منوعات

نصف ” دزينة ” من النساء

ريما كتانة نزال  فلسطين السيد "بان كيمون" الأمين العام للامم المتحدة، عشية الذكرى العاشرة للقرار1325 قمتم بتكرار الدعوة الى تطبيقه، وهو القرار الداعي الى زيادة تمثيل المرأة في جميع مستويات صنع القرار، في المؤسسات والآليات الوطنية والاقليمية والدولية، لمنع الصراعات وادارتها وحلها. لقد اعتبرتم في تصريحاتكم بمناسبة الذكرى العاشرة لصدور القرار، بأن "النساء لا زلن مبعدات عن عملية السلام"؛ وطالبتم "بتحويل الوعود بشأن المرأة في النزاعات الى حقيقة واقعة". ان محتوى خطابكم في الذكرى العاشرة للقرار؛ يعبر عن عملية تقييم واستخلاص لنتائج العمل به على مدار السنوات العشر التي تلت صدوره، ونعتبر ما فهمناه من خلال مفرداتكم نهاية ايلول الماضي أن أهداف القرار ذات العلاقة بمشاركة المرأة وتحقيق السلام لا زالت تراوح في مكانها في لحظة صدور القرار في عام 2000، الأمر الذي نقر به معكم؛ ونعتبره استخلاص وتقييم دقيق وصحيح من وجهة نظر المرأة الفلسطينية. لكن الفلسطينيات كن يتمنين لو انكم توسعتم قليلا وقمتم بشرح السياق الذي استخلصتم من خلاله النتائج والاحكام، وقمتم بوضع النقاط على الحروف، وعلى رأسها الاسباب التي دفعتكم الى اعتبار ان النساء وفي قلبهم الفلسطينيات مستبعدات عن عمليات السلام، ولو كنتم قد اوضحتم ما يحول دون انخراط المرأة الفلسطينية في جهود تحقيق السلام.. علما بأنني استطيع أن أنفي الاعتبارات التمييزية التقليدية في الاستبعاد، لأن المرأة والرجل في فلسطين متساويان في عملية الإقصاء عن المشاركة في الحلول وصنع السلام، وذلك بسبب استفراد دولة الاحتلال وتحكمها في تقرير الحل وموعده وموضوعاته ومداه، رغبة منها في التنكر لتحقيقه، والأدق في أنها تعمل نهارا جهارا على تخريب واعاقة أي جهود تبذل للتوصل اليه ..  السيد الامين العام لهيئة الأمم المتحدة: ان علاقتنا بقرارات الشرعية الدولية كعلاقات الحب من طرف واحد، حيث بنى الشعب الفلسطيني استراتيجيته بالاستناد على قرارات الشرعية الدولية، وتبنى كافة القرارات الصادرة عن الهيئة الدولية ذات الصلة بقضيته، لتصبح كأحد المحددات والمعالم الرئيسية لبرنامجه السياسي، بل يكاد شعبنا الفلسطيني يحفظ عن ظهر قلب عدد وأرقام القرارات الصادرة مع نصوصها، في الوقت الذي تتخلى فيه الهيئة الدولية عنه وتكشف ظهره للحديد والنار. اعذرني ايها الأمين العام على محاكمة دور هيئتكم الأممية وتقييمها من خلال مدى ترجمتها للقرارات الخاصة بقضيتي الوطنية، ومن خلال قدرتها على الالتزام بجوهر ميثاقها الذي ينص على انقاذ الاجيال من ويلات الحروب، ومن أجل حفظ السلم والامن الدولي. بينما على أرض الواقع نجدها عاجزة عن الاخلاص لميثاقها، وبأنها لا تملك الارادة المستقلة لتحقيق السلام؛ ولا تملك القوة لتطبيق قراراتها. واعذرني ايها الأمين العام في الحكم على الهيئة الدولية بالتجويف والاستلاب، وبأن قراراتها مصادرة من قبل نظامها المعتمد والمتمثل بنظام "الفيتو"، حيث يسبب حق النقض لبعض الدول وعلى رأسها الولايات المتحدة الى اجهاض العدالة والارادة الدولية، وشل دورها في حفظ الامن والسلام.  