اخبار فلسطين

نتنياهو يريد حقا أن يكون “الملك بيبي”، ولا بد من استخدام جميع الوسائل القانونية لإحباطه

لعقود من الزمان، أشاد أنصار بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء لأكثر من خُمس عمر هذه الدولة، بوصفه “بيبي، ملك إسرائيل”.

هذا اللقب أصبح ملائما اليوم أكثر من أي وقت مضى. بعد عودته إلى العرش السياسي للبلاد بعد توقف قصير، يتمتع نتنياهو بسلطة استثنائية كرئيس لائتلاف يميني متجانس إلى حد كبير، وهو عازم على توسيع سيطرته أكثر من خلال تحييد الدفاع الوحيد ضد تجاوزاته أو تجاوزات أي حكومة، محكمة العدل العليا. إذا أثبت أنه قادر على تجريد المحكمة من استقلالها وقدراتها، فستكون إسرائيل مملكته بالفعل.

ومع ذلك، كما هو الحال مع الملوك عبر آلاف السنين، تزامن تراكم السلطة المطلقة مع عدم قدرة نتنياهو على فصل مصالحه الشخصية عن مصالح الدولة، وهو على يقين متزايد أنه وحده قادر على قيادة إسرائيل بشكل فعال، والقضاء على الأصوات المعارضة، وتنمية جوقة محيطة به من رجال يقولون له “نعم” (وعدد قليل جدا من النساء)، وما يترتب على ذلك من قناعة بأن جميع الوسائل مشروعة وضرورية للحفاظ على حكمه.

المأساة، بالنسبة لهذه المملكة، هي أن نتنياهو وضعها على طريق الدمار. أود أن اقتبس من الكلمة التي ألقاها الرئيس المتحفظ عادة، يتسحاق هرتسوغ، الذي قال إن الثورة القضائية التي يعتزم نتنياهو تمريرها في البرلمان تهدد “بإهلاكنا جميعا”.

لماذا يتصرف “الملك بيبي” ب خطيرة للغاية لا تتمثل فقط في هدم القضاء، وإنما أيضا تقوية مجرمين ومعادين للمثليين ومسيحانيين وثيوقراطيين على طاولة وزرائه؟

إلى حد كبير، لأن مصلحته الشخصية تتطلب منه تخليص نفسه من المحاكمة، وبالتالي هزيمة ما يُنظر إليها بأنها النخب الأشكنازية اليسارية في الشرطة والنيابة العامة والإعلام والسياسة التي سخرت طاقاتها للتحقيق معه وتوجيه التهم إليه ووضعه في قفص الاتهام عن جرائم يصر على أنه لم يرتكبها، وأفعال يصر على أنها لم تكن جنائية.

بال التي يراها، سعى خلفاء تلك النخب نفسها، التي تآمرت على والده في الأوساط الأكاديمية لتدميره، إلى ما يصفه غالبا بالانقلاب السياسي. حتى أنها نجحت لفترة وجيزة. لكنه الآن عاد إلى السلطة، عازما على أن تكون له الكلمة الأخيرة، وأقنع نفسه دون تدخل يذكر من أقرب أفراد عائلته بأن نجاحه سيكون نجاحا لإسرائيل.

خطة مرحلية

مبعوثه الأول هو المهووس العبقري غريب الأطوار الذي همشه لسنوات، وأطلق له الآن العنان كوزير للعدل، ياريف ليفين. بعد ستة أيام فقط من تولي الائتلاف مهامه، تم إرسال ليفين لتقديم مقترحاته التي أطلق عليها بشكل مثير للضحك “إصلاح” والتي عمل على صياغتها منذ فترة طويلة وهي خطة من أربع نقاط لضمان ألا يتمكن قضاتنا من حماية الإسرائيليين من الانتهاكات التي يرتكبها الائتلاف الحاكم. بعيدا عن كونها جهدا مشروعا حسن النية لضبط التوازن الحساس بعناية وبشكل توافقي بين السلطة التنفيذية والقضائية، فإن الخطة تشكل ثورة مفروضة وسريعة التفعيل في حكم إسرائيل، مما يمنح سلطة غير محدودة تقريبا للأغلبية السياسية.

ومع ذلك، كما أشار ليفين، فإن هذه المقترحات ليست سوى “المرحلة الأولى” لإعادة تشكيل حكم إسرائيل. ومن المسلم به أن المراحل اللاحقة ستشمل تقسيم منصب النائب العام الإسرائيلي، وهي خطوة نوقشت كثيرا بصفته مستشارا قانونيا للحكومة ورئيسا للنيابة العامة.

