اخبار المغرب

التعليم في المغرب ليس مفلسا.. الأزمة تهدد بتعميق الفوارق الاجتماعية

“الأساتذة غير راضين عن وضعهم وظروف عملهم، ومهنتهم غير معتبرة بالنسبة لهم، ومنهم من ولجها للضرورة لا الاختيار، وخلصنا في أحد تقاريرنا إلى أن قلقهم هو أحد أوجه أزمة التربية، فهناك توتر ضمني في خطابهم حول واقعهم، وشعرنا بعدم الرضا المعمم”، تقول الأكاديمية رحمة بورقية، المديرة السابقة للهيئة الوطنية للتقييم لدى المجلس الأعلى للتعليم، في محاضرة ألقتها في إطار سلسلة لقاءات داخلية بـ”مؤسسة أبي بكر القادري” بسلا حول “رهانات وتحديات نظام التعليم المغربي”.

ومع استمرار طرح سؤال جودة التعليم، ذكرت بورقية أن هناك عوامل أخرى مؤثرة مثل سؤال “الكرامة”، فـ”كل الباحثين في مجال التربية يقرون بأن الجودة تبدأ من جودة المُدرّس، وأيضا المناخ المدرسي”.

واسترسلت المتحدثة قائلة: “إذا استمر تعليمنا على ما هو عليه سيعمق الفوارق لأنه يلفظ كثيرا من الشباب خارج مدار المدرسة”، بل إن “تعليمنا يعمّق الفوارق ويولّدها”، ولو أن “منظومتنا التربوية ليست مفلسة نظرا لوجود تعليم خصوصي، وتعليم عمومي تتغلب عدد من مدارسه على الصعوبات، وهو ما يفسّر استمرار إنتاج بعض تلاميذنا الذين يدخلون المدارس العليا الأجنبية، لكن السؤال هو: كم يترك على الرصيف من التلاميذ؟ التعليم ليس مفلسا لكنه في أزمة”.

واختزلت الأكاديمية “أزمات التعليم” في أربع، أولاها “الأزمة حول النموذج القيمي والهوياتي، فمنذ الاستقلال كان كل مكون من مكونات القوى السياسية حاملا تصورا حول مشروع المدرسة الوطنية، وخلّف مواقف متباينة حول المنتظر من المدرسة في علاقتها ببناء المواطن، وما يراد من مهمة المدرسة وأهداف التربية، وهو ما ولّد صراعا خفيا أحيانا وظاهرا أحيانا أخرى حول هوية المدرسة”.

وتابعت قائلة: “هذا صراع تبدو تجلياته حول قضايا الهوية والقيم، ويتجلى في الهوية اللغوية وتدريس الدين، وقد يمتد إلى مواد أخرى، وكلما حل مشروعٌ للإصلاح طُرح. هذا إشكال يطرح في كل المجتمعات، فالمدرسة حاملة لمشاريع وطنية وهوياتية، لكن هذا النقاش في بلادنا لا يتم الحسم فيه رغم كل الإصلاحات، وبلغ أوجَ هيمنته في نهاية ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، إلى درجة الإسهام في تغيير المضامين والهندسة اللغوية، بتعريب بوتيرة سريعة دون التحضير له، وتعويض الفلسفة بالفكر الإسلامي في مختلف الأسلاك، وإحداث الدراسات الإسلامية بالجامعة”.

واستطردت “نحن في مجتمع إسلامي، وهذه مقررات وشعب مشروعة في مجتمع مثل مجتمعنا، إلا أن عدم التحضير لذلك مثل التعريب أربك ويربك (…) التدريس، وكان إدراج التربية الإسلامية بهدف إلغاء ومحاربة مادة الفلسفة، مما ترتب عنه أن اللغة العربية ومضامين الهوية وُضِعا في صراع مع اللغات والمواد الأخرى، فتم اتخاذ المدرسة كحلبة لصراع لغوي هوياتي”.

ونفت المتدخلة أن يكون الإشكال في المواد نفسها، بل “في وضعها في صراع مع بعضها، وكأننا لسنا في حاجة إلى اللغات والمواد الأخرى”.

الأزمة الثانية تكمن في “التطابق بين رؤية الإصلاح وتطبيق الإصلاح”، فـ”في بلدنا هناك صعوبة في التطابق بين الإصلاح وتطبيقه لعدم التطابق بين زمن الإصلاح والزمن السياسي، وعدم التطابق بين المشروعية القانونية والاجتماعية”.

وقدمت المتحدثة مثالا بمحطة الميثاق الوطني للتربية والتكوين سنة 2000، و”البرنامج الاستعجالي”، الذي جاء لتعجيل ما صدر فيه، ومحطة الرؤية الاستراتيجية لإصلاح التعليم سنة 2015؛ وقالت: “كل منهما جاء بعد أزمة”، إلا أن “الإصلاح لا يقتصر على بلورة وثيقة”.

