اخبار الإمارات

مع اقتراب الشتاء .. “معركة الطاقة” تتفاقم بين روسيا وأوروبا


تصاعدت حدة أزمة الطاقة بين روسيا وأوروبا، خلال الأيام الماضية، لتدخل مرحلة جديدة من حرب “تكسير العظام” بين الجانبين، في محاولة من موسكو التأثير على القارة العجوز من خلال ملف الطاقة، وذلك بهدف دفع الغرب على رفع عقوباته الاقتصادية، في الوقت الذي تستمر المخاوف في أوروبا من مواجهة شتاء قارس بات على الأبواب.

ولا تزال أزمة الطاقة في أوروبا تتفاقم مع قرار روسيا الوقف التام لإمدادات الغاز عبر خط أنابيب “نورد ستريم” الذي يعتبر حيوياً لأوروبا إلى حين “إصلاح توربين”، وجاء هذا الإجراء في أعقاب قرار الدول الصناعية السبع الكبرى فرض سقف لسعر صادرات موسكو النفطية. 

ضربة قوية

وبينما اتهم الغرب، روسيا باستخدام الطاقة كسلاح ضد المستهلكين الأوروبيين، ألقى المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف، باللوم على العقوبات التي فرضتها الدول الغربية على بلاده والتي حالت دون تأمين صيانة البنى التحتية الغازية، وهي خطوة يقول الرئيس فلاديمير بوتين إنها أشبه بإعلان “حرب اقتصادية”.

وذكرت وكالة “موديز” للتصنيفات الائتمانية، أنه من المُرجح أن يؤدي الانقطاع الكامل لتدفقات الغاز الروسي عبر خط “نورد ستريم” الاستراتيجي، إلى ركود شديد في منطقة اليورو ومزيد من الزيادة في التضخم المرتفع بالفعل.

وقال متحدث باسم المفوضية الأوروبية، إن “روسيا يمكنها ضخ المزيد من الغاز إلى أوروبا عبر طرق أخرى بعد إغلاق “نورد ستريم 1″، لكن موسكو اختارت ألا تفعل”.

وقلصت روسيا التدفقات عبر الخط إلى 40 % في يونيو (حزيران) و20 % في يوليو (تموز)، وفي العادة، تزود روسيا أوروبا بنحو 40 % من احتياجاتها من الغاز، معظمها عبر خطوط أنابيب، وبلغت الإمدادات في العام الماضي نحو 155 مليار متر مكعب.

وتتهم أوروبا، روسيا باستخدم إمدادات الغاز كسلاح تبتزّ به الدول الأوروبية على خلفية الصراع في أوكرانيا، وهو اتهام تنكره موسكو.

ومن جهتها، قالت وزارة الخارجية الروسية اليوم الثلاثاء، إن “الولايات المتحدة هي من أثار أزمة إمدادات الغاز في أوروبا من خلال دفع الزعماء الأوروبيين نحو خطوة “انتحارية” بوقف التعاون في مجالي الاقتصاد والطاقة مع موسكو”.

وعندما سُئلت المتحدثة باسم وزارة الخارجية ماريا زاخاروفا عما يجب فعله من أجل استئناف ضخ الغاز عبر خط أنابيب “نورد ستريم 1″، قالت لوكالة “رويترز”: “أنتم تسألونني أسئلة حتى الأطفال يعرفون الإجابة عليها: من بدأوا هذا الأمر عليهم إنهاؤه”.

وأضافت أن “الولايات المتحدة سعت منذ فترة طويلة إلى قطع علاقات الطاقة بين روسيا والقوى الأوروبية الكبرى مثل ألمانيا، على الرغم من أن موسكو كانت مورداً للطاقة يمكن التعويل عليه منذ الحقبة السوفيتية”.

وقالت زاخاروفا لوكالة “رويترز”، على هامش المنتدى الاقتصادي الشرقي في فلاديفوستوك “إنه انتحار ولكن سيتعين عليهم فيما يبدو اجتياز ذلك”.

وأثار وقف شركة غازبروم الروسية، تدفقات الغاز الطبيعي عبر خط الأنابيب “نورد ستريم 1 “الذي يوصل الغاز الروسي إلى ألمانيا، تخوف العديد من متابعين أزمة الطاقة في أوروبا، خصوصاً مع اقتراب بداية فصل الشتاء.

