اخبار المغرب

ترجمة جديدة تقتفي تاريخ أسلمة شمال إفريقيا وتنقيح المعارف الاستعمارية

ترجمة جديدة لمرجع “ماضي إفريقيا الشمالية-القرون المظلمة”، تقدم للباحثين وعموم القراء عملا محوريا في فهم مسار “أسلمة شمال إفريقيا” خلال بداية القرون الوسطى.

عمَلُ إيميل فيليكس غوتييه، الذي كان أستاذا زمن الاحتلال الفرنسي بجامعة الجزائر، يهتم بحقب “معتمة” من تاريخ الشمال الإفريقي بعد دخول الإسلام، من تمرد الخوارج، وممالكهم، والخلافة الفاطمية، ومملكة قبائل صنهاجة، كما يعرج على ما تعد معرفته ضرورية من تاريخ المغرب القديم، وماضيه السحيق، ومراجعه، ومناهج التأريخ لدى مؤرخي المنطقة، من قبيل ابن خلدون.

الترجمة الجديدة الصادرة عن مركز ابن خلدون للدراسات والأبحاث والترجمة والتحقيق، أعدها أستاذ التاريخ الوسيط محمد الغرايب، وذكر أنها كانت “واجبا كابن المنطقة”، فالترجمة السابقة أعدها مترجم عراقي “لا يعرف تاريخ المغرب، وأصول أسماء مناطقه، ومدنه”، وفيها “قفز على فقرات، وربط لها بأخرى لا علاقة لها بها، وتقويل للكاتب ما لم يقله”.

وأضاف الغرايب، في تصريح لهسبريس، أن “هذه مسألة تتعلق بتاريخنا ومنطقتنا، فكان ينبغي أن نعيد الترجمة، ولو كانت في المستوى لتبنيناها، ولما بذلنا الجهد”، وهو “ما يُكتشف عند المقارنة مع الأصل الفرنسي، وترجمتي لها ما لها وعليها ما عليها، لكن حاولت تقريب المؤلف”.

وذكر المترجم أن هذا العمل “وإن كان قد كتب في الفترة الاستعمارية، وصدر في 1924، إلا أن أهميته ترجع إلى منهجيته، واشتغاله على فترة من تاريخ المغرب، ليست هناك مصادر ومراجع حولها؛ فالأدارسة دولة لم تترك سطرا، ولولا عُملتهم ومدينة فاس ما كنا لنعرف عنهم شيئا، وكذلك دولة خوارج سجلماسة لم يتركوا كلمة، وإمارة بورغواطة”.

وواصل: “بحث غوتييه انطلاقا مما توفر في الأركيولوجيا والواقع، وقال إن هذا المجال الغامض، لدينا ما يمكننا من الحديث عنه؛ فالأرض هي هي، وكذلك الطبيعة والإنسان، ولجأ إلى مساعدة من ابن خلدون وابن أبي زرع، وطرح إشكالات كبيرة كثيرة، مثل: لمَ لم تظهر دول في فترات؟ والأسباب السياسية والاجتماعية لذلك. وحاول الإجابة عن بعضها بطريقته، ولم تكن الإجابات بالضرورة صحيحة، لكن اجتهاده محترم ومهم بالنسبة لأي باحث في التاريخ، رغم النفحة الاستعمارية”.

ومع تأكيد المترجم والمؤرخ أن الفترة التي يتحدث عنها الكتاب “تحتاج بحثا كبيرا بالجانب الأركيولوجي، وإلا يستحيل إصدار حكم حولها”، ذكر أن من بين إشكالات الكتاب “لِم لم تستطع القبائل الأمازيغية بناء دولة؟ وكانوا ينتظرون شخصا من الشرق، إما المهدي الفاطمي، أو المولى إدريس، أو ابن رستم فيما يتعلق بالخوارج الإباضية”، وكان جوابه أن “سكان شمال إفريقيا لهم غيرة كبيرة على الجانب القبلي البشري المتعلق بالنسب، ولا توجد في جوانب أخرى، فيبقى الإنسان الأمازيغي في نظره يحكمه الانتماء القبلي، لا انتماء آخر، وهو ما يحول دون بناء دولة”.

وسجل أستاذ التاريخ الوسيط أن “الكتابات في الفترة الاستعمارية محكومة بفترتها وتوجهها، وبعض القادة العسكريين كانوا يحتاجون للترقي بحثا رصينا عن المنطقة التي دخلوها، ويأتون بأمور دقيقة، لكن توظيفها شيء آخر”.

واسترسل شارحا: “لقد أبرزوا في كتاباتهم مجهود الاستعمار من عهد الرومان إلى الآن، ويقولون إنهم هم من أدخلوا الحضارة، وهذا جانب أيديولوجي استعماري، لكن ما يطرحونه من معطيات مهم لنا، وينبغي أن ننتقي ونتخلى عما هو أيديولوجي ونحتفظ بما هو أكاديمي ونعتمد عليه ونستفيد منه ونصححه في كثير من جوانبه؛ لأن له قيمة اكاديمية كبيرة جدا، ولو لم يفهمونا جيدا، ولو لم يدخلوا في جميع دواليب الثقافة المغربية والعربية، لما كان لهم هذا الأثر الذي لم نستطع تجاوزه إلى الآن”.