فنون

مسلسل الحشاشين.. هل جمعت الصداقة حسن الصباح وعمر الخيام ونظام الملك؟


منال الوراقي


نشر في:
الثلاثاء 12 مارس 2024 – 7:13 م
| آخر تحديث:
الثلاثاء 12 مارس 2024 – 7:13 م

منذ عرض الحلقات الأولى منه، أمس، أثار مسلسل “الحشاشين” الذي ينطلق عرضه خلال موسم رمضان 2024، الجدل بسبب تاريخ الجماعة التي يتناولها العمل الدرامي.

يستعرض المسلسل قصة حسن الصباح مؤسس جماعة الحشاشين، وهي إحدى أخطر الحركات السرية التي تنتمي لإحدى طوائف المذهب الشيعي، ويتناول العمل كيف نجح مؤسس الجماعة في إقناع أتباعه بأفكار خاطئة لتبرير جرائمهم، وفقًا لما نقلته شبكة “سي إن إن”.

وخلال الحلقة الأولى من المسلسل الدرامي، جسدت بعض المشاهد علاقة الثلاثي الشاعر عمر الخيام، وزعيم الحشاشين حسن الصباح، والوزير نظام الملك، حيث ظهرت متانة صداقتهم وكيف تعاهدوا على المصحف بأنهم حالة وصول أياً منهم إلى مبتغاه والترقى في حياته سيأخذ بيد الآخرين، وذلك بناء على رغبة الصباح.

ولكن، ما قصة الصداقة بين الثلاثي الشاعر والوزير وزعيم الحشاشين؟
في كتاب “الإسماعيليون: تاريخهم وعقائدهم”، الذي يعد أول تأليف شامل عن تاريخ الطائفة الإسماعيلية الشيعية، وتطور عقائدها، تناول الكاتب فرهاد دفتري، المدير المشارك لمعهد الدراسات الإسماعيلية في العاصمة البريطانية لندن، والذي يمثّل مرجعاً في الدراسات الإسماعيلية، قصة الأصدقاء الثلاثة الخيام والصباح ونظام الملك.

وقال الكاتب عن عهد رفاق الدراسة الذي تعاهده حسن الصباح ونظام الملك وعمر الخيام، فقال إن المؤرخ الفارسي رشيد الدين كان أول من اقتبس تلك الحكاية، ثم تكررت عند عدة مؤرخين فرس لاحقين.

وتروي القصة أن حسن الصباح ونظام الملك والشاعر الفلكي عمر الخيام كانوا تلامذة في صغرهم عند معلم واحد في مدينة نيسابور بإيران، وكانوا قد تعاهدوا في ما بينهم على أن يقوم أول من يتسلم منهم منصباً عالياً بمساعدة الاثنين الآخرين.

وفي الوقت المناسب، صعد نظام الملك إلى منصب الوزارة في الإمبراطورية السلجوقية التركية، وعندئذ تقدم منه رفيقاه لتنفيذ العهد، فعرض نظام الملك عليهما منصب والي مقاطعة، وهو ما رفضه الاثنان لأسباب مختلفة، فالخيام الذي لم يكن يرغب في منصب عام رضي بتلقي عطاء منتظم من الوزير.

أما حسن الصباح الطموح فإنه كان يسعى إلى مناصب أرفع في البلاط السلجوقي، ونال حسن ما كان يرغب، وسرعان ما أصبح منافساً خطيراً لنظام الملك فتأمر نظام الملك، بالتالي، على حسن ونجح في النهاية في فضحه أمام السلطان، وأرغم على الفرار من الري، ومن هناك إلى مصر، بينما كان يفكر بالثأر لنفسه.

ومع ذلك، قال الكاتب إنه بناء على التباين في أعمار أبطال هذه الحكاية، الذين نشأوا في صغرهم في مدن مختلفة، فإن معظم الباحثين العصريين قد استبعدوها على أنها حكاية خيالية.

*عمر الخيام
وفي كتابه “عمر الخيام”، ذكر المؤلف والمترجم العراقي أحمد الصراف، الراحل عام 1985، إن من أفظع الحوادث التي وقعت في عهد عمر الخيام، حادث الطائفة الباطنية التي سميت بالحشاشين، وكان مؤسسها وواضعها زميل الخيام وشريكه في طلب العلم الحسن بن الصباح، ولم يكن الحسن هو المؤسس الأول لهذه الطائفة الجهنمية، وإنما بعثها من مرقدها وجدد دعوتها وأشعل نارها بعد أن خمدت مدة قرنين، وكان في بادئ أمرها تسمى الإسماعيلية ثم سميت بالقرامطة.

والحسن بن الصباح، الذي ولد حوالي سنة 430 هـ، كان قد تلقي علومه على الإمام موفق النيسابوري الإيراني مع عمر الخيام ونظام الملك الوزير في مدينة نيسابور بإيران، وكان يدعي أنه ينتمي إلى “يوسف الحميري” أحد أمراء اليمن، وكان يقول أن والده جاء من الكوفة إلى قم ومنها إلى الري، إلا أن أهالي طوس لم يصدقوه، وكانوا يدعون أن والده اسمه “على” هو من إحدى قرى خراسان الإيرانية، ولعل الصباح جده أو لقب أبيه.

وقصد الحسن بن الصباح الوزير نظام الملك وذكره بالعهد الذي تعاهدوا على إنفاذه يوم كان هو وعمر الخيام ونظام الملك يتعلمون في نیسابور الإيرانية، فرحب به نظام الملك وقدمه إلى السلطان ملكشاه وعينه كبير الحجاب، إلا أن الحسن العالي الهمة الكبير النفس الطموح لم يرض بهذا المنصب، فقد سولت له الجشعة الإيقاع بمن أنعم عليه وأكرمه فأخذ يتحين الفرص للفتك بالوزير للحصول على منصبه الخطير.