وتلك الخطوة كانت بمثابة ضربة قوية إلى وروبا، التي تسعى منذ 6 أشهر إلى خفض اعتمادها على الغاز الروسي قبل الشتاء، حيث تحاول القارة العجوز تنفيذ تدابير لتجاوز فصل الشتاء، ولكن إغلاق خط نورد ستريم 1 هدد بمزيد من الاضطربات الاقتصادية، مع ارتفاع أسعار أكثر من 4 مرات ما كانت عليه قبل عام.

ارتفاع الأسعار
وبعد القرار الروسي، ارتفعت أسعار الغاز ، وارتفعت العقود الآجلة للغاز الطبيعي في شمال غرب أوروبا، التي تعكس تكلفة الوقود، بأكثر من 20 %.

وسجل سعر الغاز بالجملة في العقود المستحقة بعد شهر على مؤشر الغاز الهولندي، الذي يمثل مرجعاً معيارياً لأسعار الغاز في أوروبا، ارتفاعا بنسبة 26 % أمس الاثنين، وذلك قبل أن يسجل تراجعا طفيفا.

وشهدت أسعار الغاز بالجملة تقلّبات شديدة على مدى الأسابيع الماضية، وفي الأسبوع الماضي، شهدت الأسعار تراجعاً شديداً عندما أعلنت ألمانيا أن مستودعاتها للغاز كانت تمتلئ بوتيرة أسرع من المتوقع.

وتسببت أخبار إغلاق خط الأنابيب إلى أجل غير مسمى الجمعة الماضية في انخفاض اليورو إلى ما دون 0.99 دولار أمس، وهو أدنى مستوى له منذ 20 عاماً، بلغ الجنيه الاسترليني 1.14 دولار، وهو أدنى مستوى منذ عام 1985، حيث يخشى التجار من الخسائر التي قد تحدث بسبب النقص الحاد في الطاقة على النشاط الاقتصادي الإقليمي والميزانيات الحكومية.

مستويات التخزين
ولاتزال هناك حالة من المخاوف بشأن توقعات مستويات تخزين الغاز في أوروبا، حال حدوث مزيد من انقطاع الإمدادات أو أن يكون الطقس أكثر برودة من المعتاد.

ويقول محلل “وود ماكنزي”، ماسيمو دي أودواردو، إنه “في حالة عدم استئناف تدفّقات نورد ستريم1 بعد أعمال الصيانة الحالية، فقد تظل المخزونات الأوروبية عند 26% بنهاية هذا الشتاء، وفق ما نقلته وحدة أبحاث الطاقة.

ورغم ذلك، يظل الشتاء الأكثر برودة عن المعتاد هو الخطر الأكبر، لأنه يمكن أن يضيف 50 مليار متر مكعب من الطلب على الغاز في أوروبا وآسيا، ما يهدد بانخفاض مستويات التخزين الأوروبية إلى 4% بنهاية مارس (آذار) المقبل، حتى 63% فقط قبل بداية الشتاء التالي، ما يتطلب تخفيض المزيد من الاستهلاك.

توفير الطاقة
ووسط هذه المخاوف، قال مفوض الاقتصاد في الاتحاد الأوروبي باولو غينتيلوني: “الاتحاد يتوقع أن تحترم روسيا عقود الطاقة التي أبرمتها، ولكن حتى إذا استمر استخدام الغاز كسلاح، أعتقد أن الاتحاد الأوروبي مستعد للرد”، مضيفاً: “بالطبع، علينا توفير الطاقة، وعلينا مشاركة الطاقة، ولدينا مستوى عال من التخزين ولا نخشى قرارات بوتين”.

ويرى محللون أن روسيا تريد أن تظهر من خلال التبريرات لهذا العطل أنها مصدر طاقة موثوق من أجل تحويل الغاز المتجه إلى أوروبا نحو الصين، ووجهات آسيوية أخرى، لكنها لن تكون قادرة على ذلك.

وربما تحاول استغلال خط أنابيب “قوة سيبيريا 1” لهذه المهمة، لكن طاقته الاستيعابية هي فقط 10 مليارات متر مكعب سنوياً، وغير قادرة على زيادة قدرته، وفي المقابل، فإن قدرة “نورد ستريم” على سبيل المثال هي 55 مليار متر مكعب سنوياً.