لقد بلغ عدد المرات التي استخدمت فيها امريكا حق "الفيتو" أكثر من ثمانين مرة منذ تأسيس هيئة الامم المتحدة، علما بان ما يزيد على نصفهم أُشهر في وجه قرارات خاصة بالقضية الفلسطينية. واعذرنا كذلك ايها الامين العام، ان حكمنا عليكم بالعجز عن حماية حتى موظفيكم ومؤسساتكم، فالولايات المتحدة استخدمت "الفيتو" لتعطيل صدور قرار ينتقد اسرائيل لقتلها عددا من موظفي الامم المتحدة، واستخدمته لإجهاض قرار يدين قصف مدارس تابعة للامم المتحدة في غزة، واستخدمته لإفشال قرار يدين دولة الاحتلال على تدميرها مخزن تابع لبرنامج الغذاء العالمي في الضفة الغربية. ان المرأة الفلسطينية تبنت القرار 1325 واعتبرته يتقاطع مع أهداف برنامجها القريبة والبعيدة، على الرغم من ان الهيئة الدولية لا تتبنى قضاياها ومعاناتها، وفي ظل عجزالقرار عن الأمانة والاخلاص لنصوصه التي تنادي بتوفير الحماية للمرأة التي تعيش ظروف الصراع.  وفي نهاية رسالتنا لكم في الذكرى العاشرة للقرار، ترى المرأة الفلسطينية بأن الأحرى بكم ايها الأمين العام، أن تقوموا باتخاذ التدابير والاجراءات اللازمة لتفعيل قراركم قبل مطالبة الدول بتطبيقه. وأن تعملوا على وضع نظام محاسبة ومراقبة بشأن تطبيقه. وقبل كل شيء؛ فقد آن الأوان للقيام بخطوة اصلاحية لكافة الانظمة واللوائح الخاصة بالمنظمة الدولية بهدف منع استمرار تجويفها وعجزها، لتنطق باسم دورها التاريخي الذي انشأت من اجله، عوضا عن النطق بلغة القوة والاستحواذ. ريما كتانة نزال  فلسطين هذا العام؛ تم انتقاء عنوان " هياكل العنف: تحديد التقاطعات بين العسكرة والعنف ضد المرأة"، كموضوع لحملة "16 يوما لمناهضة العنف ضد المرأة" ، والتي تبدأ في الخامس والعشرين من شهر تشرين الثاني من كل عام وتنتهي في العاشر من كانون الأول. وتهدف الحملة الى تسليط الأضواء على مظاهر العنف الواقعة على النساء حول العالم، في الفترة الواقعة بين اليوم الدولي لمناهضة العنف ضد المرأة واليوم الدولي لحقوق الانسان. ويتضح من اختيار التواريخ الربط الرمزي ما بين حقوق المرأة والعمل على مساواتها وحفظ كرامتها وبين منظومة حقوق الانسان، واعتبار المس بحقوق المرأة وممارسة العنف ضدها خروجا وانتهاكا لقواعد حقوق الانسان. يأتي اختيار عنوان الحملة لهذا العام ليركز النظر على أحد أهم أسباب العنف في أماكن عديدة في العالم، حيث يؤدي العنف العسكري بسبب الاحتلالات والحروب والصراعات المسلحة الى تسعير أشكال العنف الداخلي في المجتمعات التي تعيش في مرمى نيرانه، ويستعر العنف الاجتماعي ضد النساء في تلك البلاد ويتضاعف كنتيجة طبيعية لانتشار العنف العام الناجم عن للعنف العسكري، والذي ينعكس ويفرَغ بالمرأة كأحد متنفساته باعتبارها واحدة من الفئات الأضعف في المجتمع. من البديهي أن تركيز البحث والضوء على واقع العنف ضد المرأة في بلدان الصراع المسلح، لا يصادر الحق في تسليط الضوء على جذور العنف الاجتماعي الداخلي ولا يموه على دوافعه، بل لخدمة هدف تظهير العنف المركب الواقع على المرأة في بلدان الصراع المسلح، ومنها العنف المركب الذي تعيش تحت وطأته المرأة الفلسطينية التي تتعرض لاحتمال أن تزهق حياتها مرتين.  