اخبار الإمارات

هل تخنق العقوبات القيادة الأمريكية


أصبحت الحملة التي تقودها الولايات المتحدة لضمان “الهزيمة الاستراتيجية” لروسيا و”لتمكين الأوكرانيين من الدفاع عن أنفسهم، وتقليص قدرة روسيا على القتال في هذه الحرب ولابراز القوة في المستقبل” أكثر أهمية من مجرد مواجهة بين واشنطن وموسكو. وحتى بدون أن يُقصد ذلك، أصبحت معركة الرئيس الأمريكي جو بايدن لهزيمة الرئيس الروسي اختباراً حاسماً لقدرة واشنطن على رسم نظام عالمي اقتصادي وأمني يحظى بموافقة أو قبول العالم على نطاق واسع.

الجيل الأعظم من رماد الحرب
وقال جيفري أرونسون، الباحث غير المقيم في معهد الشرق الأوسط في واشنطن في تقرير نشرته مجلة ناشونال انتريست الأمريكية، إنه كان واضحاً لبعض الوقت أن السياسات التي تحدد القرن الأمريكي الذي بناه “الجيل الأعظم” من رماد الحرب العالمية الثانية قد فقدت الطاقة والدعم بين الأمريكيين.

وفتحت قيادة الرئيس السابق دونالد ترامب، تخلى الجمهوريون عن العناصر الجوهرية لتلك السياسات، حيث يعود إلى الأذهان تعامله السيء مع حلف شمال الأطلسي (الناتو) والحماية الأمريكية للخليج. كما تخلى الديمقراطيون عن اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادئ وأصبحوا يفضلون العقيدة التوسعية المتمثلة في “مسؤولية الحماية” على أولوية سيادة الدولة في قلب النظام الدولي في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية.

ويرى أرونسون أن الطبقة السياسية في واشنطن، أياً كان اتجاهها، لم تعد ترى ميزة عظيمة في توسيع نظام التجارة العالمي وحشد الدعم السياسي عبر الأمم المتحدة، ناهيك عن توسيع نظام علاقات بناء الثقة مع روسيا والصين والذي اتضح أنه نظام جذاب وناجح في النصف الثاني من القرن العشرين.

وقال أرونسون إنه بدلاً من ذلك، تسعى واشنطن لفرض تبني ما تسمه “النظام الدولي القائم على قواعد”. وهذا المصطلح جدير بالملاحظة بسبب المرونة التي يمنحها لواشنطن لكي تحدد بشكل انتقائي وأحيانا بشكل أحادي قواعد كل لعبة. لقد أصبح عنوانا منظما لحشد “تحالفات الراغبين”، في أماكن بعيدة مثل ليبيا والعراق والمحيط الهادئ والآن روسيا.

فرض العقوبات
واعتبر أرونسون أن استخدام واشنطن المتفجر أو المكثف للعقوبات يتركز في قلب هذا النظام الجديد المتطور. فقد تطور فرض عقوبات اقتصادية وثقافية واسعة من بداياته كسهم متواضع في صندوق أدوات السياسة الموسع ضد الاتحاد السوفيتي في سبعينيات القرن الماضي، ليصبح الآن سلاح السياسة الخارجية المفضل، وليس فقط ضد روسيا وإيران والصين، ولكن أيضا ضد أصدقاء وحلفاء.

وتهدف العقوبات الأمريكية إلى عزل ومعاقبة وفرض الخضوع كجزء من ممارسة لا تحقق شيئا للمصالح الأمريكية. وفي أعلى درجات فعاليتها، كما في سوريا وإيران، أدت العقوبات إلى إفقار المواطنين العاديين وليس قادتهم في الاقتصاد والسياسة، كما فشلت في تحقيق الأهداف السياسية الواسعة النطاق للولايات المتحدة.

وفي ظل هذه الظروف، قد يكون من الحكمة أن يتساءل المرء عما إذا كانت واشنطن، من خلال اعتمادها على العقوبات كأداة رئيسية لسياستها الخارجية ، يمكن أن تخسر في نهاية المطاف رغم ما تحققه من مكاسب.

وهذا بشكل خاص هو الوضع عندما تروج الصين الصاعدة لمزايا فلسفتها المعتمدة على تحقيق الربح للجميع في الشؤون الدولية، مدعومة ببرنامج بعدة مليارات من الدولارت للمشاركة الاستراتيجية والتنمية والتي تركت واشنطن في حالة جمود.

وقال أرونسون إنه في المقابل، يوحي تبني واشنطن للعقوبات كخيار أساسي أن صناع السياسة والسياسيين الأمريكيين على السواء يعتقدون اليوم أن أفضل وسيلة لتعزيز قيادة الولايات المتحدة في العالم، هي تبني سياسة تعتبرها دول عديدة قسرية وأحادية، وانعكاسا لممارسة القوة الأمريكية التي لم تعد واثقة من قدرتها على القيادة من خلال تقديم القدوة كديمقراطية سليمة واقتصاد عادل.

وبغض النظر عن مدى ترويج وتفاخر إدارة بايدن بنجاح التحالف الذي تم تشكيله لهزيمة روسيا- وبدلا من توسيع دائرة أصدقاء الولايات المتحدة- فإن العقوبات والسياسة التي تعتمد عامة على الجزاء والعقاب تضيق من آفاق القيادة الأمريكية في العالم وفي الوقت نفسه، تقدم دليلاً محدوداً على أنها ستجبر روسيا على الانسحاب.

ويقول أرونسون إن القوى العظمى، في أوج نجاحها، من روما وحتى واشنطن، كانت تحافظ على تأثيرها وتعززه، من خلال توسيع نطاق نفوذها، وليس من خلال وضع طرق لاستبعاد أشخاص من مزايا النظام الدولي الذي تحاول الترويج له.

واختتم أرونسون تقريره بالقول إنه سيكون من اللافت للنظر حقا إذا كان زعم الولايات المتحدة المستمر بقيادة المجتمع الدولي في القرن الحادي والعشرين يمكن أن يعتمد بشكل ناجح على تضييق وليس توسيع دائرة الحلفاء وعرقلة التجارة الدولية بشبكة متنامية من العقوبات التي لم تعد تميز بين صديق أو عدو.