واتفق أن ملكشاه طلب يوماً إلى نظام الملك أن يقدم له الموازنة فاستعذره نظام الملك، وطلب إليه أن يمهله سنة واحدة، فلما بلغ ذلك حسن الصباح قابل الملك ووعده بأنه سوف يقدم له الموازنة بعد أربعين يوماً وقد فعل ذلك وقام بما وعد به خلال الأجل المضروب، فأحس نظام الملك بالدسائس التي يدبرها الحسن، فعمد إلى الحيلة للتخلص منه، فأخفي أوراقاً سرية تعود إلى الدولة.

ولما طلع السلطان على الأوراق وجد فيها نقصاً فوبخ حسناً ووجد عليه، فاضطر حسن أن يترك البلاط وذهب إلى أصفهان واختفي عند رجل يسمى أبا الفضل، وفي مدة بقائه عنده كانت تظهر عليه حالات عصبية وانفعالات نفسية، وقد قال ذات يوم لأبي الفضل لو كان لي صديقان صادقان صادقان لقضيت على حكومة هذا التركى وهذا القروي، يريد بالأول الملك وبالثاني وزيره نظام الملك.

*رواية أخرى
وفي رواية أخرى، تناولت “رباعيات الخيام” صداقة نظام الملك، واسمه حسن الطوسى أو الحسن بن على بن إسحق، وكنيته أبو على، مع عمر الخيام وحسن الصباح، حيث ذكرت أن الصداقة تناولتها المراجع من أمثال جامع التواريخ لرشيد الدين فضل الله عام 710 هـ، وتذكر الشعراء لدولت شاه 892 هـ، وروضة الصفا لميرخند 903 هـ، والكتب الثلاثة نقلت قصة صداقتهم من وصية الوزير نظام الملك، والتي فيها يحيى نبذه عن حياته.

وتذكر القصة نظام الملك كان أباه قد سمع بعلم الإمام الموفق النيسابوري في إيران، وأن من يتلقى عليه علوم العربية لابد أن ينبغ فيها ويبلغ الغاية وينساق إليه العز والجاه، ولذلك فقد وجهه إلى نيسابور بإيران، ليقرأ على ذلك النابغة الجليل، وفى أول جلوسه لحلقة الدرس التقى تلميذين حديثي عهد بالقراءة إلى أستاذهم الموفق، وكانا عمر الخيام وحسن الصباح.

ويحكى نظام الملك أنهما كانا في غاية الفطنة والذكاء، فأنس كل منهم بالآخر، ونمت بينهم علاقة صداقة كالتي تنشأ بين الصغار دائما عندما يتزاملون فى الدراسة، فإذا قام الإمام من حلقة الدرس اجتمعوا عند نظام الملك ليذاكروا ما تلقوه.

ويقول نظام الملك عن حسن الصباح إنه كان يكذب إذ يرجع أصوله إلى حمير من آل الصباح، ولكن الناس فى خراسان وطوس بالأخص يؤكدون أنه من عامة الناس، وأن أباه شديد التنسك والورع والتقشف ولكنه متهم في عقيدته، وكان الحسن ينكر ولكنه أحيانا ينسى نفسه ويتلفظ بما يقضى بكفره، وكان شديد النقد والتحامل على أهل السنة “، فإذا واجهه الإمام الموفق بما قال أبدى البراءة، وتنصل من التهمة مخافة أن يطرده الإمام من الحلقة.

وجاء الحسن زميليه يوما واقترح أن يتعاهدا على أن من يحقق لنفسه مستقبلاً ناجحًا فلا يقصر في حق صاحبيه وليقتسم معهما ما حصله من خير، وتعاهدوا، وافتقوا، ومضت السنون، ويقول نظام الملك إنه سافر طلبا للرزق، وتقلبت به الأحوال إلى أن التحق بخدمة السلطان وارتقى إلى الوزارة، فسمع به صاحباه عمر الخيام وحسن الصباح، فقدما إليه يستقضيان العهد.

ولما عرض نظام الملك على الخيام أن يوليه إمارة أو يلحقه بخدمة اللطان، بالنظر إلى عمله وأن مثله ينبغى الانتفاع به، أبي وأبدى عزوفًا عن السياسة والوظائف العامة، وآثر أن يخصه النظام براتب سنوى يكفيه ويغنيه عن الناس ليتفرغ لمواصلة دراسة علوم الحكمة وخاصة علم الهيئة فيفيد منه الناس، وتمضى القصة أن حسن الصباح طلب الاشتغال بالحكم، وظن النظام أنه يطلب إمارة أحد الأقايم فخيره بين الرى وهمذا، ولكنه رفض العرضين وطلب أن يشركه معه في الوزارة.

فاكتفى الوزير أن يُبوأه معه مكانا عليا في القصر، فعمل الحسن على أن يتصل بندماء السلطان وأن يجتذبهم إليه، فكان كثير الاجتماع بهم والسمر معهم وملاعبتهم النرد والشطرنج حتى ارتقى فى الوظيفة وصار حاجبا للسلطان.

وكان الصباح من الشيعة الإسماعيلية فكان يكره النظام لهذا السبب لأنه كان سنيًا منتصرا لسنيته، وكانت تلك الكراهية دافعا له أن يدس للنظام عند السلطان حتى اتهمه هذا الأخير بتبديد أموال الدولة وإساءة التصرف فيها، وتقول القصة إن هذه الفرية انكشف أمرها فهرب الصباح إلى أذريبيجان ومنها إلى الشام، ثم نزح إلى مصر سنة 471 هـ.