فنون

رموز الدراما (1).. محفوظ عبدالرحمن والمعنى وراء اختيار عناوين أعماله


الشيماء أحمد فاروق


نشر في:
السبت 2 أبريل 2022 – 10:40 ص
| آخر تحديث:
السبت 2 أبريل 2022 – 10:40 ص

يعد موسم دراما رمضان، أحد الفترات الزمنية التي تنتعش فيها الأعمال الفنية التلفزيونية بقوة، ويكثر الحديث عن المسلسلات وصناعها والدراما المصرية عموما، ويضم تاريخ الدراما المصري عامة أسماء مهمة كانت تُثري الشاشة بأعمال حققت نجاحات كبيرة.

ونتناول في هذه السلسلة حكايات وتفاصيل الدراما لدى رموز التأليف، ونبدأ مع محفوظ عبدالرحمن، الذي قررنا أن نغوض في عالمه السحري خلال سلسلة من اللقطات السريعة، من خلال قراءة في كتاب “الخطاب السردي في الدراما التلفزيونية” للناقدة سميرة أبو طالب.

• العنوان في أعمال محفوظ عبدالرحمن

تقول سميرة أبو طالب إن الدراما التلفزيونية تحوي في باطنها الكثير من معالم الأنواع الأدبية، وتأخذ منها وتوظف في نصوصها التي تقوم على توالد الحكايات في شكل متسلسل، وإذا كان العنوان مشتركا في كل الأنواع ومشتبكا مع كل نصوصه، فإن تناوله في السياق الدرامي سيتجه إلى تلك الخصوصية التي تميزه؛ لتوضيح ما هو درامي متعلق بالنص المكتوب، وما هو مرتبط بالمشهد، أي متضمن لتقنيات الوسيط التلفزيوني، وتحليل التكوين المشهدي بما يحويه من عناصر أخرى تسهم في إضفاء رحابة دلالية على ما ينتجه العنوان.

وتضيف أن الكاتب طوّع عناوين أعماله لخدمة هدفه في عرض قضاياه، ونتحدث اليوم عن مسلسل “سليمان الحلبي”، الذي عرض عام 1976، وقد اختار الكاتب عنوانا يحيل إلى القصة الشهيرة سليمان الحلبي، طالب الأزهر الذي أتى من حلب إلى مصر، ويذكره التاريخ من خلال قتله لكليبر قائد الحملة الفرنسية، وهذه القصة في مجملها، لكن الخطاب الذي تناوله النص/ العرض على مدار 13 حلقة، وضع العديد من التصورات للإجابة على الأسئلة التي يتوقعها المتلقي.

يأتي العمل بهذا العنوان كي يجيب عن كل هذه التساؤلات التي يجابهها المتلقي أثناء متابعته للحلقات، إذ يتضح أن سليمان الحلبي، الذي يقصده العمل الدرامي، هو ذلك المقاوم المستنير الذي يدفع حياته فداء للدفاع عن أرضه، وأن ما تم استدعاؤه في مخيلة المتلقي هو ما سجل في التاريخ، وعندما يستدعي الكاتب الشخصية، إنما يعبر عن أن فعل بطل الأحداث لم ينته بمقتله، بل يستنهض الحس الوطني للمتفرج.

والكاتب الشاعر هنا يخلق وحدة عضوية في النص بدءًا من العنوان والمعنى المتدفق في المشاهد الدرامية، وصولا إلى الهدف الأساسي من النص وهو الخطاب الذي تتكامل فيه وظيفة الكلمة إلى جوار الصورة في تأكيد الخطاب الذي يتخذ من فعل المقاومة إطارا عاما يتشكل من خلال ثلاثية الأرض واللغة والتاريخ، لذلك يقدم محفوظ عبدالرحمن، سليمان الحلبي، كرمز وليس مجرد شخص، موظفا هذا الرمز ليعرض من خلاله أفكاره، من خلال الرحلة التي قطعها البطل من حلب إلى القاهرة، وهي انعكاس شكلي واضح لفكرة الكاتب للربط بين الأقطار العربية ووحدتها.

وفي مسلسل “سليمان الحلبي”، نجد أن الكاتب لم يكتف باختيار عنوان عام للعمل، بل اختار أيضاً عناوين فرعية للحلقات، إذ إن العنوان الفرعي في الحلقة الأولى “رسالة بلا توقيع”، هو عنوان لا يكشف عن دلالته من القراءة الأولى، لكن تتكشف الدلالة من خلال الأحداث الدرامية، ونجد أن التوقيع الذي ينقص الرسالة هو “توقيع المقاومة”، ورفض الأشكال القمعية التي تمارس على الشعوب، ولأنها كذلك؛ فالتوقيع لا يختص فردا واحدا إنما الجموع.

وتقول أبو طالب: “إن العناوين لدى محفوظ عبدالرحمن، لم تتخذ مكانها اعتباطا، ولم تكن سهلة المأخذ، وإن بدا ظاهرها كذلك، لأن عمق الدلالة الناتج عن تلقي النص كاملا يضعنا أمام عناوين تعرف طريقها لإنتاج دلالات تتكىء على أكثر من تقنية أدبية وتحفز مخيلة المتلقي”.

من العنوانين الفرعية الأخرى، عنوان الحلقة الثالثة “الجرح والسكين”، وتقول عنه أبوطالب: “هو عنوان يطرح دلالات كثيرة، من بينها التعبير عن المكانية، بمعنى مكان الجرح، كما أن من بين الدلالات التي يطرحها هذا العنوان، السببية، إذ إن السكين سبب في وقوع الجرح، غير أن المعنى الذي يطرحه محفوظ عبدالرحمن يتسع باتساع المضمون، فالجرح هنا معنوي، فيه معنى الهزيمة والانكسار وضياع الوطن، والسكين هي المرادف لكل أداة يدافع بها الإنسان عن حقه في أرضه وحريته، أي ضرورة الدفاع عن هذا الجرح بكل الأسلحة”.

وإلى لقاء غدا في حلقة جديدة عن دراما محفوظ عبدالرحمن..