اخبار المغرب

ساكنة الجنوب الشرقي المغربي تعيد “جرائم الاستعمار الفرنسي” إلى الواجهة

تنتظر ساكنة الجنوب الشرقي المغربي (مهد المقاومة ضد الاستعمار الفرنسي) من الدولة المغربية، عبر قنواتها الرسمية، رفع مذكرة رسمية إلى رئيس الجمهورية الفرنسية، قصد الاعتراف والاعتذار عما ارتكبته من انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، وإبادة جماعية في حق أعضاء المقاومة، إبان الاستعمار الفرنسي الغاشم.

ويترقب عدد من أحفاد المقاومين بالجنوب الشرقي المغربي من الدولة المغربية توجيه مذكرة رسمية إلى الرئيس الفرنسي، وتقديم دعوى جنائية ضد فرنسا في محكمة العدل الدولية، قصد الاعتراف بجرائم الاحتلال الفرنسي، وجبر الضرر لفائدة أحفاد المقاومة من طرف الدولة الفرنسية، وتحديد مسؤولية فرنسا في هذه الجرائم وأنواع الأسلحة الفتاكة المستعملة آنذاك.

تحاول جريدة هسبريس الإلكترونية تسليط الضوء على جرائم الدولة الفرنسية التي ارتكبتها بوحشية إبان استعمارها المغرب، خاصة بالجنوب الشرقي المغربي، من خلال استقاء آراء بعض المهتمين بتاريخ المقاومة، والإجراءات المزمع اتخاذها من طرف الجمعيات المدنية والمؤسسات الرسمية في هذا الإطار.

جرائم إبادة

اختلفت فترات الاستعمار الفرنسي بالجنوب الشرقي، لكن وحشية الجيوش الفرنسية ضد المقاومة كانت دوما بالنهج والهمجية نفسهما، بحيث تم ارتكاب جرائم إنسانية وإبادة جماعية في حق المقاومين الذين رفضوا التواجد الفرنسي بأراضيهم، وظلوا يحاربونهم دفاعا عن الأرض ورموز المملكة والمقدسات الدينية والوطنية، وفق عدد من المهتمين بتاريخ المقاومة بالجنوب الشرقي.

عبد العزيز الغريسي، أستاذ وباحث مهتم بتاريخ المقاومة في الجنوب الشرقي، قال إن “الجرائم المرتكبة في حق المقاومة من طرف الدولة الفرنسية، التي مرت عليها عقود طويلة من الزمن، تجب إعادة إحيائها، بمطالبة فرنسا بأن تتحمل مسؤوليتها القانونية أمام تلك الأعمال التي ترقى إلى جرائم إبادة جماعية”، وفق تعبيره.

وأوضح الباحث ذاته، في تصريح لهسبريس، أن “جرائم الحرب والمجازر التي ارتكبها جيش الاستعمار الفرنسي في مناطق مختلفة من الجنوب الشرقي والمغرب عموما مؤرخة في كتب تاريخية ورسمية فرنسية ودولية، يجب على المغرب استغلالها كدليل على ما اقترفته الدولة الفرنسية ضد المقاومة المغربية، وتقديم شكايات لدى محكمة العدل الدولية ومجلس الأمن المكلف بحقوق الإنسان بجنيف”، بتعبيره.

وجوابا عن سؤال حول الإجراءات التي يمكن القيام بها من طرف المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير، في الجرائم المرتكبة من طرف فرنسا في الجنوب الشرقي، قال مصدر مسؤول في المندوبية الإقليمية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير بورزازات إن هذه الأخيرة لا يمكنها القيام بأي إجراء، مذكرا بأن الدولة عبر قنواتها الرسمية (رئاسة الحكومة، ووزارة الخارجية، ومؤسسات حقوق الإنسان) من لديها الحق في مطالبة فرنسا بالاعتذار وجبر الضرر.

وأكد المتحدث ذاته، في تصريح هاتفي لهسبريس، أن المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير تقوم بتنظيم لقاءات وتصون ذاكرة المقاومة، موضحا أن غالبية المقاومين ما قبل 1956 لم تعترف بهم المندوبية لكونهم لا يتوفرون على وثائق رسمية تؤكد أنهم مقاومون، وداعيا الدولة إصلاح هذا الخلل وتمكين هؤلاء المقاومين، أي من المقاومة التي واجهت الاستعمار من 1912 إلى 1960، من التسجيل في لائحة المقاومة وجبر الضرر لفائدة الأحفاد.

