اخبار المغرب

المغرب والانقلابات في إفريقيا .. الحياد الصارم يسبق الحسابات الشخصية

أمام تعدد المواقف الدولية تجاه “موجة الانقلابات” الحاصلة بالقارة الإفريقية، يظهر الموقف المغربي بلغة حيادية “صارمة” لا تنحاز لأي طرف؛ فحتى الرئيس الغابوني المعزول علي بونغو، الذي اعتبر “أكبر” حليف للمملكة في القارة السمراء، لم يسلم من “صرامة” هذا الحياد.

من خلال قراءة فقرات الموقف المغربي من انقلاب الغابون، تظهر الكلمات الرئيسية نفسها التي ظهرت في موقف الرباط من انقلاب النيجر على لسان ممثلها في مجلس السلم والأمن الإفريقي، وهي “ضرورة الحفاظ على الاستقرار والأمن، والثقة في الفرقاء السياسيين بالخروج من الأزمة”، وهي مصطلحات تنم عن موقف حيادي خالص لا ينحاز للعبة الانقلاب ولا للسلطة المنهارة.

وتذهب تفسيرات بعض المراقبين إلى “وضع المغرب مصالحه الاستراتيجية في المقدمة، أولها قضية الصحراء المغربية التي يتخوف أن تتأثر بمواقف الدول التي تعرف انقلابات، خاصة تلك المعروفة بدعمها للموقف المغربي”.

من جهة أخرى، يحضر “مبدأ عدم التدخل في شؤون الدول الأخرى، وهو مبدأ حاسم في لعبة العلاقات الدولية تحرص الرباط في كثير من مواقفها على تطبيقه بكامل حذافيره”.

في المقابل، تطرح تساؤلات من قبيل: ما طبيعة العلاقات التي ستنشأ في المستقبل مع كل من الغابون والنيجر الجديدتين؟ وهل ستسمر الشراكة الاستراتيجية معهما؟ وهل يمكن أن يكون المغرب بديلا لفرنسا المطرودة شعبيا وعلى جميع المستويات؟

الواقعية السياسية

هشام معتضد، خبير في العلاقات الدولية والاستراتيجية، يرى أن “موقف المغرب من الانقلاب في الغابون والنيجر لم يكن محايدا، وإنما اعتمد على معلومات استخباراتية جد دقيقة وتوجه دبلوماسي براغماتي يحفظ للدولة مصالحها وتوجهاتها الاستراتيجية في علاقاتها مع هذين البلدين الإفريقيين”.

وقال معتضد، في تصريح لهسبريس، إن “البيانين المغربيين بخصوص الانقلابين في الغابون والنيجر، ترجما الواقعية السياسية التي يعتمدها المغرب كدولة في تدبير شؤونها السياسية على المستوى الخارجي بعيدًا عن الحسابات الشخصية أو التدبير الظرفي للأحداث، لذلك فالقيادة في المغرب، من منطلق تدبير الدولة كمؤسسة، تلتزم دائما بتبني مواقف دولة تجاه هذا النوع من المستجدات يضمن الحفاظ على مكتسباتها الحيوية”.

“المسألة ليست مرتبطة بدعم حليف أو التخلي عنه، لأن الحسابات الجيو-استراتيجية لعقل الدولة مختلفة تماما على نظرة المواطن العادي للأحداث السياسية والتفاعل معها”، يستطرد المتحدث عينه في تفسير الموقف المغربي، مبينا أن “زمن الدولة وتاريخها ورؤيتها المستقبلية، بالإضافة إلى مسارها السياسي، كلها عوامل تتحكم في تحديد تموقعها في التفاعل مع هذا النوع من الأحداث السياسية بعيدًا عن العلاقات الشخصية أو محاباة الأنظمة أو الحسابات الظرفية الضيقة”.

لا مكان للمجاملة

“صحيح أن نظام الغابون بشكل عام، والرئيس علي بونغو بشكل خاص، لهما علاقات شخصية وقيمة مع المغرب، إلا أنه في العقل السياسي للدولة لا يمكن المزج بين العلاقات الشخصية وتقارب الأنظمة مع المصالح العليا للدولة في تبني مواقف مرتبطة بالمصالح العليا والاستراتيجية”، يقول معتضد.

وأشار الخبير في العلاقات الدولية والاستراتيجية إلى أن “علاقات المغرب مع السلطات الانتقالية في كل من النيجر والغابون لن تتأثر في المضمون، وإن كان شكلها قد تطاله بعض من التغييرات الظرفية المتعلقة بالمرحلة الانتقالية، لكن هذا شيء طبيعي”.

وأجمل معتضد بأن “علاقات المغرب بكل من الغابون والنيجر تتعدى كونها علاقات بين أشخاص أو أنظمة، إذ إن حضور المغرب التاريخي والسياسي في إفريقيا كان من منطلق مفهوم الدولة، ووزن الحضارة، لذلك فمعظم الانقلابات التي تقع في دول إفريقية لها علاقة تاريخية وحضارية مع المغرب لا تتأثر علاقاتها مع الرباط، لأن المغرب كان دائما يدبر تواجده الإفريقي على أساس عقل الدولة ككيان خالد بعيدا عن التدبير الظرفي السياسي”، بحسب تعبيره.

مبدأ عدم التدخل

من جانبه، قال لحسن أقرطيط، خبير في العلاقات الدولية، إن “أحد البراديغمات الأساسية لدى السياسة الخارجية للمملكة، خاصة تجاه الدول الإفريقية الشقيقة، هو مبدأ عدم التدخل وسيادة ووحدة الدول”.

وأورد أقرطيط لهسبريس أن “المغرب يمتلك علاقات تاريخية مع هاته الدول، وما حصل في النيجر والغابون كان طلب المغرب فيه هو ضرورة اعتماد الحكمة من قبل الفاعلين والقوى الحية، ما يعني أن المملكة حريصة على الاستقرار والأمن”.

وبحسب المتحدث ذاته، فإن “المغرب حريص على الاستقرار السياسي وسيادة الدول، ويقف على المسافة نفسها من الفرقاء السياسيين، مع متابعة الوضع عن كثب”.

وزاد: “المغرب كذلك حريص على تفادي ذهاب الوضع إلى حد اندلاع حروب أهلية، ما سيشكل خطرا على المنطقة، مستحضرا المسار الديمقراطي الذي جنته هاته الدول على مر السنوات”.
وخلص أقرطيط إلى أن “المغرب من خلال هاته المواقف يحرص على الحفاظ على علاقات جيدة مع جل الدول، بحيث إن الرباط ستحرص كذلك على استدامة العلاقات الاستراتيجية وتطويرها”.