اخبار الكويت

فرنسا: معركة رئاسية متقاربة بين ماكرون ولوبن في «الثانية»

• «رئيس الأغنياء» يواجه تحدياً باستمالة ميلونشون
• زعيمة «التجمُّع» مجدداً أمام «الامتحان الشفهي»

يخوض الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي يريد أن يصبح أول رئيس يفوز بولايتين منذ 20 عاماً، معركة متقاربة مع زعيمة اليمين المتطرف مارين لوبن، التي تنوي أن تصبح أول امرأة تترأس فرنسا، وأول من يصل إلى هذا المنصب من التيار اليميني المتطرف.

تصدّر الرئيس الفرنسي الوسطي، إيمانويل ماكرون، نتائج الدورة الأولى من الانتخابات الرئاسية الفرنسية التي جرت أمس الأول بفارق بضع نقاط مئوية فقط عن منافسته اليمينية المتطرفة مارين لوبن، وسيتواجه الاثنان بالدورة الثانية في 24 الجاري، التي تبدو نتيجتها غير محسومة.

وأعلنت «الداخلية» أمس أن ماكرون حصد 27.85% من الأصوات، مقابل 23.15% للوبن. وأظهرت الاستطلاعات الأولى التي أجريت بعد إعلان النتائج الأولية حول نوايا التصويت في الدورة الثانية، أفضليّة ضيّقة لماكرون بحصوله على 51 بالمئة من الأصوات، وفق استطلاع «إيفوب- فيدوسيال»، و54 بالمئة، وفق استطلاع معهد إبسوس، وهي نسبة أدنى بكثير مما حصد عام 2017 (66 بالمئة).

ديموقراطية كبرى

وفي تجمّع حاشد، شكر ماكرون المرشحين الخاسرين الذين دعا معظمهم إلى قطع الطريق أمام مرشحة أقصى اليمين.

وأعرب ماكرون عن استعداده لإنشاء هيكل جديد جامع بعيدا عن «الخلافات» يكون «حركة سياسية كبيرة للوحدة والعمل». على وقع هتافات «ماكرون رئيسا»، لوّح نحو ألف من أنصاره بالأعلام الفرنسية والأوروبية مساء الأحد، كما عبّروا عن فرحتهم مرددين شعار «عام، عامان، وخمسة أعوام أخرى».

وشدد ماكرون أمام أنصاره في مقر حملته أنه «لم يُحسم شيء بعد» في الانتخابات، لافتا إلى أن «النقاش الذي سنخوضه لمدة 15 يوما سيكون حاسما بالنسبة لبلدنا وأوروبا».

وأضاف الرئيس المنتهية ولايته إنه «يريد لفرنسا أن تكون جزءا من أوروبا قوية، تواصل تشكيل تحالفات مع الديموقراطيات الكبرى للدفاع عن نفسها، وليس فرنسا التي تغادر أوروبا ليكون حلفاؤها الوحيدون التحالف الدولي للشعبويين وكارهي الأجانب»، في إشارة إلى لوبن التي تتمتع بعلاقات جيدة مثلا مع رئيس الوزراء المجري الشعبوي فيكتور أوربان، وغيره من قادة الأحزاب الشعوبية اليمينية في أوروبا.

أمة الألف عام

وفي تجمّع مماثل، حضّت لوبن «كل مَن لَم يصوتوا» للرئيس المنتهية ولايته على «الانضمام» إليها، وقالت بعد إعلان النتائج إن «ما سيحدد في 24 أبريل سيكون خيارا للمجتمع والحضارة»، متعهدة خصوصا بـ «استعادة سيادة فرنسا».

ودافعت مارين لوبن عن رؤيتها المتمثلة في «تجميع الشعب الفرنسي حول العدالة الاجتماعية والحماية، اللتين يضمنهما إطار أخوي حول فكرة الأمة التي يمتد تاريخها لألف عام»، معتبرة أن ذلك نقيض «الانقسام والظلم والفوضى التي فرضها ماكرون لمصلحة قلّة قليلة».

أصوات الخاسرين

وبدأ ماكرون ولوبن حملة محمومة لإقناع الناخبين غير المتحمسين لهذه المواجهة والذين لا يمكن توقّع ردة فعلهم. وقال الناطق باسم الحكومة غابريال أتال، عبر إذاعة «فرانس إنتر» أمس، «هذا الفوز يجب أن نعمل بجهد لتحقيقه، لأنّ الأمر غير محسوم».