يعتبر مشهد العنف في فلسطين كأحد المشاهد التي لا تنتهي بسبب خصوصية الوضع الفلسطيني بوقوعه تحت الاحتلال منذ أكثر من ستين عاما. ويمارس الاحتلال جميع أشكال العنف بشكل مباشر او غير مباشر على المرأة بهدف احكام قبضته على الشعب وأرضه. وقد تسبب الاحتلال في قتل آلاف النساء واعتقالهن واعاقتهن بشكل فردي وجماعي في داخل الوطن وفي خارجه في المراحل المختلفة، حيث يمارس الاحتلال قمعه وتنكيله ضد الشعب الفلسطيني في جميع مناطق تواجده وفقا لاحتياجات ومتطلبات خططه الاحتلالية والامنية، وينقل جيشه وحروبه حسب المخاطر المحيطة بمشروعه الاحتلالي الاحلالي، لذلك فالخطر والعنف الرئيسي الذي يحيط بالمرأة ودورها وحريتها يتمثل بعنف الاحتلال، والذي يجند البعد الاجتماعي التقليدي ويستفيد منه من اجل قمع المرأة وابقائها تحت السيطرة. حيث لا يمكن عزل الاجراءات الأمنية التي يبتدعها الاحتلال والمتمثلة بعسكرة الطرق والحواجز لاعاقة التنقل للعمل والتعليم عن استهداف الاحتلال تجهيل المجتمع بشكل عام، وتجهيل نصفه من الفتيات الشابات بشكل خاص بهدف هلاك المجتمع على الصعيد الفكري والسياسي والاقتصادي. فالمجتمع الجاهل يسهل قمعه والسيطرة عليه ويعاق تنميته واستقلاله.  وفي الوجه الآخر لعملة العنف، لا يمكن اعتبار الاحتلال هو المنتج الرئيس للعنف وإغفال الجوانب الاخرى ومصادر العنف الاخرى التي تعمل ضد المرأة. فالواقع الاجتماعي الذي تحركه منظومة من السلطات العشائرية والعقائدية الى جانب سلة من الموروثات والعادات والتقاليد، تؤثر على المرأة بشكل معقد وعنيف. ما الجديد في زوايا العنف بعد عشرات السنين من تعاقب تفريغ محتوى الساعة الرملية.. ما هي نقطة الضعف المسببة في اعادة انتاج دورة العنف الذي تبدو مؤشراته في تصاعد .. ما الحلقة المفقودة في مسلسل العنف.. بديهي بأن المعالجات التي تقوم بها مؤسسات المجتمع المدني على الصعيد الرسمي وغير الرسمي تساهم في حصار الظاهرة لكنها غير قادرة على معالجتها، وذلك بسبب استمرار تمسك الضحايا والمجتمع بأهداب الصمت عن الظاهرة وعلى رأسها العنف المختبئ في المنازل، والذي تشير الاحصاءات على حظوته بنصيب الأسد من حصص العنف ..  يكتسب الصمت في الوعي العربي معنى جماليا وفضيلة، فالسكوت في الحكمة العربية مصنوع من ذهب، بينما صنعت الكلام من فضة. والصمت أجمل في حالة صمت المرأة، حيث يكسبها الكمال والسحر والغموض والاحترام، ويرتبط كلام المرأة في الثقافة التقليدية بالثرثرة، والمرأة المفضلة هي التي لها فم ليأكل لا ليتكلم... لذلك فان احد أهم المعالجات للعنف وخاصة المنزلي الأكثر اتساعا، يتمثل أولا بالاعتراف المجتمعي بوجوده على الرغم من حساسيته نظرا للأدوار المتنوعة التي تؤديها الأسرة وبما يجعل جدار الصمت يطبق طويلا حولها. وفي الوقت ذاته، فان استمرار انكار وجود العنف الأسري يعيق عملية اتخاذ التدابير لمنعه واتقائه؛ ويجعل أفرادها يتعرضون للانتهاكات دون شكوى او اعتراض، ولا يمكن من التعامل مع أطرافه وعلى وجه الخصوص الضحايا والجناة بآليات التوعية والتأهيل والاصلاح وتبيان مخاطر العنف الأسري على تماسك الأسرة واستقرارها.  