اخبار المغرب

“حبيس مراكش” .. الطبيب “لامبريير” تحت رحمة السلطان محمد بن عبد الله

بعد سرده حيثيات اللحظة الرهيبة التي قابل فيها الحكيم الإنجليزي ويليام لامبريير السلطان سيدي محمد بن عبد الله في قصره، يكشف الباحث المغربي المصطفى حميمو صدمة الطبيب من نقض الوعد الذي قطعه الأمير مولاي عبد السلام بتمكينه من مغادرة البلاد رفقة باقي الإنجليز المحتجزين.

كما يستحضر حميمو على لسان الطبيب لامبريير دهشته عندما وجد نفسه حبيس مراكش تحت رحمة السلطان سيدي محمد بن عبد الله، ما اعتبره سوء تصرف من الأمير المريض ونكران جميل علاجه رغم الطمأنة التي قدمها له بمكافأته وتمكينه من مغادرة البلاد رفقة الرهائن.

هذا نص المقال:

الأمر يتعلق مرة أخرى بنفس الطبيب الإنجليزي العسكري ويليام لامبريير William Lemprière (1751ـ1834) الذي جاء إلى المغرب عام 1789، إبان بدايات الثورة الفرنسية، بطلب من سلطان المغرب سيدي محمد بن عبد الله، لعلاج ابنه الأمير عبد السلام من مرض في العينين. وكما تقدم في الحلقات السابقة، يتميز كتابه بإدخال القارئ الإنجليزي إلى كل من قصر الأمير المريض بتارودانت وقصر السلطان نفسه بمراكش. بل أدخله معه حتى لحريم كل منهما. الأمر الذي جعل الكتاب يعرف رواجا كبيرا تكلل بخمس طبعات خلال أقل من عشرين سنة.

في المقالات السابقة استمتعنا بالطرائف التي عاشها هذا الطبيب الإنجليزي بل كان بطلها مع الأمير من داخل قصره بتارودانت ومع حاشيته وحتى مع ساكنة المدينة. وفي مقال آخر أدخلَنا معه حتى لحريم الأمير الحريز من أجل علاج بعض نسائه بأمر منه، وحكى لنا منه مشاهد ومواقف أكثر طرافة. وأخيرا عشنا معه اللحظة الرهيبة التي قابل فيها السلطان سيدي محمد بن عبد الله بمراكش من بعد جهد جهيد. تلك اللحظة التي كان يتوجس منها خيفة، ولكنها مرت بسلام.

لكن بقي له أمل الحصول أخيرا على رخصة مغادرة البلاد للعودة إلى وطنه مع الرهائن الإنجليز المحتجزين، كمكافأة موعود بها ومستحقة على علاجه الأمير عبد السلام. لكنه صُدم لما وجد نفسه هو بدوره حبيس مراكش تحت رحمة السلطان سيدي محمد بن عبد الله. وما صدمه أكثر هو ما اعتبر سوء تصرف معه من الأمير المريض ونكران الجميل. فماذا حصل بالضبط؟ هذا هو ما نتركه يحكيه بنفسه كما دونه في كتابه، لما قال:

“مرت فقط عشرة أيام منذ أن قابلت الإمبراطور لما وصل الأمير مولاي عبد السلام قادما من تارودانت بقصد السفر لأداء فريضة الحج إلى مكة. وبما أنه كان أعز أمراء العائلة المالكة فقد تميز دخوله إلى مراكش بالكثير من مظاهر الإجلال والفخامة. وحالما علم الإمبراطور أنه اقترب أمر شقيقيه مولاي سليمان ومولي حسين وكذلك الباشا وجميع الأشخاص المتميزين باستقباله. فخرج هذا الموكب الرسمي من المدينة على صوت العديد من أنواع الموسيقى. والتقى بمولاي عبد السلام على بعد أربعة أميال من مراكش.

تقدم الأمير حتى وصل إلى أسوار مراكش، حيث تم أمره بانتظار الإمبراطور الذي أراد أن يعطي لقدوم ابنه إجلالا أكبر. فجاء هو بنفسه لاستقباله خارج أبواب المدينة. مع اقترابه ترجل مولاي عبد السلام وانحنى لأبيه بكل احترام. قام سيدي محمد حينها بإقامته من ركوعه وبتقبيله ممسكًا رأسه بكلتا يديه. بعد هذه العلامة الأولى للعطف أظهر فرحة كبيرة لرؤية عينيه في حالة جيدة. وسارت الكوكبة بأكملها من بعد ما تضخمت بشكل كبير بمجموع حاشية الإمبراطور الغفيرة، ودخلت المدينة على نغمات العديد من الآلات الموسيقية. ولما سلم خفر سلاح الفرسان الأمير إلى القصر قام بإطلاق ثلاث طلقات نارية في الهواء لإنهاء حفل الاستقبال.