كما استحضرت تقييم الميثاق، الذي أشرفت على إعداد تقريره، الذي خلص إلى “أننا لم نطبق الإصلاح”، وعلقت قائلة: “الإصلاح تعترضه عمليّا قطائع، فكل زمن فيه قطيعة وكأننا نبدأ من جديد (…)، مما يؤدي إلى تعدد المبادرات دون أن يستنفد الإصلاح كل المكونات المعلن عنها، ويصير مثل حدث موسمي (…) ولا يصل إلى النتائج المسطرة، ولا يستنفد كل مكوناته، مما يجعل الإيقاعات الإصلاحية بطيئة”.

وهكذا “الزمن البطيء للإصلاح يؤدي إلى تأجيل متكرر، مما يؤدي إلى فقدان داعميه والمدافعين عنه، ويترتب عن ذلك استياء الفاعلين، وشكوك الرأي العام وكل الفاعلين في المنظومة، وانتقادات الفاعلين، وتنظيم المقاومة الداخلية والخارجية، مما يجعل السياسات العمومية في مأزق تطبيق الإصلاح”.

وهنا تبدو “أزمة عدم التطابق بين المشروعية القانونية والاجتماعية”، فـ”المشروعية القانونية أو الاستراتيجية تتعلق بالقوانين والوثائق الاستراتيجية المؤطرة للإصلاح، وهي وثائق تأتي دائما نتيجة تشاور مجتمعي بشكل أو بآخر، مثل “القانون الإطار للتربية والتعليم”، بعد “الرؤية الاستراتيجية”، التي كانت ثمرة تداول المجلس الأعلى في حلته وتركيبته الجديدة سنة 2013، إلا أن الإشكال يكمن في المشروعية الاجتماعية، فتبدو المراسيم والاستراتيجيات فوقية دائما وكأنها قادمة من الأعلى”.

واستشهدت الأكاديمية بمصطلح “تنزيل” الإصلاح أو القانون، الذي يوحي بأن “هناك ترسانة إصلاحية تمت بلورتها في قمة الهرم وعلى القطاع المركزي تطبيقها على مستوى القواعد، رغم قوانين اللامركزية واللاتمركز في (القانون الإطار) و(الميثاق)… التي لا يؤخذ بها (…) ويبدو الإصلاح بدون مشروعية اجتماعية”، و”يترك بعض الآثار دون استنفاد كل معالم مشروعه”.

أما الأزمة الرابعة فتتعلق بـ”أزمة الجودة”، وفق بورقية، لأنه “كان في بداية الستينيات مشروع تعميم التعليم، ومنذ “الميثاق” بدأت مسألة الجودة تطرح، وفي السنوات الأخيرة طرحت بحدة، وفي العشرين سنة الماضية برز توجه في العالم تحكمه عوامل اقتصادية يرى أن المدرسة لها مهمة نفعية ليكون التعليم نافعا للفرد في حياته الخاصة والعملية وسوق الشغل، ومن هنا تَكُونُ مهمة التربية والتعليم منح التلميذ الكفايات اللازمة للولوج إلى الحياة العملية، ولا يتحقق ذلك دون جودة في التعليم والتربية”.

ورافقت فكرةَ “جودة المنظومة التي تقاس بكفايات التعليم” عمليةُ “تدويل التعليم بنوع من تدويل مسألة التربية في سياق توحيد السياق العالمي والتدبير العمومي الجديد، والنجاعة في الأداء، ومقاربة النتائج، والتعليم المبني على المحاسبة، وانتشر منطلق قياس الجودة في أمريكا مع عهد جورج بوش بعد اكتشاف ضعف مستوى التلاميذ وتقهقر مكتسبات التعليم المَقِيسة، وقال الرئيس الأمريكي: أمتنا في خطر وعلينا ألا يتخلف أي طفل، فأُحدثت دوليا برامج لتقييم مكتسبات التلاميذ في القراءة والرياضيات”.

وتحدثت بورقية عن دفاعها في فترة إشرافها على الهيئة الوطنية للتقييم عن أن “يكون للمغرب برنامج معتمد يقيّم بناء على المقرر وما يُدرّس في مدارسنا لنتملّك المعرفة والإصلاح، فيما البرامج الأخرى (الدولية) تقوم على افتراض ما ينبغي أن يعرفه التعليم”.

لكن ما حصيلة التقييم؟ تقول بورقية: “إننا أمام مدرسة ليست لها القدرة على الاستجابة الكلية للتوجهات والكفايات، مدرسة عمومية لا تمكن من جعل كل التلاميذ يكسبون الكفايات اللازمة، ولا تستطيع دائما فك ارتباط المتعلم بأصله الاجتماعي عبر تكوين بيئة أحسن مما يعيشه في واقعه”، وبالتالي “لم يعد التعليم يخفف الثقل الاجتماعي المنتج للفوارق الاجتماعية”.

ومن مخاطر هذا الواقع أن “الطبقة الوسطى هي الداعمة لاقتصاد البلد، وإذا تقهقرت سيمس الاقتصاد، وهي التي تنتج الفئة النشيطة والواعية بالمجتمع”، تضيف الأكاديمية، التي تركت سؤال: هل ما زال مفهوم الإصلاح يعني شيئا؟، الذي طرحته بـ”مؤسسة أبي بكر القادري”، مفتوحا للنقاش دون جواب.