ان اختيار عنوان حملة "16 يوم لمناهضة العنف ضد المرأة" يتناسب مع واقع وبرنامج المرأة الفلسطينية. فالربط بين هياكل العنف الاحتلالي والاجتماعي يجد أجوبته الفلسطينية من خلال تحليل أثر بيئة القمع السياسي والوطني على بناء الشخصية الفلسطينية، دون الوقوع في فلسفة التبرير وكأنه العامل الوحيد في بناء عوامل العنف، أو تصويره كأحد أشكال ردود الفعل على عنف الاحتلال. ان الربط بين العنف الاجتماعي والاحتلالي يمكن المرأة الفلسطينية ومؤسساتها المختلفة من عرض المشهد بأبعاده الحقيقية، كمجتمع يعيش في دوائر مغلقة من العنف، وبأن القضاء عليه يشترط ان يسبقه اخراج الاحتلال من الأرض كأحد العوامل الأساسية في تغذية وتبرير أشكال أخرى من العنف الداخلي ومنها العنف الاجتماعي.. ريما كتانة نزال  فلسطين يعيد مشهد الانتصار الذي تحقق على يد الحركات الاجتماعية المصرية والتونسية إلى واجهة النقاش أهمية وجود وبروز دور الحركات الاجتماعية الفلسطينية، والنسائية على وجه الخصوص، من أجل تحقيق التغيير الاجتماعي. لقد لعبت الحركات الاجتماعية في كلا البلدين دورها الذي انتزعته نتيجة لأزمة وضعف ومحدودية جماهيرية القوى الحزبية في مصر وتونس من أجل تغيير الأوضاع القائمة. هنا في فلسطين، وعلى الرغم من الدور الايجابي الذي قدمته المرأة الفلسطينية لعشرات السنين إلا أنها لم تستطيع تحقيق التغيير الاجتماعي المنشود؛ ولم يعقب دورها ولم يرافقه اعترافا فعليا بحضورها ووزنها الكمي وبما يمكنها أن تمثل مصالح النساء كمدافعة عن حقوقهن وذلك لأسباب عديدة..  وتقف عدم استقلالية الأطر الجماهيرية للمرأة واتحاداتها، عن الأحزاب والفصائل وتغليبها لمصالح الحزب السياسي فوق مصالح قطاعها واحتياجاته، حائلا أمام تحولها الى حركة اجتماعية واسعة ومنتشرة. وساهمت الشرذمة وضمور القاعدة المنظمة عائقا أمام تحول الحركة النسائية الفلسطينية إلى أداة للتغيير الاجتماعي، والى تكريس ذاتها كتيار نسوي عريض يتبنى ويعالج ويعبر عن هموم وقضايا النساء المتعددة، القانونية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية، وكإطار يدافع عن مصالحها ومطالبها بشكل موحد؛ وناطقا باسمها ومنظما لمختلف تحركاتها.  لقد تم تبرير مكتسبات المرأة الفلسطينية المتحققة في الخطابين، الوطني والنسائي، بدورها الوطني والنضالي وتضحياتها؛ وتفوق وعلا صوت الخطاب التبريري الذي ينطلق من نضال المرأة الوطني على صوت الخطاب الحقوقي، لذلك يلاحظ بأن المكتسبات المتحققة لم تأت نتيجة إلى جهد قاعدي منظم خلف المطالب، بل تحققت المكتسبات بشكل عام نتيجة لبعض الضغوط النسائية الفوقية المنظمة من قبل المؤسسات النسائية المؤتلفة؛ الأمر الذي دفع أصحاب القرار إلى إصدار المراسيم أو القرارات التي في مضمونها تحوز على التوافق الاجتماعي دون غيرها بشكل عام، وبما يعكس قناعته وتطبيقه لمفهوم المشاركة الرمزية للنساء.. أو جاءت تلك المكاسب في إطار تعديلات قانونية برؤيا إصلاحية، الأمر الذي وضع المطالب الاجتماعية والقانونية لقطاع المرأة في إطار المساومة.  لقد قاد ضعف منظمات المرأة وضمورها إلى البحث عن صيغ توافقية، وهي الصيغ التي لا تؤدي الى خفض سقوف المطالب فقط، بل موهت وبهتت الهوية الديمقراطية والحقوقية للمرأة التي تستند الى مبدأ المساواة. ومن هنا تأتي أهمية الجدل وإعادة التفكير مجددا بضرورة قيام الحركة الاجتماعية للمرأة، وباتت الحاجة الموضوعية لتبلورها مرئية. فالضعف يعتري القوى الحزبية وأصبح دورها شكليا على صعيد القضايا الاجتماعية، إلا ما يمكن أن يدرج تحت عنوان الترويج الموسمي والشعارات الدعائية.  