وبُعيد ذلك قال غوردان بارديلا رئيس «التجمع الوطني» الذي تتزعمه لوبن إنه على ثقة بأن مرشحة اليمين المتطرف ستتلقى دعما في صفوف «نسبة 70 بالمئة صوتت» ضد الرئيس المنتهية ولايته.

ودعا ثلاثة مرشحين يساريين لم يحالفهم الحظ في الدورة الأولى؛ هم المدافع عن البيئة يانيك جادو (4.63) والشيوعي فابيان روسيل (2.28) والاشتراكية آن إيدالغو (1.75)، فضلا عن مرشحة اليمين فاليري بيكريس (4.78)، صراحة ناخبيهم إلى التصويت لمصلحة ماكرون.

وينبغي على ماكرون ولوبن حشد الناخبين فيما طبعت نسبة امتناع كبيرة بلغت 25.14 بالمئة الدورة الأولى، مع انهيار تام للحزبين الرئيسيين في الجمهورية الخامسة اللذين سجلا أسوأ نتيجة في تاريخهما، مع حصول الديغولية بيكريس الفائزة بالانتخابات التمهيدية لليمين الفرنسي في الخريف الماضي على أقل من 5 بالمئة من الأصوات، والاشتراكية إيدالغو على أقل من 2 بالمئة.

وسيضع المتأهلان إلى الدورة الثانية نصب أعينهم خصوصا استمالة ناخبي مرشح اليسار الراديكالي جان لوك ميلونشون، الذي حلّ ثالثا بحصوله على 21.95 بالمئة من الأصوات تقريبا، بفارق بسيط عن لوبن، وبات يظهر في موقع الحكم.

وشدد ميلونشون زعيم «فرنسا المتمردة»، مرارا، على ضرورة عدم تجيير «أي صوت» لليمين المتطرف من دون أن يدعو صراحة إلى التصويت لمصلحة ماكرون.

وكرر المسؤول الثاني في حركته أدريان كانتينز الموقف نفسه صباح أمس، مضيفا أن «المسؤولية الكاملة لما سيحصل في الدورة الثانية تقع على عاتق بالطرف الرئيسي فيها، إيمانويل ماكرون».

وأوضح أن اهتمام حزبه ينصَبّ على الانتخابات التشريعية في يونيو و«فرض التعايش» على ماكرون.

وبدأت أمس مطاردة أصوات ناخبي اليسار، فشدد أتال على سجل ماكرون على الصعيد الاجتماعي، موضحا «لقد بذلنا الكثير من أجل تقليص التباين»، لكن ماكرون يعاني صعوبة في التخلص من صورة «رئيس الأغنياء».

على الورق تتمتع لوبن باحتياطي من الأصوات أقل بشكل ملحوظ عن ماكرون. فيمكنها الاعتماد على دعم مرشح اليمين المتطرف الآخر إريك زمور الذي حصل على 7.07 بالمئة تقريبا من الأصوات.

أما المرشح السيادي نيكولا دوبون – إينيان، الذي حصل على 2.06 بالمئة من الأصوات، فدعا إلى التصويت للوبن.

وتشكّل المناظرة التلفزيونية محطة حاسمة في حملة الدورة الثانية التي تستمر أسبوعين.

في عام 2017، أتت المناظرة كارثية للوبن التي بدت متوترة وغير ملمّة جدا بالملفات، مما ساهم في هزيمتها أمام ماكرون.

لكن هذه السنة تبدو ابنة جان ماري لوبن، الذي كان أول من أوصل اليمين المتطرف في فرنسا إلى الدورة الثانية عام 2002، أفضل استعدادا.

فقد خاضت لوبن حملة على الأرض منذ البداية، ركزت خلالها على القوة الشرائية التي تمثّل الشاغل الرئيسي للناخبين، في حين أن ماكرون الذي انشغل بالحرب في أوكرانيا، لم يشارك كثيرا في حملة الدورة الأولى.

