اخبار المغرب

الداكي يناقش ضمانات المحاكمة العادلة‎‎

قال مولاي الحسن الداكي، الوكيل العام للملك رئيس النيابة العامة، إن الندوة الوطنية المنظمة حول موضوع: “العمل القضائي وضمانات المحاكمة العادلة في ضوء الدستور وتحديات الممارسة” تأتي في سياق تطبعه مجموعة من التحولات الحبلى بالعديد من المستجدات التي أسهمت في تقوية ضمانات المحاكمة العادلة ببلادنا، في مقدمتها دستور المملكة الذي عمل على دسترة مجموعة من المبادئ الأساسية للمحاكمة العادلة، حيث نص بشكل صريح في الفصل 23 منه على أن قرينة البراءة والحق في محاكمة عادلة مضمونان”.

وأوضح الداكي في كلمة تلاها بالنيابة عنه هشام بلاوي، الكاتب العام لرئاسة النيابة العامة، أن الدستور أعاد التأكيد على ذلك في الفصل 120، الذي نص على أن لكل شخص الحق في محاكمة عادلة”، مضيفا أن هذا التأكيد ما هو إلا دليل على محورية ضمانات وشروط المحاكمة العادلة في مجال العدالة.

وشدد على أن هذه المكتسبات الدستورية تعززت بصدور القانون المتعلق بالتنظيم القضائي رقم 38.15، الذي حملت مقتضياته مجموعة من المستجدات التي تتصل بحقوق المتقاضين والحق في الدفاع وتيسير الولوج إلى العدالة بما يضمن تحقيق الشروط العادلة للمحاكمة.

وأضاف الوكيل العام للملك رئيس النيابة العامة أن موضوع المحاكمة العادلة والضمانات المتعلقة بها في الميدان الجنائي، “يعد من أهم الانشغالات الحقوقية في مختلف الدول، وتتابعها العديد من الهيئات والآليات الدولية المهتمة بحقوق الإنسان”.

وأبرز أن مصدر هذا الانشغال، كون مجال ونطاق المحاكمة العادلة يخص قضايا بالغة الدقة والخطورة، بالنظر إلى كونها تنصب على حقوق أصيلة وجوهرية، في مقدمتها الحق في الحياة والأمن والسلامة والحرية والكرامة الإنسانية.

وقال الداكي: “لقد شاع تداول تعبير المحاكمة العادلة، حتى كادت تختزل في الميدان الجنائي فقط، وذلك بسبب ارتباطه في الأذهان بالمجالات ذات الصلة بالحرية وبتقييدها، علماً أن المحاكمة العادلة مطلوبة وضرورية في أي فرع من فروع العدالة، سواء كانت مدنية أو جنائية”.

واستحضاراً للأهمية التي يحظى بها موضوع المحاكمة العادلة ضمن النقاشات القانونية والحقوقية، أكد المسؤول القضائي أن الحوار الوطني حول إصلاح منظومة العدالة أولى حيزاً هاماً لهذا الموضوع، حيث شكل تعزيز ضمانات المحاكمة العادلة أحد الأهداف الفرعية المُكًونَة للهدف الرئيسي الخاص بتعزيز حماية القضاء للحقوق والحريات.

وأشار الداكي إلى أن الموضوع حظي بحيز وافر من النقاش ضمن الندوات الجهوية التي عرفها الحوار، حيث تم تخصيص ندوتين جهويتين، على غير العادة، لموضوع تطوير العدالة الجنائية وتعزيز ضمانات المحاكمة العادلة، مما يعكس الأهمية القصوى التي يحظى بها هذا الموضوع في علاقته بالعدالة الجنائية.

واعتبر الوكيل العام للملك رئيس النيابة العامة أن الحق في المحاكمة العادلة يشكل أحد الأعمدة الأساسية لدولة القانون، وهو الأمر الذي جعل هذا الحق يحظى بمكانة خاصة كرستها الصكوك الدولية المرتبطة بحقوق الإنسان، بدءاً من الإعلام العالمي لحقوق الإنسان، مروراً بالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، الذي أكد في مادته 14 على مجموعة من المبادئ التي باتت تشكل اليوم مرجعا كونيا للأنظمة الجنائية الحديثة وجوهراً لكل محاكمة عادلة، وصولاً إلى اتفاقية مناهضة التعذيب وغيرها من الإعلانات والقواعد والمبادئ الدولية ذات الصلة بحقوق الإنسان.

وإذا كانت المحاكمة العادلة تختزل مجموعة من الحقوق والضمانات القانونية والقضائية التي ينبغي أن يتمتع بها أطراف الدعوى، يورد الداكي، فإن “القضاء يظل المعول عليه لتفعيل هذه الضمانات، وهو ما فتئ جلالة الملك محمد السادس يؤكد عليه في العديد من درره الغالية”.