وتبرز أهمية وجود حركة اجتماعية للنساء بسبب أزمة العلاقة بين الفصائل وأطرها النسائية من جانب.. والقاعدة النسائية من جانب آخر، حيث بدأت الهوية الفكرية والاجتماعية تتماها وتبهت بسبب تفوق الاعتبارات والمصالح السياسية على الاعتبارات المبدئية بالإضافة الى اهتزاز صفتها التمثيلية. ان الفراغ الذي سببه غياب الأطر النسوية عن الحضور الفاعل والحيوي وبما يلبي قيادة الجمهور النسائي لتحقيق مطالبه ومصالحه، قد جعل موضوعيا الساحة فارغة لنشاط الحركات الاجتماعية لتمثل مصالح قطاعاتها والى تقديم الآليات البديلة للوصول للأهداف، وللقيام بقيادة قطاعها لتصبح قوة ضغط على النظام السياسي والاجتماعي، من أجل الدفاع عن الحقوق العامة للمجتمع وعن الحقوق الخاصة بالقطاع النسائي. وذلك دون تغييب إظهار دورها ووزنها السياسي الذي يمكنها من نسج التحالفات والتقاطعات أو التفاوض مع القوى السياسية أو مع القطاعات الأخرى كالنقابات العمالية والمهنية من موقع الكتلة البشرية الموحدة والمستقلة والمنظمة.  المهمة التي نحن بصددها ليست سهلة؛ بل تتطلب العمل على تشكيل قناعة ورأي عام لدى أطراف الحركة النسائية مؤيد لجدوى بناء الحركة الاجتماعية للنساء الفلسطينيات. ويتطلب قيام حركة اجتماعية للمرأة تغليب المصلحة النسائية العامة ودور وحضور قطاع المرأة على غيره من المصالح الصغيرة، واستبدال العلاقة التنافسية الضارة بين مؤسسات المرأة التي تساهم في تحجيمها وفي ترسيخ تصورات وأحكام قاسية غير موضوعية عليها بالعلاقات التكاملية.  كما لا بد قبل ذلك من مراجعة الأداء، والتعرض للاحتياجات المتزايدة والأولويات المتغيرة للمرأة الفلسطينية باستمرار التأثيرات السلبية للاحتلال الإسرائيلي عليها أولا، وتنامي الهموم المعيشية وتنوع وتعدد أدوار المرأة ثانيا. وباتت مسألة ابتداع البنى التنظيمية المتميزة بالمرونة والديمقراطية تكتسب الأهمية القصوى، من أجل تمكينها من الاستجابة لطبيعة تعدد الأدوار التي تؤديها النساء بفعالية وحيوية، وبما يحقق تطوير آليات حداثية للاتصال السريع ونشر المعلومة، ويؤمن نقل مركز ثقل المهمات الى القاعدة. ان تطوير المبنى التنظيمي يستدعي تنسيقا واسعا وفعالا بين جميع الأطراف المؤثرة في القطاع النسوي بهدف تقوية المبنى المركزي وتعزيز مشاركته في الحياة العامة، وبما يعيد الاعتبار لدور المرأة الجماهيري ويمكنها من انتزاع الحقوق بقوتها كحركة اجتماعية للنساء، والقطع مع أسلوب نيل المكاسب عن طريق المنح والعطايا التوفيقية.  وأخيرا وليس آخرا، فان الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية يمكنه ضمن مكوناته الأوسع انتشارا أن يتحول ليصبح عامود الحركة الاجتماعية للنساء باعتباره الإطار التنظيمي الأوسع والأشمل، ولكونه المؤهل أكثر من غيره لتطوير استراتيجيات وتغيير أنماط وإدارة برامج ومشاريع تستجيب لاحتياجات وأولويات المرأة الفلسطينية. ولكن هذا التحول ليس أوتوماتيكيا أو تلقائيا بمجرد اتخاذ القرار، ولا يتحقق إلا بضمان استقلالية قراره السياسي والاجتماعي عن الفصائل السياسية واعتباراتها وحساباتها، وبأن يعتمد على سواعد منتسباته ودوره الجماهيري في تحقيق المطالب. و يمكن للاتحاد أن يتحول الى حركة اجتماعية للنساء بشرط تعزيز وتفعيل العلاقات الديمقراطية الداخلية لهيكله وبناه، وبإصلاح إطار علاقاته مع جميع البنى النسائية المتخصصة وكذلك مع الجمهور النسائي العريض وصولا إلى العمل معا للنضال لطرح هموم المرأة وتحقيق مصالحها دون تردد أو مساومة.