وروسيا بصدد إنشاء خطوط أنابيب أخرى مع الصين، وتطمح لتوريد كامل الكمية الأوروبية إلى الصين لكن هذا الأمر لن يتاح لها لأن الصين أيضا تسعى لتنويع مصادر الطاقة، حتى لا تقع تحت رحمة دولة بعينها، خاصة أن روسيا ثبت أنها مصدر غير موثوق للطاقة وتستخدم الغاز سلاحا في خلافاتها مع الدول الأخرى.

معالجة الأزمة
وبات من شبه المؤكد دخول منطقة اليورو مرحلة الركود، إذ أظهرت استطلاعات للرأي أمس تفاقم أزمة تكاليف المعيشة ونظرة مستقبلية قاتمة تجعل المستهلكين قلقين إزاء الإنفاق.

وتستعد بعض الدول الأوروبية لإنفاق مبالغ طائلة في محاولة للحد من المعاناة، ومن جهتها، كشفت ألمانيا خلال عطلة نهاية الأسبوع، عن حزمة دعم بقيمة 65 مليار يورو (حوالي 64.7 مليار دولار) تتضمن حداً أقصى لسعر الكهرباء.

وفي بريطانيا، تعهدت رئيسة الحكومة الجديدة ليز تروس بتخفيضات ضريبية ودعم فوري للأسر التي تعاني من ارتفاع فواتير الطاقة.

ومن جانبهما، قدمت حكومتا السويد وفنلندا ضمانات بمليارات الدولارات لشركات المرافق العامة لمنع انهيار تجارة الطاقة.

وفي ذات السياق، جدد المستشار الألماني، أولاف شولتس، التأكيد على تأييده لمشروع خط أنابيب غاز يعبر جبال البيرينيه بهدف “تحسين الترابط في شبكة أنابيب الغاز” الأوروبية. ومن شأن هذا المشروع أن يسمح لإسبانيا وأيضاً للبرتغال، بإيصال الغاز الطبيعي المسال الآتي من الولايات المتحدة أو قطر، إلى دول أوروبا الوسطى مروراً بفرنسا.

وأُطلق المشروع، عام 2013، لكن مدريد وباريس تخلتا عنه عام 2019 بسبب تأثيره على البيئة ومنفعته الاقتصادية المنخفضة، لكن التهديدات الروسية بوقف تسليم الغاز لدول الاتحاد الأوروبي أعادت طرح الموضوع على الطاولة.

كما أنه من المتحمل أن تستفيد قارة أوروبا إذا عادت إيران إلى السوق، وأمس أعربت طهران، عن استعدادها بحال تم رفع العقوبات عنها لتوفير موارد الطاقة لأوروبا. وتمتلك إيران ثاني احتياطات مثبتة من الغاز بعد روسيا، إلا أن تصديرها يقتصر إجمالاً على بلدين مجاورين هما تركيا والعراق، في حين يحتاج القطاع إلى استثمارات كبرى في مجال البنى التحتية ورفع قدرة الإنتاج والتصدير.

تنويع مصادر الطاقة
وربما تلجأ أوروبا في سبيل تنويع مصادر الطاقة إلى الغاز من الجزائر وأذربيجان والنرويج، وفي الأخيرة هناك خط سيربط النرويج بالشمال الأوروبي، وسيكون جاهزا بحلول نهاية العام وذلك لنقل حوالي 10 مليار متر مكعب من الغاز النرويجي.

وأوروبا أيضاً بصدد تطوير البنية لاستقبال الغاز المسال، ويشير إلى محطتين عائمتين لاستقبال الغاز المسال في ألمانيا سيكونا جاهزتين للعمل مع نهاية العام، وهناك محطات أخرى في إيطاليا وإسبانيا وبريطانيا وفرنسا.

ويعرف القادة الأوروبيون أنهم بحاجة إلى بذل المزيد من الجهد لتجنب المصاعب المنتشرة والحد من تداعيات الركود.

وفي اجتماع طارئ، الجمعة المقبلة، سيناقش وزراء الطاقة في الاتحاد الأوروبي، خطط مساعدة الأوروبيين وحمايتهم من أسوأ ارتفاع في أسعار الطاقة، تشمل الأفكار الأولية آلية لفصل أسعار الكهرباء عن أسعار الغاز الطبيعي بالجملة، وعرض ائتمان طارئ لشركات الطاقة المعرضة لخطر الإفلاس، وفق مسودات وثائق اطلعت عليها، وكالة “رويترز”.