “المحتملة لهذا الصراع في الأجل القريب على أسواق السلع الأولية”، خالصا إلى “وجوب وضرورة احتواء آثار هذا الصراع لتكون في أضيَق الحدود، وضمان عدم اتساع دائرته”.

وفقاً لتوقعات خط الأساس التي وضعها البنك الدولي، فإنه من المتوقع أن يبلغ متوسط أسعار النفط 90 دولارًا للبرميل في الربع الحالي من العام قبل أن “يتراجع إلى 81 دولاراً للبرميل في المتوسط في السنة القادمة مع تباطؤ وتيرة النمو الاقتصادي العالمي”.

كما يرتقب خبراء المؤسسة المالية العالمية أن تنخفض أسعار السلع الأولية بنسبة 4,1% (عموماً) في السنة القادمة. ومن المتوقع أيضا أن تنخفض أسعار السلع الزراعية في السنة القادمة مع زيادة الإمدادات. ويرتقب أن تنخفض أسعار المعادن الأساسية بنسبة 5% في 2024، قبل “آفاق مستقرة” لأسعار السلع الأولية في 2025.

“ثلاثة سيناريوهات”

حددت الوثيقة المنشورة بالإنجليزية “ما يمكن أن يحدث في ظل 3 سيناريوهات للمخاطر استنادًا إلى التجارب التاريخية التي شهدها العالم منذ القرن الماضي”، مثيرة الانتباه إلى أن “آثار كل سيناريو متوقفة على درجة تعطّل إمدادات النفط”.

“إذا حدَث تصعيد في الصراع”، وهو السيناريو الأسوأ حسب البنك العالمي، ستُصبح آفاق أسعار السلع الأولية “سلبية بسرعة”.

في سيناريو “التعطل المحدود”، ستنخفض إمدادات النفط العالمية بمقدار 500 ألف برميل إلى مليوني برميل يوميًا. وفي ظل هذا السيناريو، سيرتفع سعر النفط مبدئياً بين 3% و13% مقارنة بمتوسط الفترة ربع السنوية الحالية بواقع 93 و102 دولارا للبرميل.

سيناريو “التعطل المتوسط” سيجعل إمدادات النفط العالمية تتراجع بين 3 و5 ملايين برميل يوميًا، مما يدفع أسعار النفط إلى الارتفاع بنسبة 21% إلى 35% في البداية بواقع 109 دولارات و121 دولارا للبرميل.

أما في سيناريو “التعطل الكبير” (على غرار الصدمة النفطية في عام 1973) ستنكمش إمدادات النفط العالمية بمقدار 6 إلى 8 ملايين برميل يوميا، ما يعني الارتفاع بنسبة 56% إلى 75% بواقع 140 دولارا و157 دولارا للبرميل.

وصايا لواضعي السياسات

أوصى تقرير البنك الدولي واضعي السياسات في مختلف بقاع المعمور بأن يظلوا “في حالة ترقب ويقظة حذرة”.

وفي حالة ما إذا تصاعد الصراع واحتد، حث البنك الدولي واضعي السياسات في البلدان النامية على “اتخاذ الاحتياطات أو الخطوات اللازمة للتعامل مع الزيادة المحتملة في التضخم العام”، وقال: “نظراً لمخاطر تفاقم انعدام الأمن الغذائي، على الحكومات أن تتجنب القيود التجارية (مثل فرض الحظر على تصدير المواد الغذائية والأسمدة)، لأنه غالبًا ما تقود هذه التدابير إلى تفاقم تقلبات الأسعار وزيادة انعدام الأمن الغذائي. كما يجب عليها أيضًا عند التصدي لارتفاع أسعار النفط والمواد الغذائية أن تمتنع عن فرض ضوابط الأسعار أو دعمها”.

واقترح البنك “خيارا أفضل هو ارتقاء الحكومات بمستوى شبكات الأمان الاجتماعي، وتنويع مصادر الغذاء، ورفع درجة الكفاءة في إنتاج المواد الغذائية وتجارتها”، موصيا أيضا بـ”تعزيز الأمن الطاقي على المدى الطويل بتسريع وتيرة التحول إلى استخدام مصادر الطاقة المتجددة للتخفيف من الآثار المترتبة على صدمات أسعار النفط”.

يشار إلى أن البنك الدولي يصدر توقعاته لتطور “أسواق السلع الأساسية” مرتين كل عام (في أبريل وأكتوبر)، مع تحليل مفصل للسوق ومجموعات السلع الأساسية.