كنت حريصًا جدًا على معرفة نوع الاستقبال الذي سيقدمه لي مولاي عبد السلام في مراكش. كنت أخشى أنه قد نسي بالفعل الخدمة التي قدمتها له. لكن الاستقبال اللطيف الذي قدمه لي عندما تمكنت من رؤيته بدد القلق الذي واجهت صعوبة في دفعه عن نفسي حيث استقر توجس دفين من نكرانه للجميل. لكن لا شيء حتى الآن يشير إلى أنني سأكون في القريب العاجل المشتكي من هذا الأمير الذي سرعان ما ظهر أن قلبه كان مغلقًا على مشاعر الامتنان.

أخبرني في ذلك اليوم أن بصره قد تحسن كثيرا منذ مغادرتي تارودانت. كما اعترف بأن صحته كانت أفضل بكثير من جميع النواحي. بدت اللحظة مناسبة للتحدث معه عن الافتراءات التي تعرضتُ لها بخصوص علاجي له. فبدا غاضبًا من السوء الذي لحقني ووعد ببذل كل ما في وسعه ليجعلني أفقد ذكرى كل ما عانيت منه.

خلال الزيارة الثانية التي قمت بها من بعد أيام قليلة، أخبرني أنه سيكون سعيدًا جدًا بعدم التوقف تمامًا عن استخدام العلاجات التي جعلته يأخذها بنجاح كبير. وأضاف أن الإمبراطور أذن لي بإعطائها إياه كلما شعرت أنه لا يزال بحاجة إليها وشجعني على وضع اللمسات الأخيرة لشفائه التام. وكرر لي أن تحرير المحتجزين الإنجليز سيكون هو المكافأة. ربما كانت هذه هي المرة المائة التي قطع لي فيها الوعد نفسه.

التأكيد الذي أعطاني إياه الأمير بعودة مواطني الوشيكة إلى إنجلترا أكده لي لما أسر لي أنه سيغادر إلى مكة في غضون خمسة أو ستة أيام. قال إن كل شيء تم ترتيبه حتى أتمكن من اللحاق به إلى مدينة سلا مع المحتجزين الإنجليز. ووعد بأن يمنحنا بعد ذلك خفرا كي يرافقنا إلى طنجة. عندما سمعت من الأمير عن مثل هذا الترتيب اللطيف، اعتقدت أنه لا شيء يمكن أن يوقفني. فطرت على الفور إلى القبطان إيوينڭ المحتجز لأشاركه فرحتي. لكن قلة الثقة التي كان يتمتع بها عنده كلام هذا الرجل الذي غالبا ما كان لا يفي بوعده، منعته من التفاؤل بالخير. ومع ذلك فقد أنعش هذا الخبر القليل مما تبقى من شجاعته.

في أحد الأيام عندما أُبلغت بخبر مغادرة مولاي عبد السلام لم أشك في أن لديه مشروع اصطحابنا معه. فاتخذت الترتيبات اللازمة للحصول على البغال التي سنحتاجها. ولكن كم كانت دهشتي كبيرة عندما قدمت بنفسي إلى منزله لآخذ أوامره الأخيرة وتم رفض دخولي عند بابه. وأجّل مقابلتي معه لليوم التالي مدعيا أنه كان مشغولا جدا لاستقبالي. لكنني رأيت أن كل شيء كان على استعداد لرحيله.

باندهاش وسخط عدت إلى مسكني حيث أمضيت الليل أصارع بعض الأفكار السوداء. وبمجرد طلوع شمس اليوم التالي انطلقت إلى القصر لأستقي بعض الأخبار عن رحيل مولاي عبد السلام. وما إن دخلت الباحة الأولى حتى سمعت عدة أشخاص يكررون أنه سينطلق بعد ساعة. وقد تم تحميل الأمتعة بالفعل على البغال. فما كان لدي أمل كبير في أن أستطيع التحدث إليه. ومع ذلك طلبت الإذن لرؤيته لكن من دون جدوى. للتخلص مني أرسل إليّ عشرة “رايكسدارات” (عملة أجنبية). الشخص الذي كلفه بإعطائي هذا المبلغ المتواضع أخبرني من جانبه أنه ينبغي عليّ أن أتوجه بنفسي إلى الإمبراطور لأنه هو وحده من يستطيع أن يمنحني حرية العودة إلى وطني.

