اخبار المغرب

الفوز الانتخابي للرئيس أردوغان .. واقع جديد يعمق “المكانة الإقليمية للإخوان”

يرى المفكر المصري عبد المنعم سعيد أن فوز طيب رجب أردوغان في الانتخابات الرئاسية التركية جاء في ظروف صعبة، اتسمت بمجموعة من الظروف الاقتصادية الصعبة وما سبقها من كوارث طبيعية، مستحضرا التعديلات التي عرفها النظام السياسي التي صبت في صالح بقائه رئيسا للبلاد.

وأوضح الكاتب المصري، في مقال بعنوان “لماذا يعمق فوز أردوغان تراجع الإخوان في الإقليم؟”، منشور من قبل مركز المستقبل للأبحاث والدراسات، أن هذه الانتخابات بقدر ما أعطت أردوغان من تأييد، فقد أثبتت أن التراث “الأتاتوركي” فيما يتعلق بالعلمانية والقومية لا يمكن تجاهله، مما يخلق مسافة بين النظام التركي وجماعة الإخوان المسلمين. ولم تكن هذه المسافة جديدة، فقد تم اختبارها عندما زار أردوغان القاهرة إبان حكم الإخوان.

وأكد المصدر ذاته أن الحاجة إلى الإخوان كعنصر من عناصر السياسة الخارجية التركية تضاءلت خلال السنوات الثلاث الأخيرة، معتبرا إياهم مصدرا لإشعال الأزمات وليس حلها.

هذا نص المقال:

في العاشر من مايو 2023 نشرت صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية مقالاً تحت عنوان “هزيمة أردوغان ستكون انتصاراً للديمقراطية الليبرالية في جميع أنحاء العالم”، وعكس المقال وجهة نظر أمريكية قاصرة عن كون “الديمقراطية”، وتفهم هنا في مواجهة السلطوية، هي حجر الزاوية في فهم العالم وسلوكيات الدول وتصرفات الشعوب. الآن نعرف أن أردوغان فاز من خلال عملية ديمقراطية تضمنت جولة إعادة ثانية مع خصمه كمال كليجدار أوغلو، وبأغلبية مريحة تبعاً للتقاليد الرائجة في الدول المتقدمة ديمقراطياً.

وبعد فوز أردوغان وبقائه في منصبه لمدة 5 سنوات، أُثيرت العديد من التساؤلات حول تداعيات ذلك على السياسة الخارجية التركية في الإقليم، ومنها ما يتعلق بوضع جماعة الإخوان الإرهابية، خاصة في ظل حالة التهدئة المُتوقع استمرارها بين تركيا ودول المنطقة خلال الفترة المقبلة.

فوز أردوغان

جاء فوز أردوغان في ظل ظروف صعبة، أولها أن الرجل بقي في السلطة لنحو 20 عاماً كاملة، تضمنت تعديلات في النظام السياسي تصب في صالح بقائه رئيساً للدولة. وثانيها أن الانتخابات جرت في الوقت الذي تعيش فيه تركيا أزمة اقتصادية تراجعت فيها العملة “الليرة التركية”، وتدهورت فيها المؤشرات الاقتصادية الأساسية من تضخم وبطالة، وفوق ذلك كله جاء زلزال فبراير 2023 كي يكشف عن اختبار كبير للصحة الاقتصادية التركية في التعامل مع حدث جلل ظهر فيه الفساد مع الموت والدمار. وثالثها أن العلاقات الخارجية التركية بدت مضطربة ما بين الإبقاء على تاريخها داخل حلف شمال الأطلسي “الناتو”، والسعي للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، وكلاهما يضع أنقرة في المعسكر الغربي بامتياز، وعلى الجانب الآخر صعود العلاقات التركية الروسية إلى آفاق عالية من التسليح والتنسيق مع موسكو فيما يخص الشرق الأوسط في عمومه، وسوريا بوجه خاص.

