اخبار المغرب

متعة الفِكر والحواس في “الفيشطة” .. الباشا “المستبد” يصطدم بـ”الشيخات”

قدمت جمعية أرتيليلي للفنون، السبت، بمسرح محمد الخامس العرض الأول لمسرحية الفيشطة، من إخراج أمين ناسور وسينوغرافيا طارق الربح وتشخيص مريم الزعيمي، السعدية لاديب وكمال كاظمي وفريد الكراكي ومن إنتاج مسرح محمد الخامس بالرباط.

العرض حضره محمد المهدي بنسعيد، وزير الشباب والثقافة والاخبار السعودية، وعدد من المسؤولين المحليين والمنتخبين والفنانين والإعلاميين والمواطنين.

وتجري أحداث المسرحية في مكان وزمان غير مُحددين، يهيمن فيهما باشا ظالم يعشق فن “الشيخات” ولا يهتم بالباقي من جوانب الحياة.

وتحكي المسرحية قصة الباشا “المتغطرس”، الذي اصطدم بقبيلة تعرف بجرأتها في نقد الباشا، إلى حين اجتماع رجال القبيلة وتعيين امرأتين حادة وزروالة، بهدف تخليص رجال القبيلة من السجن وفضح ظلم الباشا.

إدريس القري، رئيس تحرير مجلة “مسرح”، يبسط خلال مقاله عن مسرحية “الفيشطة” الرسائل التي تحملها من قيم الحرية وقوة المرأة ومقاومة الاستبداد بصيغة إخراجية ملؤها الفرجة البصرية والسمعيّة المدهشة.

وهذا نص المقال الذي توصلت به جريدة هسبريس الإلكترونية:

حكاية المسرحية

تجري أحداث المسرحية في مكان-زمان غير مُحددين، يهيمن فيهما باشا ظالم يعشق الشيخات ولا يهتم بالباقي من جوانب الحياة.

تلك حبكةُ قضيَّةٍ تقليدية ونمطية مبدئيا.

يدعو الباشا سنويا أعيان الجهة لاحتفال سنوي للتسلية تحت ذريعة مناقشة مشاريع وأعمال. لكن غرضه الأساسي هو إلهاؤهم وضمان سكوتهم وولائهم.

من قبائل الجهة التي تقع تحت حكم الباسا، قبيلة يُعرف رجالها بجرأتهم في نقد الباشا.

قبل الدعوة للاحتفال وتجنبا لنقدهم العلني لسطوته. تم حبس رجال القبيلة المذكورة.

اجتمعت القبيلة وعينت امرأتان هما: حادة وزروالة، بهدف تخليص رجال القبيلة من السجن وفضح ظلم الباشا.

استعملت المرأتان ذكاءهما للتسلل لإقامة الباشا حيث توددتا بالحيلة إليه ولخادمه بروال، للحصول على مفاتيح السجن.

تكتشف المرأتان أن الخادم بروال هو نفسه عبدٌ للباشا، فتقنعانه بالانضمام إليهما قصد تحرير الرجال وتحرير نفسه.

يتحول الحفل إلى مواجهة بواسطة فن العيطة، تم اختيار نخبة من العيوط المغربية الملائمة درامية بين المرأتان وبين بروال حيث يتم القضاء على الباشا والتخلص من ظلمه.

أين “المسرح” في المسرحية

1- الإخراج

من مظاهر الإبداع المسرحي في “الفيشطة”، بنية الإخراج وتناسقها. لقد كان عمل أمين ناسور في هذا السياق ديناميكيا اعتمد دراما من فصول سريعة ومتوازنة الإيقاع، ممتعة الحوارات تجمع بين كوميديا الوضع، وعمق الدراما والفرجة المتاحة للجميع. إخراجٌ متآلفٌ مع فضاء الخشبة، يُحسِن توظيف كل رُكنٍ فيها، ويشغِّلُ زواياها بشكل يجمع فنون الفرجة وعناصرها المسموعة والمرئية، مع تمكن بالإيحاء اللامرئي كخلفية قوامها الجمال الملتزم.

يشعرك الإخراج بحضورٍ قوي لرؤية درامية ولمقاربته رُكحِية واثقة في ذاتها، مستلهِمة لهُويتها أركيولوجيا وأنثروبولوجيا بالمعنى الواسع للكلمتين.

يبرهن الفنان أمين ناسور مرة أخرى على قدرته على صياغة وتصميم إخراجٍ متعددٍ، منسجمةٌ عناصِرهُ ومنها كوريغرافيا تعبيرية جسديا ودراميا مرافقة لكل الفصول بحيوية فائقة، أداء المشخصتين الاثنين، والممثلتين الرئيسيتين ممتاز دون تشنج أو تصنع، تمنح البهاء للعين وهي حامل أنبل الحواس كما قال الفيلسوف روني ديكارت.

عناصر بنية الفرجة متعددة في أب الفنون ومنها في عرض “الفيشطة”:

2- الموسيقى والتشخيص

كان الحضور الوازن المتناغم والباهر للعازفين الشابين اللذين رافقا الدراما، ومنحا حجما سمعيا لـ”العيوط”. عمقت الموسيقى وحفرت دلالات حكاية الانعتاق من تحكم الباشا. تم ذلك بتشبث زروالة وحادة بالحرية وبمقاومة الظلم بإصرار وثبات وحب. ألبست الحكاية للمرأة، من خلال التشخيص القوي لمريم الزعيمي والسعدية لاديب، رداءَ الذّكاء والالتزام والتضحية، من أجل الحب ومن أجل الأسرة والعدالة.

أجاد الممثلون مريم الزعيم والسعدية لاديب وكمال الكاظمي في تشخيص أدوارهم بشكل ممتاز، كشف عن قدرات رائعة تثبت مرة أخرى أن الممثل المغربي موهوب عموما، إذا وجد دورا قويا وإدارة مهنية عالية.

لم يقِلّ المُمثل كمال الكاظمي تمكُّنا وإتقانا وحضورَ بديهةٍ طيلة العرض.

3- السينوغرافيا

حضرت السينوغرافيا بوضوح ملائم وبابتكارية في “الفيشطة”. قُسِّمت الخشبة إلى فضاءات بوظيفيّة مُتغيرة حسب التطور الدرامي لفعل التشخيص.

كان استلهام المنمنمات والمعمار المغربي الأصيل موفقا وظيفيا، ومُمتعا للعين جماليًّا.

أما الملابس والإنارة فكانت وظيفية بنجاح جمالي عملي.

برهن المخرج المسرحي أمين ناسور مرة أخرى، وبعد أعمالٍ ناجحة تنضح بالفرجة والممتعة وبغنى الدلالات الجمالية، عبْرَ مظاهرها الركحية المتشابكة، برهن عما يعرفه المسرح المغربي، والفنون عموما من تحولات واعدة.

4- وماذا بعد

ملاحظاتٌ تهم العرض ككل، فيه بعض الإطناب حكيا لكنه غير جوهري.

عرفت هندسة حركة المُمثلين على فضاء الخشبة، من حيث ضبط المسافات وتناظرها، بعض الاضطراب في عرض الرباط.

كان توظيف المُمثلين للديكور الرباعي الأعمدة، تحريكا واستغلالا يشوبه أحيانا نقص الدقة وضبط التزامن بينهم.

تأتي مسرحية “الفيشطة” قوية وممتعة في ظل انحسار انتشار تجارب الرواد، وما حققته من تراكمات غنية وقوية، وفي ظل تنامي دور الأجيال الشابة وانتشار الذكاء الاصطناعي وتهديداته للإبداع.