غاضبًا من هذا التصرف غير المستحق، أكدت لرسول الأمير أنني لست بحاجة إلى المال، وأنني طلبت منه فقط الوفاء بوعوده في ما يتعلق بي وبالمحتجزين الإنجليز. وأضفت أنه حتى أتمكن من الاعتماد عليه، سأبقى عند بابه ما لم يتم استخدام بعض القوة لإبعادي. لم يكن لعنادي ولإلحاحي من تأثير آخر سوى أن مولاي عبد السلام أرسل إلىّ مع الرجل نفسه اثنين آخرين من “رايكسدارات” وأمرني بالانصراف، وأعطاني النصيحة بالاتصال بأحد كتبة الإمبراطور الذي ترك لي اسمه.

كل المحاولات التي بذلتها لرؤية الأمير ذهبت سدى. فقررت أن أنتظره عند مروره. هذا الملجأ الوحيد المتبقي لي ما جنيت منه سوى قناعتي بغدر أكثر الرجال الناكرين للجميل. بمجرد أن رأيته يمشي في فناء القصر حتى ركضت للقائه. ولكن قبل أن يتمكن مترجمي من النطق بكلمة واحدة حتى صار بعيدًا بالفعل. كان حصانه ينتظره في أسفل درج شقته. قفز عليه بخفة وركض من دون التحدث إلى أحد. فذهلت من مثل هذا الرحيل المتسرع. وجاءتني أكثر الأفكار سوادا وبأعداد كبيرة لتحاصر ذهني”.

من أي وجهة نظر أقلب فيها وضعي لم أجد سوى أسباب الخوف والقلق. لا يمكن للأجانب الذين يتم تقديمهم إلى الإمبراطور مغادرة دولته من دون إذنه. لكن عندما قابلت لأول مرة مولاي عبد السلام، قدم لي أكبر الضمانات بأنه لن يحتفظ بي بالمغرب إلا المدة اللازمة لعلاجه. ومع ذلك وجدت نفسي محتجزا في مراكش. بعيدًا عن استرجاع حريتي. وهو الأمر الذي لا يمكن اعتباره بالتأكيد منّة من أحد، فقد تعرضت لقسوة التخلي عني وتُركت تحت رحمة إرادة السلطان المخيف نفسه.

كنت مشغولا بمصيري التعيس وبالآمال التي قدمتها لمواطني بلدي لما خدعتهم بإخبارهم بنجاة وشيكة وبالمديح غير المستحق الذي أغدقته على مريضي لما راسلت القنصل البريطاني لأخبره بشفائه المسعود. كل هذا أربك فكري لدرجة أنني لم أتمكن لعدة أيام من اتخاذ أي قرار. وأخيرًا بعد أن تعافى ذهني قليلا فكرت في الذهاب إلى الكاتب الذي نُصحت برؤيته. هذا المسلك لم يؤد إلى أي شيء. هذا الرجل الذي يمكن أن يقدم لي خدمة هائلة ذهب إلى فاس. لذلك كان عليّ أن أجد وسائل أخرى للخروج من هذا البلد الرهيب.

في المأزق الذي وجدت نفسي فيه اعتقدت أنه ليس لدي ما أفعله أفضل من طلب مساعدة قنصل بلدي بطنجة. أبلغته على الفور بالخيانة التي وضعتني بطريقة ما في الحديد. لكن رسالتي أخذت وقتا طويلا جدًا في الطريق فلم تعجّل بمغادرتي المغرب ولو بيوم واحد. وبما أنني لم أتلق أي رد من هذا الجانب قررت أن أكتب الرسالة التالية إلى الإمبراطور.

إلى جلالة إمبراطورية المغرب.