وزير العدل ياريف ليفين يكشف عن خطته لإصلاح النظام القضائي خلال مؤتمر صحفي في الكنيست، 4 يناير، 2023. (Olivier Fitoussi / Flash90)

في حين أن إصلاح ليفين في المرحلة الأولى مدمر من حيث عواقبه على الديمقراطية الإسرائيلية، فإن فكرة تقسيم مسؤوليات النائب العام بين اثنين من المسؤولين ليست بدون أساس. لكن بالنسبة لنتنياهو، المصمم على الهروب من محاكمته، فإن خطة الإصلاح توفر مخرجا مثاليا. لأن المدعي العام الذي سيتم اختياره بعناية سيكون من حقه إعادة النظر في التهم الموجهة إلى رئيس الوزراء ويُتوقع منه من قبل من قام بتعيينه أن يستنتج عدم وجود قضية معقولة ضد نتنياهو. قد يكون لمحكمة عليا مستقلة وقادرة أفكار أخرى؛ لكن “المرحلة الأولى” من خطة ليفين، إذا تم تنفيذها، ستكون قد ضمنت عدم وجود محكمة عليا مستقلة وقادرة.

حلفاء أصغر سنا وأكثر حيوية وخداعا

شركاء الليكود في الحكومة لهم مصلحة كبيرة في مساعدة نتنياهو لأنه يقويهم ويخدم مصالحهم ولأن لديهم مشاكلهم الخاصة مع هؤلاء القضاة المتطفلين. لن تسمح المحكمة للأحزاب الحريدية بتقنين الإعفاء التمييزي الواسع من الخدمة العسكرية، ولن تسمح لليمين المتطرف بإضفاء الشرعية على المستوطنات المقامة على أراض فلسطينية خاصة، وهي تحمي العرب ومجتمع الميم من العنصرية والتمييز، وتمنع المجرمين ذوي السوابق من تولي مناصب وزارية.

نتنياهو ليس مغامرا عسكريا، وهو ليس ثيوقراطيا، ويدرك أهمية العلاقات الوثيقة مع الولايات المتحدة، وأنها تتوقف على العلاقة الحميمة التي يمكن أن تتشاركها ديمقراطيتان فقط. ولقد خدم لسنوات ضمن التسلسل القيادي الواضح في الجيش الإسرائيلي ويعرف الأهمية المصيرية لهذا الوضوح. إنه لا يؤمن بيهودية متعصبة، وهو يهودي علماني، لا يحتقر التيار اليهودي غير الأثوذكسي ولا يسعى إلى إبعاد يهود الشتات دون مبرر. لقد تباهى بصورة لها ما يبررها بحقيقة أن إسرائيل يمكن أن تكون ملاذا يمكن الاعتماد عليه لكل من يتعرض للاضطهاد لكونه يهوديا، بغض النظر عما إذا كان يستجيب لتعريف الشريعة اليهودية لمن هو يهودي. قام برعاية قطاع التكنولوجيا الفائقة (الهايتك) المذهل ويدرك اكثر من أي شخص تقريبا أهميته للاقتصاد، وبشكل أوسع لقدرة إسرائيل على حماية نفسها من أعدائها. وهو يقدّر قيمة محكمة عليا مستقلة لحماية الحقوق داخل إسرائيل، وكحصن ضد منتقدي إسرائيل الأقوياء في الخارج، خاصة فيما يتعلق بالسياسات الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين.

ب أو بأخرى، إلى حد ما، يتمسك حلفاؤه المختلفون في الإئتلاف بمواقف مختلفة تماما بشأن واحدة أو أكثر من هذه القضايا. ليس كلهم متسامحين في يهوديتهم، وبالتأكيد أنهم ليسوا جميعا ديمقراطيين، وليسوا جميعا صهاينة.

لكنه يحتاج إليهم لإلغاء النظام القضائي، و “إعادة التوازن” بين فروع الحكم لصالحه، ووضع حد لمحاكمته.

وفي النهاية حتى عندما يمول المدارس الحريدية وشبكات المعاهد الدينية التي تقوض القوى العاملة؛ حتى مع انتشار مشاريع القوانين والقرارات المؤيدة للثيوقراطية، في كل شيء بدءا من الحد من أعمال البنية التحتية الحيوية أيام السبت مرورا بتمويل الأحداث العامة التي تفصل بين الجنسين وصولا إلى منع إدخال “الحامتس” (البضائع المخمرة) إلى المستشفيات في عيد الفصح العبري؛ على الرغم من أن الاتفاقات الإئتلافية التي أبرمها تنص على التمييز ضد العرب والمثليين فهو يدعي أنه قادر على تقييد ميولهم الأكثر فظاعة. فبعد كل شيء، إنه الملك بيبي.

ومع ذلك، يمكنكم أن تكونوا على يقين من أن أرييه درعي وبتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير  الأصغر سنا ويتمتعون والذين يتمتعون بحيوية وشراسة يؤمنون، حتى وهم يقبّلون خاتمه مجازيا ب مخادعة، بأن الكلمة الأخيرة ستكون لهم.

