اخبار المغرب

أَدَبٌ رَقْمِي؟ نَعَم…وَلَكِنْ!

1

حينما كتب بوريس فيان Boris Vian نصه “شاعر آلي لا يخيفناUn robot-poète ne nous fait pas peur” سنة 1953، فقد وافقت تأملاته ما نشهده اليوم من ثورة رقمية كان من أحدثِ مُنتجاتها ما تنجزه خوارزميات “شات جي بي طي CHATGPT” من قدرة على ابتداع النصوص على نحو قريب مما تخيله فيان؛ وحين نلج منصات من قبيل OP ALLStars 2023 لتصفح جديد الكتب الرقمية التي يسهل تحميلها على الحواسيب واللوحات الإلكترونية والهواتف المحمولة، وإمكان الاستفادة من شراء 800 كتاب إلكتروني بمبلغ 1.99 يورو فقط، وهو ما يمثل خصما يصل إلى 80%. من أسعار الكتب الرقمية في شتى أصناف المعارف، التي شهدت على مدى ثلاثة عقود تحولات في الأشكال والمضامين وطرائق التداول؛ بهذا عملت الوسائط الرقمية على تجديد تصورات الإبداع بما يتيحه الابتكار من آليات تواكب روح العصر.

وكان للأدب حظه من تلك الوسائط، وإن ظلت العلاقة بينه وبين العوالم الرقمية في تحوّل دائم، بسيط أحيانا ومعقد أحيانا أخرى، الأمر الذي جعل العديد من الباحثين يعمقون النظر في علاقة الأدب بالوسائط الرقمية، يفكرون، يتساءلون: عن إمكان وجود أدب مكتوب من دون سند مادي ثابت، من دون كتاب، أو صفحات، أوْ وَرَق؟.

أدب رقمي، وأدب تفاعلي، وأدب إلكتروني، وأدب شاشة، كلها تسميات لأعمال أدبية تهم مختلف أنواع الكتابة الإبداعية من قصص وروايات وأشعار ومسرحيات وسواها، تطورت بتطور التقنيات الحاسوبية والسحابية والسِبرانية cybernétique، باعتبارها الدراسة العلمية لكيفية تحكم الإنسان أو الآلات ببعضها البعض، وفي علاقة بما ولَّدته تلك التقنيات من متخيل أنتج أيضا أدبا استشرافيا كان الفانطاستيك والخيال العلمي ملمحا من ملامحه المميزة.

هل يمكن للآلة أن تنتج أدبا، فيكون لدينا روائي آلي وشاعر آلي ومسرحي آلي على نحو ما تخيَّله بوريس فيان؟

2

أصبح للأدب التفاعلي مبحث خاصّ في المقاربة، وله تصوّرات ترسم المسار وتصف المنعطف. معنى هذا أن التصوّر المتحكّم في توليد هذه الظاهرة الأدبية يأخذ بالاعتبار احتمالات السياق التاريخي والاجتماعي والثقافي، لأنها تكسب تصوّر الأدب نوعا من الاتساع والتمدّد، يخصّ المفاهيم والحركات الأدبية على حدّ سواء.

يمكن، في ضوء ما سبق، أن نعيد تأمّل علاقة الأدب بسؤال نقده وطرح أبرز المسلمات المتصلة بما يحمله تعيين نوعية ورهان خصوصيته الثقافية من نسبية تختلف من مجتمع إلى آخر، وتتبدّل بحسب قيمتهما الفكرية ومبرراتهما الإيديولوجية.

من النص إلى النص المترابط، ومن السرد إلى السرد المترابط، ومنهما إلى تفاعلية إبداعية يسهم في إنتاجها فضاء شبكي وواقع افتراضي يجدد مستقبل الأدب ومآله بالانتقال من “المطبوع أو الورقي” إلى “الرقمي أو التفاعلي”؛ انتقال من عالم إلى عالم: أيُّ نوع من الأدب – يا ترى- هو بصدد التشكل أسلوبيا وتجنسيا؟ أم إننا في حقيقة الأمر لم ننتقل من عالم إلى آخر ومازلنا نكتب الأدب نفسه، من الورقة إلى الشاشة؟.