مع كل الاحترام والطاعة اللازمين لجلالتكم السامية، اسمحوا لي بإبلاغكم أن حاكم جبل طارق قد أرسل إليّ للتو أوامر دقيقة بالعودة إلى منصبي على الفور. وإذا تبيّن أن مهمتي لا تزال مفيدة لمولاي عبد السلام فسأكون قد قصّرت في واجبي إن لم أستمر في أدائه. ولكن من بعد أن حظيت بتوفيق العناية الإلهية في علاجه التام، فإنني أتوسل إلى جلالتكم الشريفة للسماح لي بالعودة على الفور إلى جبل طارق.

مع خالص الاحترام لجلالتكم السامية

من الخادم المتواضع والمخلص للغاية

G. LEMPRIÈRES

تمت ترجمة الرسالة أعلاه إلى اللغة العربية. ومن بعد أن لففتها في منديل من الحرير وفق تقاليد البلاد أخذتها إلى الأمير مولاي عمر الذي كنت قد عرفته في تارودانت. وأرفقتها بهدية من الكتان الأيرلندي، قيمتها ستة “رايكسدارات”. وتوسلت إليه بأن يضع رسالتي أمام عيني الإمبراطور. قبل بهديتي من دون تردد ووعدني بأنه سيبذل قصارى جهده لتسوية وضعيتي بسرعة كبيرة. الاهتمام الذي أبداه وهو يتحدث معي منحني الثقة فيه. فهنأت نفسي على اتخاذ هذه الخطوة. لكن لم يمض وقت طويل قبل أن أدرك أن هذا الوسيط الجديد والجليل لم يكن أفضل من الآخرين. كان قلبه ينافقني. بكتمان نواياه كان يشبه الوزراء الذين توسلت إليهم قبله.

لم أتوقف عند الهدية التي أعطيتها لتوي لمولاي عمر. وسعت دائرة الوسطاء بإغداق الهدايا حتى على المسؤولين الحكوميين. لم يكن في ذلك سذاجة من جانبي للتوفر على أكثر من خيط في قوسي. مَلكات الإمبراطور ضعفت لدرجة أنه لم يعد يستطيع أن يتذكر الطلبات التي قُدمت إليه ساعة من قبل. لذلك، من كانت له قضية ليحملها إلى أعتاب عرشه، كان من المناسب جدًا تذكيره بها أكثر من مرة. كنت أرغب في أن يتم تذكيره في كل لحظة بأنني مازلت أنتظر استعادة حريتي. ولكن إما أن الهدايا التي قدمتها لم تكن كبيرة بما فيه الكفاية أو أن الوسطاء تخيلوا أنني سأظل أكرر تقديمها دائمًا، فلم أحصل على أي نتيجة لا من رسالتي للإمبراطور ولا من أعطياتي لأفراد حاشيته.

وعندما ذهبت لرؤية مولاي الحسين، وهو أحد أبناء الإمبراطور، وجدته جالسا على حصيرة في نفس مكان خيوله. وكان يجلس إلى جانبه عدد قليل من أفراد حاشيته. فأجلسني بالقرب منه، وأخبرني أن المسيحيين والمغاربة كانوا إخوة، وأنه يحب الإنجليز ويكره فقط الرهبان الذين يعتبرهم مخادعين لأنهم، بحكم مأموريتهم، مضطرون لتضليل كل الشعوب. ربما كان هذا الأمير الشاب يبلغ من العمر ستة وعشرين عامًا. كان ذا وجه جميل. بداية اللقاء معه اتسمت إلى حد ما بشيء من البرود. سبق أن عيّنه الإمبراطور حاكما لتافيلالت. وصفاته الحميدة أكسبته في هذه المحافظة جميع القلوب مع سلطة غير محدودة. حتى أنه أعلن نفسه ملكًا هناك. هذا السلوك غير الشرعي أثار استياء الحاكم الحقيقي. فأرسل عددًا كبيرًا من القوات لإعادة ابنه إلى الطاعة. وتم القبض عليه ثم اقتيد إلى مراكش، حيث جرده والده من ثروته ومن كل سلطاته. في الوقت الذي رأيته فيه كان يعيش حياة منعزلة للغاية. وأهداني حصانا جيدا إلى حد ما كمكافأة على بعض العناية التي قدمتها إلى زنجي كان يحبه.