ويرجع فوز أردوغان إلى القاعدة الشعبية خارج المدن الرئيسية، إسطنبول وأنقرة وأزمير، التي منحت أصواتها لخصومه. وتدعم هذه القاعدة أردوغان لعدة أسباب، أولها التحسن الاقتصادي الملحوظ الذي شهدته تركيا خلال السنوات العشر الأولى من حكمه، فقد أصبحت واحدة من الدول الصناعية الكبرى في العالم، ونجحت في خلق روابط قوية مع الاتحاد الأوروبي، وتعززت مكانتها بين الدول العشرين والدول الصناعية في العالم، مما فتح أبواباً واسعة للصادرات التركية، والسياحة الغربية في تركيا. وثاني هذه الأسباب أن أردوغان أعاد إلى قاعدته قدراً غير قليل من الاحترام الذاتي بعد أن عانت لعقود من التجاهل من النخبة السياسية والثقافية التركية، وجرى ذلك من خلال إعادة الدين إلى تركيا مرة أخرى في صياغة مشتركة مع علمانية الدولة التركية. وثالثها أن العلاقة التي قامت مع جماعة الإخوان المسلمين من خلال حزب العدالة والتنمية عززت هذه العودة إلى الدين من خلال إعطائها بُعداً إقليمياً نشطاً في إطار من سياسة “عثمانية جديدة” نشطة تتخطى سياسة “صفر مشكلات” التي اتبعها أردوغان خلال السنوات العشر الأولى من حكم الدولة.

وكان ذلك هو المنهج الذي اتبعه أردوغان خلال السنوات العشر الثانية من حكمه، وهو ذاته الذي سار عليه في معارضة ثورة 30 يونيو 2013 في مصر، وفي مطاردة حزب العمال الكردستاني داخل العراق، واحتلال أجزاء من الشمال السوري لمنع الأكراد السوريين من الحصول على دولة مستقلة أثناء انهيار الدولة في سوريا، ومعارضة اليونان وقبرص ومصر في إقليم شرق البحر الأبيض المتوسط. وبهذا، أصبح الإخوان المسلمون حليفاً في تحركات تركيا، سواءً من خلال الأجهزة الإعلامية في إسطنبول أو من خلال نفوذهم داخل بلدان المنطقة وفي المقدمة منها سوريا؛ حيث توجد تنظيمات مسلحة.

ثم جاءت السنوات العشر الثالثة من حكم أردوغان لتركيا، التي بدأت مع مطلع العقد الثالث من القرن الحادي والعشرين، وفيها جرت الانتخابات التركية الأخيرة، وربما كانت هي سنوات النضج السياسي وزمن إدراك الحدود “الجيوسياسية” للدولة، والحدود الأيديولوجية للنظام السياسي التركي، والتي ظهرت خلال الانتخابات الأخيرة بحصول المعارضة على نحو 48 بالمئة من الأصوات التي لا يمكن للرئيس التركي تجاهلها.

واقع جديد

هذه الانتخابات بقدر ما أعطت أردوغان من تأييد، فقد أثبتت أن التراث “الأتاتوركي” فيما يتعلق بالعلمانية والقومية لا يمكن تجاهله، مما يخلق مسافة بين النظام التركي وجماعة الإخوان المسلمين. ولم تكن هذه المسافة جديدة، فقد تم اختبارها عندما زار أردوغان القاهرة إبان حكم الإخوان، فتم استقباله كالخلفاء، لكن بعد خطابه في جامعة القاهرة، الذي قدم نفسه فيه كزعيم مسلم في دولة علمانية يفخر بها، واجه كثيراً من اللعنات من مفكري الإخوان وساستهم. ولا بد أن أردوغان اشتم رائحة الجماعة الأم “القطبية”، نسبةً إلى سيد قطب، بعد أن اختلطت بالجماعات السلفية المتشدد منها والمعتدل، والجهادية المقاتل فيها والإرهابي، وظهر منها كل ذلك في دستور لا يجعل قانوناً يمر دون موافقة جماعة من الفقهاء وفقاً لرأي أهل السُنة والجماعة، أما من لم يذهب مذهبهم من المسلمين أو المسيحيين، فإنهم بالتأكيد خارج الجماعة الوطنية. ولم يكن فيما رآه أردوغان أو استمع إليه آنذاك شيء من الديمقراطية، مع الإعلانات الدستورية الفاشية للإخوان أو حصارهم للمحكمة الدستورية العليا، فضلاً عن انعدام الكفاءة والقدرة على إدارة بلد كبير بحجم مصر، أو ما يشير من قريب أو بعيد إلى النموذج التركي الذي روج له أردوغان باعتباره المنارة التي تنجذب إليها تجارب ما يُسمى بـ”الربيع العربي”.

وفي الحقيقة، فإن العالم لم يكن ساكناً خلال السنوات الأولى من هذه العشرية، فمع توالي أزمات “الربيع العربي” وما ولدته من حروب أهلية وإرهاب وقلاقل سياسية مست الدول بما فيها تركيا ذاتها، سواءً في شكل الإرهاب أو مظاهرات ميدان “تقسيم” في قلب إسطنبول، فإن الواقع السياسي في تركيا والشرق الأوسط في عمومه أصبح في حاجة إلى قدر كبير من الحكمة والاعتدال.

