اخر الاخبار

كيف تتوزع خريطة السيطرة العسكرية في سوريا؟

صعدت تركيا من هجماتها على مناطق سيطرة «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) في شمال وشمال شرقي سوريا بعد موجة من الضربات بالطائرات المسيّرة استهدفت مواقع «قسد» في الحسكة على وجه الخصوص، وامتدت إلى مواقع في حلب شمال غربي سوريا.

ودفع التصعيد التركي، الذي جاء على خلفية الهجوم الذي نفذه «حزب العمال الكردستاني»، مستهدفاً وزارة الداخلية في أنقرة، الأحد الماضي، الولايات المتحدة، إلى دعوة تركيا للحفاظ على الالتزام ببروتوكولات تفادي الاشتباك والتواصل من خلال القنوات العسكرية القائمة.

وأعلنت وزارة الدفاع التركية في بيان، الجمعة، القضاء على 26 من عناصر «وحدات حماية الشعب الكردية»، أكبر مكونات «قسد»، رداً على هجوم على قاعدة «دابق» العسكرية التركية في شمال سوريا.

وقالت الوزارة، في بيان، إن قاعدة «دابق» الواقعة ضمن منطقة «عملية درع الفرات» (خاضعة لسيطرة تركيا والفصائل الموالية لها في حلب)، تعرضت ليلة الخميس – الجمعة لهجوم إرهابي.

وأضاف البيان أن «قوات الجيش التركي في المنطقة ردت بقوة على اعتداء الإرهابيين، وتم تحييد (قتل) 26 إرهابياً من تنظيم (وحدات حماية الشعب الكردية) التابع لحزب (العمال الكردستاني) في عملية الرد ضد أهداف إرهابية في المنطقة».

ونشرت وزارة الدفاع التركية على حسابها في «إكس» مشاهد عن عملية ردها وضربها لأهداف «قسد».

كما أعلنت وزارة الدفاع التركية، ليل الخميس – الجمعة، تدمير 30 هدفاً ضمنها بئر نفط ومنشأة تخزين تستخدمها الوحدات الكردية، وأخرى بداخلها «إرهابيون قياديون»، في مناطق تل رفعت والجزيرة ودريك شمال سوريا.

وأشارت إلى أن الضربات نُفذت «بما يتماشى مع حق تركيا المشروع في الدفاع عن النفس بموجب المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة، من أجل القضاء على الهجمات الإرهابية الصادرة من شمال سوريا ضد الشعب وقوات الأمن، وضمان أمن الحدود عبر تحييد إرهابيي الوحدات الكردية – العمال الكردستاني والعناصر الإرهابية الأخرى».

وقتل ضابط شرطة تركي وأصيب 4 آخرون، إضافة إلى إصابة 3 جنود، في هجوم صاروخي نفذته «قسد» على قاعدة للقوات التركية في تل رفعت، وتم نقل المصابين إلى مستشفيات في ولاية غازي عنتاب وكيليس الحدوديتين جنوب تركيا. من جهته، قال «المرصد السوري لحقوق الإنسان»، اليوم الجمعة، إن اثنين من القوات الخاصة التركية قتلا في قصف مدفعي على القاعدة العسكرية التركية في دابق بريف حلب. وذكر «المرصد» أن القصف «انطلق من مواقع قوات النظام» في ريف حلب الشمالي.

كما أعلنت تركيا أن مخابراتها دمرت مبنى ومواقع عدة تابعة لـ«وحدات حماية الشعب الكردية» شمال سوريا، واستهدفت قيادات منها رداً على الهجوم الإرهابي الذي وقع في أنقرة الأحد.

النيران تشتعل في منشأة نفطية قصفتها تركيا في بلدة القحطانية بالحسكة في شمال شرقي سوريا يوم الخميس (أ.ف.ب)

وقالت مصادر أمنية إن الضربات الجديدة تمت بالطائرات المسلحة من دون طيار في الشمال السوري، مشيرة إلى أنه تم تدمير عدد كبير من منشآت الطاقة في المناطق التي تقع تحت سيطرة «الوحدات الكردية»، بالإضافة إلى مستودعات أسلحة وذخائر ومبانٍ عسكرية.