معارك بوكافر وبادو

تعد معارك بوكافر وبادو من أبرز المعارك التي مني فيها الجيش الفرنسي بهزيمة مذلة من طرف المقاومة، التي واجهت أسلحة متطورة وثقيلة فرنسية ببنادق وأدوات بسيطة؛ وهي معارك ستظل وصمة عار في جبين الاستعمار الفرنسي الذي ارتكب جرائم حرب وإبادة جماعية ضد مقاومة لا تملك من السلاح سوى بنادق قديمة، لكنها تلمك العزيمة والقوة لرفض أي تدخل أجنبي في المغرب، وترفض المساس بالوحدة الترابية وبرموز المملكة.

كريم أغروض، من ساكنة الجنوب الشرقي وواحد من المهتمين بتاريخ المقاومة، قال إن “المعارك التي خاضها مجاهدو الجنوب الشرقي المغربي لقنت الاستعمار الفرنسي الدرس الذي لا يمكن نسيانه”، موضحا أنه “رغم الهزيمة التي مني بها الجيش الفرنسي في هذه المعارك تبقى مسؤولية الدولة الفرنسية ثابتة في ارتكابها جرائم حرب وإبادة جماعية”، بتعبيره.

وكشف المتحدث ذاته، في تصريح لهسبريس، أنه “في ظل غياب أي تحرك من طرف الدولة والحكومة المغربية لمحاكمة الدولة الفرنسية على جرائمها الإنسانية والاقتصادية، تعمل حاليا مجموعة من الفعاليات من قبائل مختلفة بالجنوب الشرقي على تأسيس إطار مدني حقوقي سيكون في المستقبل إطارا لمطالبة فرنسا بالاعتراف أولا بجرائمها والاعتذار بشكل رسمي، وبعدها رفع دعوى جنائية ضدها في المحاكم الدولية”.

وأضاف المصرح ذاته أن الإطار المدني المزمع تأسيسه “سيرفع مذكرة تضم مطالب مشتركة بين القبائل المتضررة من الاستعمار الفرنسي، سيتم فيها تحديد مسؤوليات الدولة الفرنسية في إطار القانون الدولي، مع التنسيق مع منظمات دولية لحقوق الإنسان للمؤازرة في هذا الملف الشائك الذي حان الوقت لإخراجه من رفوف النسيان”، على حد قوله.

في المقابل، قالت عائشة بنت حدا، واحدة من أحفاد المقاومة بجبال صاغرو (معركة بوكافر)، إن نصف عائلة والدتها قضت نحبها في جبال بوكافر أثناء الحرب التي شنتها الجيوش الفرنسية ضد قبائل أيت عطا، ملتمسة من أجهزة الدولة المغربية تمكين جميع المقاومين من حقوقهم، ومؤكدة أن “غالبية الأشخاص الذين يتم توشيحهم واستقبالهم من طرف المندوبية السامية لقدماء المقاومين بإقليم تنغير والنواحي لم يشاركوا ولم يحضر أحد من عائلاتهم هذه الحرب”، وفق تعبيرها.

وكشفت المتحدثة ذاتها، في تصريح لهسبريس، أن الإطار المدني المزمع تأسيسه من طرف أحفاد المقاومة وأبناء الأحفاد “يجب أن يعمل على تحديد مسؤولية أجهزة الدولة الفرنسية أو أي أطراف أخرى في الانتهاكات المشمولة بأحكام القانون الدولي المتعلق بتجريم جرائم الحرب والإبادة الإنسانية، ووضع برنامج شامل لجبر الضرر الفردي والجماعي لضحايا انتهاكات الاستعمار الفرنسي”.

غياب رد رسمي مغربي

وفي ظل غياب أي رد رسمي مغربي حول الإجراءات المستقبلية المزمع القيام بها ضد فرنسا والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان وارتكابها جرائم حرب وإبادة جماعية، بعدما حاولت جريدة هسبريس الإلكترونية الاخبار السعودية مع عدد من المسؤولين المغاربة، فإن الفعاليات المدنية المحلية تؤكد عزمها السير في طريق القانون الدولي لكشف جرائم الدولة الفرنسية، وفقها.

ولم تخف مجموعة من الفعاليات المدنية بالجنوب الشرقي عزمها على “مواصلة التصدي لوحشية الاستعمار الفرنسي، والقيام بإجراءات قانونية لمعاقبة فرنسا، وجبر الضرر، مع السير على طريق المناضلين: عسو أوباسلام، زايد أوحماد، زايد أوسكنتي، الذين وقفوا في وجه فرنسا بالمرصاد”، وفقها.