وجاء التدخل العسكري الروسي في سوريا، وجائحة “كورونا”، والحرب الروسية الأوكرانية، ليضع كل تلك الحالة “الجيوسياسية” لتركيا موضع الاختبار، وعندما حلت “الإقليمية الجديدة” في الشرق الأوسط كانت أنقرة على استعداد للتعامل مع واقع جديد.

وقد فتح “إعلان العُلا”، الذي صدر عن مجلس التعاون الخليجي في 5 يناير 2021، الباب أمام واقع جديد في الشرق الأوسط يقوم على العلاقات ذات المنفعة المتبادلة، والتركيز على نزع أشواك الأزمات الكبرى، وعودة العلاقات الدبلوماسية بين الخصوم، والتعاون من أجل حل المعضلات الإقليمية، سواءً كانت في سوريا أو ليبيا أو اليمن أو السودان أو غيرها. وقد شاركت تركيا في ذلك بقوة، فعادت العلاقات التركية مع الإمارات والسعودية، وتحسنت أخيراً مع مصر، وجرت التهدئة في شرق المتوسط وليبيا بالتعاون المصري التركي. وفي الواقع، فإن الدعم العربي لكل من تركيا وكذلك سوريا عقب زلزال فبراير الماضي، أسهم في تعزيز أجواء التهدئة والمصالحة الإقليمية، وبينما عادت دمشق إلى الجامعة العربية، فإن أنقرة باتت على استعداد للحديث مع النظام السوري.

ابتعاد “الإخوان”

في كل هذه الأحوال، لا يوجد مكان للإخوان المسلمين، فهم مصدر لإشعال الأزمات وليس حلها، كما هو حادث في فلسطين وسوريا واليمن. وهم مصدر لتعقيد العلاقات وليس تبسيطها مثلما هو حادث في العلاقات التركية مع مصر، التي تأخرت عودتها بعد أن كان الإخوان أحد أسباب ذلك. فعلى الرغم من ضعف نفوذ الإخوان في تركيا، وفشلهم في إعادة بناء مكانتهم السياسية في مصر ودول أخرى بالمنطقة، فقد ظلوا دوماً عنصر هدم وليس بناء، ومصدر تحريض وليس تهدئة.

باختصار، فإن الحاجة إلى الإخوان كعنصر من عناصر السياسة الخارجية التركية تضاءلت خلال السنوات الثلاث الأخيرة، وأكثر من ذلك فإن تطورات “الإقليمية الجديدة” في منطقة الشرق الأوسط تفترض بقاء جماعة الإخوان بعيداً عن السلطة والعمليات السياسية في المنطقة. وقد مثّلت عودة العلاقات التركية الإسرائيلية ضربة إضافية لحركة حماس الفلسطينية، مما يرجح معه أن تعطي أنقرة فرصة أكبر للسلطة الوطنية الفلسطينية، ويمكن أن تصبح تركيا وسيطاً محتملاً بين إسرائيل والفلسطينيين.

وقد أدت الانتخابات التركية الأخيرة دوراً مهماً في تغيير نظرة العالم الغربي للديمقراطية التركية، وعلى الرغم من الاتهامات التي وجهتها المعارضة التركية إلى أردوغان باستخدام آليات الدولة لترجيح كفته في هذه الانتخابات، فإن ذلك لم يصدق كثيراً أو يؤثر بفاعلية في حقيقة أن أردوغان فاز تبعاً لما قالت به الصناديق الشعبية. وهكذا تقاطرت مواكب المهنئين الغربيين بقيادة الرئيس الأمريكي جو بايدن لأردوغان اعترافاً بشرعيته السياسية والانتخابية. وفي مثل هذا المناخ الديمقراطي، فإن وجود الإخوان في الصورة السياسية التركية لن يكون مُستحباً.

ليس معنى كل ما سبق أن وجود جماعة الإخوان أو فكرها سوف ينتهي، وما يُراد تأكيده هنا أن قدراً من الوجود الفكري مطلوب من ناحية أردوغان لحماية تأثيره في القاعدة الانتخابية الموالية له، ولكن ليس الجماعة باعتبارها كياناً سياسياً مؤثراً في السياسة الخارجية التركية.