وشددت السلطات التركية على أن استهداف العناصر والأهداف الإرهابية سيتواصل حتى تحقيق كل الأهداف التي تم وضعها.

حرب المسيّرات

وأفاد «المرصد السوري لحقوق الإنسان» بأن مناطق سيطرة «قسد» في شمال وشمال شرقي سوريا تشهد تصعيداً عنيفاً من جانب القوات الجوية التركية، التي استهدفت الكثير من المواقع العسكرية والمنشآت الحيوية، متسببة بوقوع قتلى ومصابين.

وذكر أن الطائرات الحربية والمسيّرة التركية نفذت 38 ضربة، كان من بينها 3 غارات جوية من الطيران الحربي، و35 بالطائرات المسيّرة، وتركزت الضربات الجوية على المنشآت الحيوية، حيث طالت 11 منشأة تنوعت بين محطات نفط وكهرباء ومياه، متسببة بأضرار كبيرة فيها.

في المقابل، استهدف «مجلس تل تمر العسكري»، التابع لـ«قسد»، بعد منتصف ليل الخميس – الجمعة، بالصواريخ الحرارية، القاعدة التركية في قرية الداودية ضمن منطقة «نبع السلام» الخاضعة لسيطرة القوات التركية والفصائل الموالية لأنقرة، في شرق رأس العين.

وردت القوات التركية باستهداف قريتي مشيرفة ومحرملة بريف أبو راسين شمال غربي الحسكة.

وفي حلب، استهدف الطيران الحربي التركي قرية مالكية التابعة لناحية شران بريف مدينة عفرين وقرية بيلونيه، ومطار منغ، ضمن مناطق انتشار «قسد» وقوات الجيش السوري.

وأصيب اثنان من الجنود السوريين بجروح متفاوتة، على خلفية رد القوات التركية بقذائف المدفعية، على مصادر القصف التابعة للقوات السورية في قرية مياسة بناحية شيراوا بريف عفرين.

موقع تعرض لقصف بالطيران التركي في الحسكة يوم الخميس (وكالة نورث برس – رويترز)

موقف أميركي

وفي ظل التصعيد التركي المتزايد في شمال وشمال شرقي سوريا، حثت واشنطن، أنقرة، على الالتزام ببروتوكولات تفادي الاشتباك والتواصل من خلال القنوات العسكرية القائمة.

وقالت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون)، في بيان ليل الخميس – الجمعة، إن الوزير لويد أوستن تحدث مع نظيره التركي يشار غولر، وحثه على «وقف التصعيد في شمال سوريا وأهمية الحفاظ على الالتزام ببروتوكولات تفادي الاشتباك والتواصل من خلال القنوات العسكرية القائمة».

وقال أوستن: «اتصلت اليوم (الخميس) بوزير الدفاع التركي يشار غولر، وبحثنا القضايا ذات الاهتمام المشترك فيما يتعلق بالأمن القومي والدفاع، وأكدت مجدداً التزام الولايات المتحدة بمواصلة العمل معاً لهزيمة (داعش) وضمان الأمن والاستقرار في المنطقة».

بدورها، قالت وزارة الدفاع التركية، في بيان، إن أوستن جدد عزم بلاده العمل مع تركيا من أجل ضمان الأمن والاستقرار في المنطقة.

وأضافت أن غولر أكد، خلال الاتصال، استعداد تركيا للمكافحة المشتركة مع الولايات المتحدة ضد «داعش»، وشدد الجانبان على أهمية التنسيق الوثيق بين القوات التركية والأميركية خلال أنشطتهما في المنطقة.

كما أجرى رئيس هيئة الأركان المشتركة الأميركية، الجنرال سي كيو براون، اتصالاً هاتفياً مع رئيس الأركان العامة للقوات المسلحة التركية، متين جوراك، وناقشا التطورات ذاتها.