ما من شكّ أن الأدب التفاعلي بما هو نص رقمي يستثمر معطيات النص المكتوب، ويختلف عنه ببُعدِ الترابطية التي ينتج عنها نص أدبي يشترك في كتابته عدة مؤلفين. ولذلك، لم يعُد تصوّر الكتابة هنا محكوما بنزوع ذاتي، بل أضحى بحكم هذا الملمح التفاعلي مؤطرا بجملة من القواعد التي تسعف في التعرف على بعض مقامات الاخبار السعودية المتعلقة بقصد الكتابة ومحافلها العامّة. ولإيضاح هذا التصوّر يمكن الإشارة إلى أبرز هذه القواعد التي تحدّد علاقة النصّ بجنسه نظريا ووصفيا، سواء تعلّق الأمر بالنص الترابطي أو بالنصّ التفاعلي بما هما شكل تعبيري (وثقافي) ينتجه مبدعون، روائيون وشعراء، وقد ينتجه كذلك مبرمجون وإعلاميون. من هنا يبدع الكاتب نصه باستخدام تقنيات رقمية وتشغيل برمجيات لا تغدو منفصلة عن شكل النص ودلالته، بل إنها تمثل، في المحصّلة النهائية، ملمحا فنيا من ملامحه الأدبية؛ فالتقنية وسيلة للنشر والكتابة والقراءة، ومهما تعدّدت التعريفات التي يمكن منحها لمفهوم الأدب التفاعلي فإنه يظل نصا يستعمل جملة من الوسائط، بصرية وصوتية ثابتة أو متحركة.

3

للاعتبارات السالفة أهميتها من أجل فهم بعض الحدود التي يمكن إقامتها بين تصوّر الأدب التفاعلي والترابطي، من حيث الخصوصية النصية والوسائطية، وهذا ما يمكّن من بحث أشكال حضور الأدب في عصر المعلومات ومدى تفاعلها مع المعطيات التكنولوجية الجديدة، ويسمح للنظرية الأدبية بالانفتاح على نظريات الاخبار السعودية والإعلام والاتصال. وبما أن الأمر يتعلق هنا بالكتابة الأدبية في صلتها بمجال محدّد يخصّ الرقمية بمختلف تجلياتها، فإن التفكير لا ينبغي قصره أو حصره في محاولة الإجابة عن سؤال: هل بإمكان الأدب (بأنواعه المعروفة) أن يستوعب الأشكال التقنية في الاخبار السعودية الرقمي؟ لأن جوهر المسلمة قائم على إيجاد مسلمات نظرية ومنهجية تبرر الانتقال من العالم الورقي إلى العالم الرقمي، وهو انتقال يتطلب تغييرا في المفاهيم والرؤى والتقبّل.

في اقتران بما سبق، لا ينبغي أن نغفل كذلك – وأمام تسارع وتيرة النشر الإلكتروني وتكاثر المواقع على شبكة الأنترنيت- أن المجال أضحى مفتوحا لنشر الرديء والمتدني من الأعمال؛ إذ يكفي أن يقرر الكاتب إرسال نصّه حتى يكون منشورا في متناول القراء ومرتادي المواقع الأدبية. وربما يجد المشرفون على تلك المواقع أنفسهم مجبرين على قبول نشر كل الكتابات التي ترد عليهم مهما كانت بسيطة ومتواضعة فنيا وإبداعيا. وفي المواقع الأدبية التي يُسمح فيها للقراء بالتعليق على النصوص وإبداء الرأي فإن جلّ الآراء هي مجاملات وعبارات ودّ ومحاباة بعيدة عن النقد وتقييم النصوص.

يجمع العديد من المهتمين على أن ميشيل جويس هو أول من أصدر سنة 1986 رواية تفاعلية بعنوان “الظهيرة.. قصة”، معتمدا في ذلك على برنامج خاص في كتابة النص المتفرع. وتعمّق هذا الطموح بظهور العديد من التجارب، مثل تجربة بوبي رابيد، وروبرت كاندل في تمثل عماد “الشعر التفاعلي”.

لدينا نصوص روائية وقصصية رقمية، ما في ذلك شك، استطاعت لفت الانتباه، أبرزها: “ظلال الواحد” ، “شات”، “صقيع” لمحمد سناجلة، و”قصة ربع مخيفة” لأحمد خالد توفيق، و”احتمالات” لمحمد اشويكة،” و”الكنبة الحمرا” للسيناريست بلال حسني، و”سيرة بنى زرياب” للشاعر محمد الفخراني، و”على قد لحافك” للمدونين سولو/ جيفارا/ بيانيس، وعبد الواحد استيتو في رواياته الفيسبوكية التفاعلية “على بعد ميليمتر واحد فقط”، و “المتشرد” و”الديبة”؛ لكن هل نتوفر على ما يكفي من المعطيات النظرية والإجرائية التي تمكّننا من استخلاص المميزات النصية لتلك الروايات، وكيف يمكن قراءتها: بتقنيات تحليل النص الروائي الورقي، أم بابتكار لغة نقدية جديدة تعيد النظر في المفاهيم النقدية وتغذيها بالمفاهيم التقنية؟.

الأكيد أن تطوّر الأدب الرقمي استفاد ويستفيد من مجمل الابتكارات التكنولوجية، ومستقبله سيظل رهين هذه المعرفة.

The post أَدَبٌ رَقْمِي؟ نَعَم…وَلَكِنْ! appeared first on Hespress – هسبريس جريدة إلكترونية مغربية.