اخبار المغرب

“العودة الكبيرة للتضخم” تجمع أكاديميين

نقاش مستفيض بطابع أكاديمي صرف حول “منابع وجذور وسبل مواجهة” التضخم المهيمن على ساحة النقاش العمومي منذ أشهر، احتضنته مدرجات كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية أكدال بالرباط، في إطار “مائدة مستديرة” نظمتها جامعة محمد الخامس، تحت عنوان “العودة الكبيرة للتضخم” (Le Grand Retour de l’inflation).

النقاش الذي عرف حضورا غفيرا من طرف طلبة الكلية، لاسيما شعبة الاقتصاد، أطره ثلاثة أساتذة في تخصصات اقتصادية مختلفة من الكلية ذاتها، هم: زكرياء فيرانو، أستاذ علوم الاقتصاد، وسعيد تونسي، أستاذ باحث في الاقتصاد، وسناء صلحي، أستاذة التعليم العالي حاصلة على دكتوراه في علوم التدبير.

تحديد أثر التضخم

سعيد تونسي، الأستاذ الذي يركز أبحاثه على السياسات الاقتصادية، لا سيما السياسة المالية، أصَّل أكاديميا ضمن مداخلة له خلال الندوة لعلاقة “سعر صرف العملات بما يمكن وصفه بالتضخم المحلي”، لافتا إلى أن “التضخم عالمي. والحالة هذه، فإنه يتوفر على عدة ميكانيزمات مؤثرة في تحديد الأسعار ومستواها العام”.

ولفت تونسي إلى أن “التضخم لا يخلو من آثار وانعكاسات على الميزان التجاري”، من خلال “تعميق عجز الحساب الجاري”، قبل أن يشير إلى أن “حصول المغرب على خط ائتماني مرن يظل هدفه الوقاية والترقب من مخاطر مستقبلية أو صدمات اقتصادية مستجدة”.

وفي معرض كلمته في قاعة ممتلئة، سجل أستاذ الاقتصاد أن “الجهد الميزانياتي الموجّه نحو المقاصة يظل مرتفعا، لا سيما مع استمرار دعم مواد أساسية في ظرف دولي عرف ارتفاع أسعار المواد العالمية للغذاء والطاقة”، قبل أن يتساءل: “هل الدولة يمكن لها أن تتدخل من أجل إعادة ضبط مستوى الأسعار في السوق؟”.

في محاولة إجابة، أشار الأكاديمي ذاته إلى ضرورة “إيجاد الخيارات التي يجب أن نتوجه في مساراتها لإعادة تصحيح الوضع القائم المعاش بسبب صدمات التضخم”، داعيا إلى “قراءة هذا الأخير بشكل نقدي”.

وختم تونسي قائلا: “لم يستطع البنك المركزي المغربي تحديد هل هي صدمات تضخمية دائمة أو مؤقتة في الزمن كما الأثر، كما أن ضبابية الاخبار السعودية حول الوضع الراهن بدت جلية بعد أول اجتماع فصلي لمجلس البنك خلال 2023 أواخر مارس، في حين يثير استمراره تساؤلات عديدة”.

“التضخم الحالي ليس نقديا”

من جهته، عاد زكرياء فيرانو، أستاذ علوم الاقتصاد بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية أكدال بالرباط، بالموضوع إلى “تطوره التاريخي”، مستعرضا عبر رسوم مبيانية ومنحنيات حالية وتوقعية مساره الكرونولوجي منذ منتصف القرن الماضي، معتبرا أن “النقاش حول التضخم ومسبباته ليس وليد اليوم وليس واقعا ظرفيا راهنا، بل اتسمت به جميع التيارات ومدارس الفكر الاقتصادي عبر العالم منذ سبعينات وستينات القرن الماضي، لا سيما في الشق الماكرو اقتصادي”.

ولم يتوان فيرانو في الدعوة الصريحة إلى مراجعة “النموذج الكينزي”‏ وتطبيقاته في الاقتصاد الكلّي (المستند إلى نظرية الاقتصادي البريطاني جون مينارد كينز)، مؤكدا أن “بنك المغرب يتعامل مع توقعات تضخمية من منطق الاستباق والترقب، وليس دوره تحديد التضخم الذي يظل من اختصاص المندوبية السامية للتخطيط”.

وذهب فيرانو، في حديثه أمام الحاضرين، إلى التأكيد أكثر من مرة أن “التضخم الحالي ليس نقديا، وليس حتى ذا مصدر نقدي أو نتيجة تنفيذ سياسة نقدية معينة، لا سيما بعد إقرار استقلالية البنك المركزي في المغرب”.

وزاد شارحا في هذا الصدد: “قبل عام 2000، يلاحظ ربما وجود علاقة تربط بين التضخم والنقد، إلا أن هذه العلاقة صارت سلبية بعد سنة 2000، والربط بين الأمر في أزمة التضخم الحالية مجرد وهم أو مغالطة”.

وخلص فيرانو إلى أن “بنك المغرب، وعلى لسان الوالي عبد اللطيف الجواهري، أكد غير ما مرة منذ 2021 اتجاه الأمر نحو محاولة تفادي ترسيخ وتثبيت التوقعات التضخمية وجهود تطويقها”، مشددا على أن “السياسة المالية هي التي كان يمكن أن تتدخل بدل السياسة النقدية قبل الوصول إلى الوضع المستفحل للتضخم”.