وقال بيان لوزارة الدفاع الأميركية إن الجانبين ناقشا «الهدف المشترك للولايات المتحدة وتركيا المتمثل في هزيمة (داعش)، وأهمية اتباع بروتوكولات عدم الاشتباك المشتركة».

واستهدف «التحالف الدولي»، بقيادة أميركا، طائرة مسيّرة تركية من طراز «بيرقدار»، بعد اقترابها من أجواء قاعدة «تل بيدر» في ريف الحسكة، الخميس، وسقط حطام الطائرة في محيط قرية عب الناقة قرب تل تمر.

وأعلنت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) أن مقاتلات «إف – 16» أسقطت الخميس، طائرة مسيّرة تعود إلى تركيا العضو في حلف شمال الأطلسي، بعدما شكلت تهديداً محتملاً للقوات الأميركية في سوريا.

لكن مسؤولاً عسكرياً أميركياً قال إن التهديد لم يكن متعمداً. ونفى مسؤول عسكري تركي أن تكون الطائرة التي أسقطتها قوات التحالف تعود للقوات الجوية التركية.

وحذر وزير الخارجية التركية هاكان فيدان، الأربعاء، أطرافاً ثالثة، دون أن يسميها، بالابتعاد عن مناطق سيطرة «قسد»، قائلاً إن جميع مرافق البنية التحية والفوقية ومنشآت النقط التابعة لـ«حزب العمال الكردستاني» في شمال سوريا والعراق باتت أهدافاً مشروعة للثورات المسلحة وقوات الأمن والمخابرات التركية.

وكرر وزير الدفاع، يشار غولر، التأكيد على استهداف جميع المرافق والمنشآت.

التحرك التركي

وعد الكاتب في صحيفة «حرييت»، المقرب من الحكومة، عبد القادر سيلفي، أن التحذير الذي جاء من أعلى المستويات في تركيا يشير إلى أن اتجاه العمليات العسكرية سيركز على شمال سوريا، وأن المقصود بالأطراف الثالثة في المقام الأول الولايات المتحدة، ثم الدول التي لها قوات في شمال وشمال شرقي سوريا، أي روسيا وإيران.

وأضاف أن تصريح وزير الخارجية التركي هو تأكيد على الحزم تجاه الأطراف الثالثة، وأن تركيا ستعزز إجراءاتها في الحرب ضد الإرهاب، وستضرب البنية التحتية والبنية الفوقية ومنشآت الطاقة التابعة للمنظمة الإرهابية، وهذا يعني اتخاذ الاحتياطات الخاصة بهم وفقاً لذلك.

وقال سيلفي: «من المعروف أنه من أجل حماية (حزب العمال الكردستاني) و(وحدات حماية الشعب) في سوريا، قامت الولايات المتحدة برفع العلم الأميركي على كوخ في منشآت المنظمة الإرهابية وأكدت للإرهابيين أنه طالما أن هناك علماً أميركياً، فلن يتمكنوا (تركيا) من مهاجمة هذا العلم». وأضاف: «لقد تأكد أن إرهابيي (حزب العمال الكردستاني) و(وحدات حماية الشعب) يتم تدريبهم على يد جنود أميركيين تحت العلم الأميركي… ويصبح التحذير للدول الثالثة مهماً في هذه المرحلة، فقد قيل للولايات المتحدة: سوف نضرب هناك. اخرج وإلا ستتضرر».

ولفت إلى أنه من غير المتوقع أن تتخذ الولايات المتحدة إجراءً فورياً بعد تحذيرها شفهياً، وتحاول أن تعرف ما يتم التخطيط لفعله على الأرض بعد التحذير الشفهي، وما إذا كان هذا الخطاب سيتم دعمه بالأفعال.

واستبعد سيلفي أن تنفذ تركيا عملية برية جديدة في سوريا، على غرار عمليات «درع الفرات» و«غصن الزيتون» و«نبع السلام»، حيث بدأ ضرب الأهداف المحددة من مرافق البنية التحتية والملاجئ ومخابئ الأسلحة والذخيرة ومنشآت النفط الخاضعة لسيطرة «قسد» من الجو، دون الحاجة إلى عملية برية.