وما إن عدت إلى المنزل حتى تلقيت رسالة مفادها أن مولاي سليمان (الذي صار سلطانا ما بين 1797 و1822م)، شقيق مولاي الحسين، قد كتب إليّ يطلب مني الحضور لرؤيته في اليوم التالي. لما استجبت لأوامره وجدته في جناح كان قد بناه في نهاية حديقته، والذي يمكن الوصول إليه عبر ممر رائع محفوف بأشجار البرتقال. كان الأمير جالسا على وسائد مقابل الباب. كانت حاشيته متحلقة من حوله. عندما اقتربت منه صاح في وجهي مبتهجا: “بونو، بونو إنجليزي!” وأضاف قائلا إن الإنجليز هم أفضل أصدقائه. لقد أرسل إلي كي أخبره عن حالة صحته التي كان يشعر بالقلق حيالها. ففحصت نبضه الذي لم يشر إلى شيء مزعج. طمأنته وأخبرته بأنه في صحة جيدة، فسُرّ بذلك. وكي يُظهر لي رضاه أمر بإحضار الشاي رغم أنه كان قد حان وقت العشاء. وكان حريصًا على إحضار الحليب من أجلي، لأنه كان يعلم جيدًا أن الإنجليز يخلطونه دائمًا مع الشاي. وذهبت مجاملته لي إلى حد إهدائي بقرة حتى لا ينفد مني الحليب أو القشدة طوال الوقت الذي سأقضيه في مراكش.

كل ما استطعت معرفته من قبل المترجم عن حديث مولاي سليمان يُعرب عن طبيعته الجيّدة. مثل الإمبراطور والده، أمه امرأة من أصل إنجليزي. (وهكذا نجد هذا الطبيب الإنجليزي قد مجد الأمير مولاي يزيد كذلك لكون أمه أيضا من أصل إنجليزي كما كان يعتقد). كان الأمير آنذاك في الثامنة والثلاثين من عمره. كانت قامته مهيبة ووجهه مفصح جدا. أخبرني أنه في رحلة قام بها إلى تركيا، عبر البحر الأبيض المتوسط على متن فرقاطة إنجليزية، لم ينس الاحترام الذي لقيه من قبطان هذه السفينة أثناء وجوده على متنها. وتحدث معي عنه بحساسية كبيرة.

بعد أن صب لي خمسة أو ستة كؤوس من الشاي أمر أحد خدمه بإخبار عبيده بأنه يريد ركوب حصان. بعد خمس أو ست دقائق تم إحضار فرس سباق رائع. كان السرج من القطيفة والركاب من الذهب. امتطى الأمير جواده برشاقة وجعله يؤدّي مختلف القفزات التي كان يمارسها المغاربة. ثم، وهو يقف على ركابه والفرس يركض بأقصى سرعة، أطلق رصاصة من بندقيته. عندما انتهى من عرض كل ما يعرفه عن الفروسية، سألني إذا ما كان الإنجليز يستفيدون هكذا من خيولهم. ومن دون انتظار إجابتي، أمر عبدا بأن يحضر لي واحدا من أجمل خراف قطيعه. لم يكن لدي الوقت لأشكره على الاهتمام الذي أولاني إياه حتى انطلق على فرسه بكامل طاقته.

لكن على الرغم من بقائه محتجزا بمراكش لأسباب كان يجهلها لم يبق من دون مكافأة غير منتظرة جاد بها عليه القدر. لقد حظي بما لم يكن في الحسبان، والذي لولاه ما كان من داع ولا حافز لتأليفه كتابه أصلا. حظي بالأمر الذي جعل من ذلك الكتاب تحفة فريدة تهافت الإنجليز على اقتناء نسخه طيلة عشرين سنة وعرف بفضله خمس طبعات. من بعد ما حظي بفرصة دخول حريم الأمير عبد السلام بتارودانت لعلاج بعض نسائه بإذن منه، حصل من السلطان نفسه بمراكش على إذن بدخول حريمه لعلاج بعض نسائه كذلك. وقد خصص لما عاشه وشاهده بفضل تلك الحظوة الجزء الأهم في كتابه بالنظر لما تضمنه من مشاهد ومواقف مثيرة للفضول من داخل حريم لا يلجه الرجال الغرباء عن الأسرة، من غير الخصيان، مغاربة كانوا أم أجانب. ونكتفي هنا بهذا القدر من قصة هذا الطبيب بمراكش، على أمل اللقاء في فرصة أخرى إن شاء الله كي نرافقه هذه المرة ونعيش ونشاهد معه ما عاشه وما شاهده من داخل حريم السلطان.