تداعيات دولية

قد يكون لفوز لوبن تداعيات دولية مهمة، نظرا إلى مواقفها المعادية للتكامل الأوروبي ورغبتها مثلا في سحب فرنسا من القيادة المتكاملة لحلف شمال الأطلسي (ناتو) وعلاقتها السياسية مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وكل هذا يكتسب أهمية مضاعفة الآن، نظراً الى الحرب الروسية على أوكرانيا، وضرورة أن يبقى الغرب موحداً. وفوز لوبن سيمثّل سابقة مزدوجة، فلم يسبق أن حكمت فرنسا امرأة، كما لم يحكم اليمين المتطرف البلاد قطّ.

كيف علقت صحف فرنسا على الدورة الأولى؟

حسب توجهاتها السياسية علقت الصحف الفرنسية أمس على نتائج الدورة الأولى من الانتخابات الرئاسية، حيث بدا أن الصحف المحافظة أقل توتراً من تلك اليسارية التي تعتبر وصول اليمين المتطرف إلى الرئاسة خطاً أحمر.

وجاء في عنوان صحيفة «لو باريزيان» بنسختها الوطنية: «مباراة الإياب» مع ترجيح فوز الرئيس إيمانويل ماكرون على مارين لوبن، كما في مباريات كرة القدم. وكتب أليكسي بريزي في «لو فيغارو» المحافظة Le Figaro «مباراة ماكرون – لوبن، مباراة الإياب التي يبدو أن الفرنسيين لم يرغبوا فيها، ستحصل بالفعل».

وتأسفت الصحف اليسارية على نتائج الدورة الأولى، وحذرت «ليبيراسيون» اليسارية في عنوانها الرئيسي: «هذه المرة، الوضع خطر جداً».

أما «لومانيتي» الشيوعية فكتبت «ليس هي» مع استبدال حرفي «اللام» في الكلمة الفرنسية بشعلتي نار من شعار حزب «التجمع الوطني» الذي تقوده مارين لوبن.

وكتبت الصحافية صوفي لوكلانشي في صحيفة «لا مونتانيه»: «يلتقي التعطيل والشعبوية الاجتماعية وجها لوجه بعد جولة أولى (تقريبا) كانت نتائجها متوقعة».

4 ملاحظات من الدورة الأولى

• خسارة تاريخية: مرشحا الحزبين التقليديين اليمين الديغولي المحافظ المتمثل بحزب الجمهوريين ويسار الوسط المتمثل بالحزب الاشتراكي الديموقراطي، واللذين حكما فرنسا لأكثر من 50 عاماً، نالا مجتمعين 6.53 في المئة من الأصوات، أي أقل من الصحافي إريك زمور الذي أسس حزباً يمينياً قومياً متشدداً قبل أقل من 5 أشهر. وحصلت الجمهورية فاليري بيكريس على 4.78 في المئة من الأصوات في أدنى حصيلة انتخابية للديغوليين.

• فرصة تاريخية: خسر مرشح أقصى اليسار جان لوك ميلونشون فرصة تاريخية لتأهل يساري من خارج عائلة الاشتراكي الديموقراطي إلى الدور الثاني، بسبب التشتت داخل اليسار. وكان بإمكان ميلونشون، الذي حصد 21.95 في المئة من الأصوات، التفوق على مارين لوبن في حال نال أصوات الحزب الشيوعي، الذي حصد 2.28 في المئة، وأصوات الاشتراكيين الديموقراطيين (1.75 في المئة)، وأصوات المرشح اليساري المتشدد قيليب بوتو (0.77 في المئة).

• المدن تلفظ اليمين المتشدد: كان لافتاً أن مدينة باريس العاصمة ومعظم المدن الكبرى لم تصوت لمرشحي اليمين المتشدد المعادي للمهاجرين بكل تلاوينه. وعلى سبيل المثال، نال اليسار في باريس بمختلف تياراته 43 في المئة من الأصوات، ونال ماكرون الوسطي واليمين المحافظ 42 في المئة.

• معضلة ماكرون والتوازن الصعب: وفق قراءة الخبراء للنتائج الأولية، قد يكون الرئيس إيمانويل ماكرون في موقع أفضل من منافسته مارين لوبن في الدور الثاني، إلا أنه لضمان الفوز يحتاج إلى أصوات من اليمن واليسار، وهذا يضعه في معضلة، لأن عليه الموازنة بدقة متناهية بينهما، فأي محاولة لاستمالة اليمين عبر أي وعود انتخابية تعني عملياً إزعاج اليسار والعكس صحيح.