تكنولوجيا

رئيس آبل يتحدث عن سياسة إطلاق هاتف جديد سنوياً وإنعكاساتها البيئية

هناك تعريف جديد انتشر على مستوى جميع الصناعات في الدول الأوروبية والغربية في الآونة الأخير يدعى الـ “Carbon Neutrality” أو ما يمكن ترجمته للعربية على أنه “الحياد الكربوني”، وهذا التعريف بشكل مبسط يعني وصول أي شيء يقوم به الإنسان (سواء إن كان ذلك الشيء تصنيع منتج، تقديم خدمة، نقل شحنة أو أفراد، إلخ.. ) إلى مرحلة من التوازن بين انبعاثات الكربون الصادرة وامتصاصها في نفس الحين، وذلك بهدف تقليل تراكم انبعاثات الكربون في الغلاف الجوي لتقليل تأثيراته المناخية السيئة على المخلوقات، وفي سياق الشركات يعني ذلك التعريف أن على الشركة التي تسهم أنشطتها في انبعاث ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي أن تقوم باحتواء وإزالة ما سببته أنشطتها بشكل مُعادل.

مؤتمر انعقاد اتفاقية باريس للمناخ – ديسمبر 2015

هناك الكثير من التعريفات الأخرى في هذا الموضوع، والتي تشمل: “Carbon Negative” والتي تسمى أيضاً “Climate Positive” التي تعني أن المنتج يقلل من الكربون وتأثيراته إيجابية على المناخ، و “Net-Zero Emissions” التي تعني أن المنتج لا يخرج انبعاثات الكربون إلى الجو إطلاقاً، وغيرها من التعريفات.

اسهامات آبل من المنظور البيئي:

في هذا المجال بكل ما يدور في من اتفاقات دولية وتشريعات قانونية للمحافظة على البيئة، تقوم Apple من جانبها – كأكبر شركة في العالم – بالإسهام بطريقتها الخاصة في تقليل انبعاثات الكربون، ليس فقط من منتجاتها، ولكن بشكل عام تهدف أبل للخروج بطرق جديدة مبتكرة لتقليل التأثيرات البيئية السلبية الصادرة من صناعة الحواسيب والإلكترونيات بالكامل بدفعهم لتبني عمليات ووسائل مختلفة وتطبيق سياسات ومعايير جديدة من شأنها تقليل انبعاثات الكربون، وليست كل أهداف أبل من الإبتكار في هذا المجال إنسانية بشكل صفي، ولكنها في الواقع تسعى للتغيير والريادة كعادتها لتحافظ الشركة على صورتها النمطية ومكانتها في المقدمة.

البعض يشكك في مساعي Apple البيئية، حيث يعتقد البعض أنه من المستحيل الوصول إلى مرحلة “الحياد الكربوني”، ويُعتقد أيضاً أنه يتم استغلال تلك التعريفات على مستوى جميع الصناعات لغسيل أدمغة الناس وجعلهم يفضلون منتجاً على حساب المنتج الآخر، وفي هذا الأمر لـ Tim Cook (الرئيس التنفيذي لـ Apple) رأي يدافع به عن شركته والجهود التي تقوم بها، حيث صرح لمجلة Brut في مقابلة مسجلة بالصوت والصورة أن Apple – على عكس بعض الشركات الأخرى – تنفذ خطتها أولاً، ثم تعلن فيما بعد عن ما قامت به، ليصبح ما هو على أرض الواقع إثبات لصدق خططهم ونواياهم. 

ما يثبت أن Apple اليوم صادقة فيما يخص خطتها للوصول إلى الـ “Carbon Neutrality” بحلول عام 2030 هو أنهم بدأوا بالفعل بجعل بعض منتجاتهم خالية من الأضرار البيئية سواء أثناء تصنيعها أو عند إعادة تدويرها، ومن تلك المنتجات هي الـ Apple Watch التي أصبحت الآن صديقة للبيئة ويتم تصنيع 30% منها باستخدام مواد مُعاد تدويرها، وهناك أبعاد أخرى وصلت إليها آبل في هذا الشأن، حيث قررت الشركة التحول كلياً إلى نقل بضائعها عبر البحر عوضاً عن النقل الجوي لتقليل انبعاثات الكربون، بالإضافة إلى تقليلها لحيز المغلفات والعلب للتمكن من نقل بضائع أكثر بشكل أكثر كفاءة وتوفيراً وأقل ضرراً، وعند الوصول إلى ما هو أبعد وأبعد؛ ستجد أن Apple بدأت بالتعاون مع Conservation International وبنك Goldman Sachs بإدارة الغابات وإعادة زرع أشجارها في مساهمة لإعادة إحياء إجمالي 250 ألف فدان من الغابات والمراعي الطبيعية، بهدف الوصول إلى امتصاص مليون طن من ثاني أكسيد الكربون من الجو سنوياً بحلول 2025، وإن نجحت تلك التجربة؛ ستكون هدياً لبقية الشركات والمنظمات على اتباع نفس الأسلوب لتقليل الأضرار المناخية الصادرة من سوق الإلكترونيات بالكامل.

