اخبار الكويت

إجرام الصهيونية يغتال قدسية الصحافة

الشهيدة شيرين أبو عاقلة قضت نحبها برصاصة غادرة في الرأس أطلقها قناص إسرائيلي

بدم بارد وبنفس أسلوب الغدر الذي لم يتخلَّ عنه الصهاينة يوماً، وبنفس ذلك السيناريو الدموي الذي لا يعرف إلا السفك والقتل والتنكيل والاعتداء والتآمر، أطلقت قوات الاحتلال الإسرائيلي أمس الرصاص الحي على صوتٍ طالما دافع عن القضية الفلسطينية ونقل أحداثها ورصد بأمانة ما يشهده الفلسطينيون من انتهاكات، الزميلة مراسلة شبكة الجزيرة الإعلامية شيرين أبو عاقلة، أثناء تغطيتها لاقتحام قوات الاحتلال مدينة جنين بالضفة الغربية المحتلة، لتغادر على الفور شهيدةً إلى لقاء بارئها، تاركة وراءها أحزاناً لا تمحى، شاهدة على نازية صهيونية قل نظيرها في تاريخ البشرية.

صباح أمس ارتدت زيها الصحافي الذي يميز هويتها لتفادي أية مخاطر، وانطلقت إلى منطقة الجابريات بين مخيم جنين وقرية برقين، لنقل اقتحام قوات الاحتلال المدججة بالسلاح للمنطقة، بهدف اعتقال أحد المطلوبين الفلسطينيين الذي حاصرت منزله وأخذت تنادي عليه عبر مكبرات الصوت، وعندما أدركت أن مهمتها فشلت أخذت تطلق الرصاص بشكل مكثف، واستهدف أحد القناصين الإسرائيليين شيرين برصاصة في الرأس أوقعتها أرضاً، وقبلها بلحظات أصيب منتج القناة في جنين علي السمودي برصاصة في الكتف.

كم تحسرت على ما يلقاه أبناء وطنها على يد الاحتلال من تنكيل، لذا لم يكن عجيباً، وهي الإعلامية المهنية من المستوى المتقدم، أن تفضي عبر حديث إنساني لها في «الجزيرة» بأن أكثر اللحظات التي طعنتها في سويداء قلبها كانت زيارتها سجن عسقلان واطلاعها على أوضاع أسرى فلسطينيين بعضهم قضى أكثر من 20 عاماً خلف القضبان.

وكأنما كانت تطالع الغيب حينما أعربت في الحديث ذاته عن شعورها بأنها دائماً «مستهدفة في مواجهة كل من جيش الاحتلال والمستوطنين المسلحين»، وها هو حدسها يصدق لتقع فريسة نبيلة بين براثن الغدر والخيانة وانتهاك كل الأعراف المهنية والدينية والإنسانية.

وعلى مدى ما يقرب من ثلاثة عقود، نقلت شيرين رسالة فلسطين قبل أن تبعث بكلماتها الأخيرة إلى «الجزيرة» صباح أمس، وتخبرهم أن جيش الاحتلال اقتحم مدينة جنين ويحاصر منزلاً فيها، وأنها ستوافيهم بالخبر فور اتضاح الصورة… فكانت هي الخبر المفجع.

شهدت أبوعاقلة أحداثاً فلسطينية مفصلية؛ أبرزها تغطية أحداث انتفاضة الأقصى (الثانية) بين عامي 2000 و2004، التي اجتاح الاحتلال الإسرائيلي فيها الضفة الغربية، وغطت فيها عمليات قصف واغتيال وأحداثاً بالغة الخطورة، كما شاركت في تغطيات عديدة في مواجهات القدس وغزة والضفة الغربية، وكان آخرها مواجهات المسجد الأقصى وحي الشيخ جراح، حيث تعرّضت وزملاؤها للتنكيل من جيش الاحتلال، وأصيبت برصاصه أكثر من مرة.

وعربياً، كان آخر تغطية شاركت بها في مصر قبل عدة أشهر، حيث كانت من أوائل الصحافيين الذين انتقلوا هناك عقب إعادة فتح مكتب «الجزيرة» في القاهرة، كما برزت في تغطية عدة أحداث عالمية، ومن بينها الانتخابات الأميركية السابقة.

وتروي زميلتها الصحافية شذا حنايشة، التي كانت بجانبها لحظة استشهادها، أن شيرين كانت ترتدي زيها الصحافي بالكامل (الدرع والخوذة)، «ومن أطلق النار عليها كان يقصد قتلها، وأن ما حدث جريمة اغتيال».

شيرين في سطور

وُلِدت الشهيدة أبو عاقلة عام 1971 في مدينة القدس المحتلة، وترعرعت في ربوعها لأسرة مسيحية، وأنهت دراستها الثانوية بمدرسة راهبات الوردية في بيت حنينا بالمدينة المقدسة، ثم حصلت على بكالوريوس الصحافة والإعلام من جامعة اليرموك بالأردن.

عادت بعد تخرجها إلى فلسطين وعملت في مهام إعلامية مع عدة جهات، مثل وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، وإذاعة صوت فلسطين، وقناة عمان الفضائية، ثم مؤسسة مفتاح، وإذاعة مونت كارلو، وفي عام 1997 انضمت إلى طاقم «الجزيرة» في بداية تأسيسه بفلسطين، وظلت فيه حتى قضت شهيدة للرسالة الإعلامية المناصرة لوطنها وقضيتها.