وفي هذا الإطار، استحضر المسؤول القضائي نفسه خطاب الملك محمد السادس بمناسبة افتتاح السنة القضائية بأكادير يوم 29 يناير 2003، الذي جاء فيه: “وتظل غايتنا إيجاد قضاء متخصص يكفل الفعالية في البت في المنازعات ويضمن الحق في المحاكمة العادلة ومساواة المواطنين أمام القانون في جميع الظروف والأحوال”.

وقال الداكي: “لقد بادرت بلادنا منذ مدة إلى الانخراط في المجهودات الرامية إلى تعزيز القيم الكونية لحقوق الإنسان من خلال دسترة مجموعة من الضمانات القانونية والقضائية التي تشكل جوهر المحاكمة العادلة”، مبرزا أن “دستور 2011 شكل طفرة نوعية في مجال حقوق الإنسان بالنظر للزخم الحقوقي الذي جاءت به الوثيقة الدستورية التي ارتقت بالقضاء إلى سلطة أناطت بها مهمة حماية حقوق الأشخاص والجماعات وحرياتهم وأمنهم القضائي”.

وأكد أن القضاء المغربي بمختلف أصنافه ودراجته له دور كبير في تكريس وإعمال المبادئ الأساسية للمحاكمة العادلة من خلال العديد من الأحكام والقرارات التي تنطق بمجموعة من المبادئ الكونية لحقوق الإنسان؛ فإلى جانب الدور الذي يضطلع به القضاء في هذا المجال، أقر المشرع المغربي مجموعة من الضمانات الرامية إلى تعزيز شروط المحاكمة العادلة، من ذلك التنصيص على قرينة البراءة كأصل، وتكريس الطابع الاستثنائي للتدابير السالبة للحرية، وتعزيز الرقابة القضائية على أماكن الحرمان من الحرية، والحق في الدفاع، والحق في المناقشة الحضورية لوسائل الإثبات، والحق في التزام الصمت، إلى جانب ضمان الحق في السلامة الجسدية، وغيرها من الضمانات القانونية الأخرى التي يعمل القضاء على تفعيلها وحسن تنزيلها على أرض الواقع باعتباره المؤتمن دستوريا على حماية حقوق الأشخاص والجماعات وحرياتهم وأمنهم القضائي وفقا للفصل 117 من الدستور.

وتابع بأن رئاسة النيابة العامة واستحضاراً منها للمهام الدستورية والقانونية المنوطة بها، تحرص، إلى جانب قضاة النيابة العامة بمحاكم المملكة، على ضمان تكريس شروط المحاكمة العادلة للجميع بصرف النظر عن المراكز القانونية لأطراف الدعوى، كما تحرص أيضا من خلال المهام التي تضطلع بها على مستوى تنفيذ السياسة الجنائية على جعل موضوع تفعيل ضمانات المحاكمة العادلة أحد أولويات السياسة الجنائية.

وأردف بأن ذلك “يتجسد بشكل فعلي من خلال الدوريات التي وجهتها رئاسة النيابة العامة لقضاتها والتي تحثهم فيها على ضرورة السهر على تفعيل المبادئ الأساسية للمحاكمة العادلة التي يكفلها القانون للجميع، لاسيما في ما يتعلق بترشيد استعمال الآليات القانونية الماسة والمقيدة للحريات، واحترام الكرامة الإنسانية، وتكريس حقوق الدفاع، باعتبارها حقا دستوريا وقانونيا لفائدة المتهمين والضحايا على حد سواء، وتفعيل كافة الشروط المتطلبة للمحاكمة العادلة، بوصفها أحد أهم الحقوق الأساسية للإنسان”.

وسعياً لإذكاء الوعي الحقوقي لدى قضاة النيابة العامة وتملكهم للمعايير الكونية المتعلقة بشروط المحاكمة العادلة، بادرت رئاسة النيابة العامة، بشراكة مع المجلس الأعلى للسلطة القضائية، إلى اعتماد برنامج تكويني يستهدف تعزيز قدرات القضاة في مجال حقوق الإنسان، حيث شمل هذا البرنامج عدة وحدات للتكوين انصبت في جانب كبير منها على المبادئ الكونية للمحاكمة العادلة كما هو متعارف عليها دوليا بموجب الاتفاقيات والصكوك الدولية، واستفاد من هذا البرنامج التكويني حوالي 922 قاضيا وقاضية، من بينهم 203 مسؤولين قضائيين

وختم الداكي كلمته بالتشديد على أن الندوة ستتمخض عنها مخرجات واقتراحات وأفكار خلاقة من شأنها الإسهام في تعزيز إعمال الضمانات الأساسية للمحاكمة العادلة، وتعزيز الحقوق والحريات، بما يخدم العدالة ببلادنا لتكون في مستوى تطلعات الملك محمد السادس.