رئيس حزب “الصهيونية الدينية” عضو الكنيست بتسلئيل سموتريتش مع رئيس حزب “عوتسما يهوديت” إيتمار بن غفير في الكنيست، 28 ديسمبر، 2022. (Olivier Fitoussi / Flash90)

كان من الممكن أن تحول معارضة أقل تراخيا وتغطرسا وعقما دون نتيجة انتخابات 1 نوفمبر التي أعطت نتنياهو وهؤلاء الحلفاء أغلبية حاسمة على الرغم من انقسام أصوات الناخبين مناصفة بين المعسكرين تقريبا.

نسخة سابقة لحزبه الليكود كانت ستقاوم خيانة المبادئ الليبرالية والديمقراطية التي دافع عنها أول زعيم أوصل الحزب إلى السلطة، مناحيم بيغن. لكن عائلة بيغن، الأب وابنه، لم تعد موجودة، وكذلك أمثال مريدور، وحتى أمثال شتاينتس، ولم يتبق سوى أمثال ديختر وبركات، الذين يجب أن يكونوا أكثر حكمة وتعقلا، ومجموعة من الوجوه الطموحة التي لا يمكن تمييزها في كثير من الأحيان عن حلفائها على اليمين،  وأي معارضة داخلية سيتم تهدئتها بوعود زائفة بحقائب وزارية فارغة رئاسة لجنة هامشية.

ما ينبغي فعله

وهكذا فإن الأمر يقع على عاتق أغلبية الجمهور الإسرائيلي أولئك الذين صوتوا ضد هذه الأحزاب الائتلافية، وأولئك الذين دعموها ولكنهم يعارضون جوانب رئيسية من أجندتها في محاولة إفشال النظام الملكي، واستخدام جميع الوسائل القانونية لتجنب هذه المأساة المتفاقمة. لحماية المحكمة العليا، التي لا تظهر حتى الآن أي إشارات على استعداد لحزم أمتعتها والعودة إلى المنزل. للتظاهر ليس بمشاركة عشرات الآلاف، بل مئات الآلاف.

أكثر من 100 ألف شخص يتظاهرون ضد التغييرات المقترحة على نظام القضاء في تل أبيب، 21 يناير، 2023. (Flash90)

هذا الجهد يجري بالفعل على قدم وساق. يرسل المحامون رسائل تحذير، وكذلك رؤساء الجامعات والمصرفيين والاقتصاديين. العاملون في قطاع الهايتك يتظاهرون، ويحذرون من هجرة الأدمغة.

ينبغي على قادة يهود الشتات، الذين يمتنعون عادة على نحو يستحق الثناء التدخل في السياسة الداخلية الإسرائيلية، إدراك أن مصير بلدنا الرائع، ووطن الشعب اليهودي من حول العالم، ومرة أخرى اقتبس هرتسوغ، في خطر. وعليهم استخدام هذا النفوذ بقدر ما يمكنهم للتعبير عن مخاوفهم بشكل فعال.

وكذلك أيضا، حلفاؤنا الدوليون، بقيادة الولايات المتحدة، الذين ينبغي عليهم إظهار صداقتهم وحماية مصالحهم من خلال تسليط الضوء على العواقب المترتبة على تحالفنا المتبادل والعميق إذا لم تعد القيم الأساسية مشتركة.

الرئيس الإسرائيلي يتسحاق هرتسوغ يلقي كلمة في مؤتمر “أشموريت” في تل أبيب، 24 يناير، 2023.

“الأسس الديمقراطية لإسرائيل، بما في ذلك نظام العدالة وحقوق الإنسان والحريات، مقدسة، ويجب علينا حمايتها وحماية القيم التي تم التعبير عنها في وثيقة الاستقلال”، كما يقول رئيسنا الذي انتخب عام 2021 بإجماع غير مسبوق، بأغلبية 87 عضو كنيست من أصل 120، وهذا بالضبط نوع الإجماع الذي يجب أن يوجه أي جهد مسؤول لـ”إصلاح” المكونات الأساسية لديمقراطيتنا.

حذر هرتسوغ يوم الثلاثاء: “أخشى أننا على شفا صراع داخلي يمكن أن يهلكنا جميعا”، مضيفا أن “غياب الحوار يمزقنا من الداخل، وأنا أقول لكم بصوت عال وواضح: برميل البارود هذا على وشك الانفجار. هذه حالة طوارئ”.

“في عهد سلالة داوود والحشمونيين، تم إنشاء دولتين يهوديتين في أرض إسرائيل، وانهارت [هاتان الدولتان] مرتين قبل أن تبلغا الذكرى الثمانين لتأسيسهما”.

لا ينبغي السماح بحدوث هذا في عصر الملك بيبي.