اخر الاخبار

هل تُنهي «مقبرة الخالدين» أزمة مدافن المشاهير في مصر؟

هل تُنهي «مقبرة الخالدين» أزمة مدافن المشاهير في مصر؟

ما إن وجّه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بـإنشاء «مقبرة الخالدين»، حتى أعرب الكثير من الآثاريين والمتابعين عن تفاؤلهم بهذا التوجيه، وترحيبهم بـ«تشكيل لجنة برئاسة رئيس مجلس الوزراء لتقييم نقل مقابر بالسيدة نفيسة والإمام الشافعي»، وسط تساؤلات حول حل أزمة نقل مدافن المشاهير بشكل جذري.

وأعرب السيسي – وفق بيان لرئاسة الجمهورية صدر مساء الاثنين -، عن «حرص مصر على تقدير رموزها التاريخية وتراثها العريق على النحو اللائق»، ووجّه بإنشاء «مقبرة الخالدين» في موقع مناسب، لتكون صرحاً يضم رفات عظماء ورموز مصر من ذوي الإسهامات البارزة في رفعة الوطن، على أن تتضمن أيضاً متحفاً للأعمال الفنية والأثرية الموجودة في المقابر الحالية، ويتم نقلها من خلال المتخصصين والخبراء، بحيث يشمل المتحف السير الذاتية لعظماء الوطن ومقتنياتهم».

ضريح الإمام الشافعي (تصوير: عبد الفتاح فرج)

ويتضمن التوجيه الرئاسي كذلك «تشكيل لجنة برئاسة رئيس مجلس الوزراء، تضم جميع الجهات المعنية والأثريين المختصين والمكاتب الاستشارية الهندسية، لتقييم الموقف بشأن نقل المقابر بمنطقة السيدة نفيسة والإمام الشافعي، وتحديد كيفية التعامل مع حالات الضرورة التي أفضت إلى مخطط التطوير، على أن تقوم اللجنة بدراسة البدائل المتاحة والتوصل لرؤية متكاملة وتوصيات يتم الإعلان عنها للرأي العام قبل يوم الأول من يوليو (تموز) 2023».

وعدّ الدكتور حسين عبد البصير، الخبير الأثري ومدير متحف مكتبة الإسكندرية، أن «إنشاء (مقبرة الخالدين) يعد قراراً ممتازاً يسهم في إنهاء الجدل بشأن إزالة مقابر الرموز التاريخية، وتوفر حلاً عملياً ناجعاً يضمن تقدير مصر لأبنائها من صناع الفكر والتاريخ».

وأضاف قائلاً لـ«الشرق الأوسط»: «سوف تصبح المقبرة بمثابة ذاكرة للأجيال القادمة كما يمكن استغلالها كمزار سياحي مهم من مزارات السياحة الثقافية».

توجيه بإنشاء مقبرة الخالدين بموقع مناسب (تصوير: عبد الفتاح فرج)

ويقترح الدكتور خالد عزب، خبير المخطوطات والتراث والرئيس السابق للجنة الوطنية للمتاحف، عدم الاكتفاء بنقل رفات رموز مصر فقط إلى المقبرة الجديدة، بل يتم كذلك نقل الأضرحة ذات الطرز المعمارية الفريدة بما تتضمنه من قباب وخطوط وألوان وغيرها من المواد الأثرية المستخدمة، في البناء كما هو الحال في مقابر أحمد شوقي، وحافظ إبراهيم ومصطفى باشا فهمي على سبيل المثال لا الحصر.

معتبراً أن «ذلك الحل يأتي بمثابة حل وسط؛ حتى لا نفقد السياق التاريخي الأثري لتلك المقابر، وفي الوقت نفسه نتيح الفرصة لخطط التنمية والعمران في منطقة القاهرة التاريخية».

ويضيف لـ«الشرق الأوسط»: «أقترح أيضاً تنظيم مسابقة معمارية كبرى لاختيار أفضل تصميم معماري يليق بمقبرة الخالدين المنتظرة، كما لا بد من وضع معايير واضحة لتحديد ماهية من هم هؤلاء الخالدين وعلى أي أساس سوف يتم اختيارهم».

وعلقت نهى يحيى حقي، ابنة الأديب الكبير يحيى حقي، الذي كان ضمن الأسماء المهددة مقابرها بالإزالة، قائلة: «قرار إنشاء مقبرة الخالدين يثلج الصدر كونه بمثابة تكريم لرموز مصر». وقالت لـ«الشرق الأوسط»: «رفات والدي للأسف الشديد نُقل من مرقده بجوار مقابر (السيدة نفسية) إلى مقبرة جديدة بمدينة العاشر من رمضان، وبالطبع حين يستقر الرفات في مقبرة الخالدين سوف يكون أمراً رائعاً»، على حد تعبيرها.

مدفن عائلة درامللي (تصوير: عبد الفتاح فرج)

ويعود تاريخ ظهور أزمة هدم مقابر توصف بـ«التراثية» وإزالة أضرحة مشاهير في مصر إلى تاريخ 22 يوليو 2020 عندما كشفت محافظة القاهرة النقاب عن مسار محور «الفردوس» المروري الممتد إلى 9 كيلومترات؛ بهدف تيسير الحركة المرورية المتبادلة بين وسط القاهرة وكل من الطريق الدائرية ومدن شرق العاصمة ثم توالت مشاريع إنشاء الكباري والمحاور وتوسعة الطرق ومعها استغاثات ومناشدات بوقف إزالة مقابر شخصيات تاريخية ورموز ثقافية، مثل عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين، والأديب يحيى حقي والشاعر حافظ إبراهيم. وامتدت قائمة أصحاب المقابر التي قيل إنها مهددة بالهدم لتشمل الفيلسوف المصري أحمد لطفي السيد، ورئيس وزراء مصر حسن باشا صبري، وأحد أعمدة الاقتصاد المصري عبود باشا. وتعددت طلبات الإحاطة للحكومة في البرلمان والتي انتقدت «إزالة المقابر دون مراعاة لبُعدها التراثي والفني والمعماري».

مقابر أثرية في السيدة عائشة بجوار موقع إنشاءات (تصوير: عبد الفتاح فرج)

وتعد القاهرة واحدة من المدن التاريخية التي صُنّفت ضمن قوائم منظمة الـ«يونيسكو» عام 1979 لامتلاكها تراثاً عالمياً إنسانياً يمثل قيماً حضارية وثقافية. وتمتد مدافن القاهرة التاريخية على مساحة كبيرة وتشمل أحياء الإمام الشافعي، والسيدة نفيسة، وباب الوزير، وباب النصر والمجاورين، فضلاً عن صحراء المماليك.