لماذا تقوم آبل بإطلاق آيفون جديد سنوياً؟:

إطلاق هاتف جديد بشكل سنوي يدفع الناس للتحديث وشراء ما هو “أفضل” وترك هواتفهم القديمة حتى تصل إلى صندوق المهملات، وذلك له أضرار بيئية كلنا على وعي بها. هنا يفكر البعض قليلاً، ففي ظل مساعي آبل الصافية تجاه تقليل تأثيراتها البيئية السلبية وانبعاثات الكربون الضارة بالمناخ، ألن يكون من الأفضل فوق كل شيء إبطاء معدل اطلاق منتجات جديدة لتقليل الاستهلاك؟ هنا يبرر Tim Cook الأمر بأن الشركة تقوم بإطلاق iPhone جديد كل عام لأولئك الذين يبحثون عن هاتف جديد وبحاجة إليه في تلك اللحظة، ويقول أنه إن كان معهم هاتف قديم لم يعد يلبي رغباتهم؛ قد تقوم الشركة باستلامه لرؤية ما إذا كان يمكن أن يتم بيعه مجدداً إن كان سليماً، وفي الحالة الأخرى لديهم خيار يتمثل في أن يقوموا بتفكيكه وتحليل المواد المصنوع منها للانتفاع منها مرة أخرى باستخدامها في تصنيع آيفون جديد أو منتج آخر يتطلب تلك المواد، وهذه هي الحجة التي تبرر بها آبل سياسة إطلاق هاتف جديد سنوياً دون إحداث أضرار بيئية.

هل يمكن الثقة بوعود آبل؟:

بالطبع آبل ليست صادقة فيما يخص سياسة التحديثات السنوية لمنتجاتها، ولكنها قد لا يكون أمامها خيار آخر في وسط هذا السوق المتجدد والمتسارع، حيث أننا أصبحنا نعيش في عالم استهلاكي مندفع لا يمكن مقاومته ومن الصعب التواكب معه، وإن تباطأت واحدة من الشركات في أنشطتها التجارية؛ ستخسر عملائها ويجتاح منافسيها، ولذلك تستمر آبل في تقديم منتجات جديدة بشكل متوازن مع مساعيها لتقليل انعكاساتها السلبية على البيئة، وفوق ذلك يعتقد Tim Cook أن الآيفون قريباً سيصل إلى مرحلة الـ Carbon Neutrality، وبدون الكشف عن الأسرار قال أنه سيكون متقدماً جداً عن حالته الحالية من الناحية البيئية، وسيحدث ذلك من خلال الابتكارات التي لازالت تحتفظ بها آبل في هذه اللحظة خلف الجدران.

فيما بعد لن نفكر مرة أخرى في العواقب البيئية لاستهلاك منتجات آبل أو الشركات التي تتبع نفس نهجها، ولكننا اليوم يجب أن نتعايش مع الأمر وأن نصبح أقل شراهة في استهلاكنا المنعدم التبرير على الحد الشخصي لكل منا، أما بالنسبة لـ Tim Cook شخصياً، يقول الرجل لمجلة Brut أنه يقود سيارة كهربائية ويتجنب البلاستيك ويرسل مهملاته إلى مراكز إعادة التدوير ويعيد استخدام نفايات منزله (الذي يعيش فيه بمفرده) كسماد للنباتات، وكل تلك الأشياء يحاول أن يقوم بها بنية تقليل آثاره الكربونية وأن يكون مثالاً لغيره في هذا الشأن.

في هذا الواقع لدينا فرصة لإعادة استقرار كوكبنا، وليس فقط ذلك، إنما أيضاً لدينا فرصة للعودة إلى استقرارنا النفسي من خلال ذلك، حيث أن اسهاماتنا الشخصية للحفاظ على الكوكب تنعكس بشكل واضح علينا وعلى صحتنا ورضانا بأنفسنا، ولا يمكن أن تكون حجتنا للاستهلاك هي المواكبة، وإنما يجب علينا النظر بشكل يقن إلى المغزى من كل تلك الأشياء التي تحيط بنا وتلك التي لازلنا نريدها.

?xml>