ريما كتانة نزال فلسطين

لجأت المخرجة الفلسطينية ” ليلى عباس” في فيلمها المسمى ” خمس فناجين وفنجان” الى إجلاس المثلث على رأسه، بهدف إيصال وجهة نظرها وحكمها بنخبوية وعزلة الحركة النسائية الفلسطينية. وقدمت “عباس” وجهة نظرها النقدية من خلال نصف دزينة من الفناجين المملوءة بالزوابع المثيرة للجدل. إنه بيت القصيد، إثارة الجدل سواء تم على خلفية استحسان العمل أو استهجانه، والأعمال الفنية التي لا تثير الجدل والتفاكر تكون عاجزة عن الوصول لغاياتها وتغدو كأنها لم تكن.

تدور فكرة الفيلم القصير حول جلسة نسائية في مؤسسة نسائية لنقاش التعديلات القانونية المراد إدخالها على قانون الأحوال الشخصية، في الوقت الذي تقوم فيه المرأة السادسة على خدمتهن. التعديلات قيد النقاش لا بد من الانتهاء فورا مع المداخلات الشفهية المساندة للتعديلات.. بهدف وضعها أمام الرئيس “محمود عباس” وبما يمكنهن من إقناعه في اللقاء المفترض التالي للجلسة. التحضيرات تأتي على نقاش الأولويات النسوية والمقارنات ما بين واقع المرأة الفلسطينية والمرأة العربية او الأجنبية والتعقيدات المتوقعة أمام القانون إلى جانب بعض الثرثرات النسائية الجانبية.

تغرق النسويات بالنقاش، وما بين نقاش محتوى القانون الذي يرغبن به، تمر بعض الجمل والعبارات التي تطبع الجلسات النسائية عادة، ثرثرة ما حول أحداث مسلسل تركي يتم عرضه على التلفزيون، وبعض النميمة عن خيانة أحدهم لزوجته المعروفة من المتحاورات…. وفي الحوار الدائر، يُظهر منطق المرأة ذات الحجاب بعض التباينات المحددة مع الوجهة العامة لباقي المتحاورات، بينما الخادمة، القائمة على مد الحوار بفناجين القهوة، والتي من المفترض ان تكون معنية بالقانون أكثر من غيرها، لا تشارك بالنقاش وربما غير مكترثة به وتبدو متعبة ومقموعة.

التباينات الاساسية هي التي تظهر من بين السطور بين المتحاورات مع الخادمة، المشتركة معهن في الانتماء لفصيلة النساء، والحاضرة جسديا في ذات المكان، والغائبة عنه عمليا بالرأي والطموح والواقع. الطاولة المحدودة تنوب عن الخادمة المقهورة وما تمثله من أكثرية مغلوبة على أمرها. وكأن العمل الفني يريد أن يقول بأن الوضع مختلف على الصعيد النسائي عنه في باقي القوانين والقطاعات الاجتماعية، وحسب المثل الشعبي “حونتها حمرة”، وهنا يتم الابتعاد عن الموضوعية والسياق العام ويبرز السؤال التالي: ألا يستقيم النقاش للقوانين، قانون العمل او الاستثمار او الضريبة او الشباب او قانون الاحوال الشخصية، بحضور ممثليه، أو بالأحرى بحضور مصالحهم ومطالبهم وطموحاتهم وآمالهم بحماية القانون لحقوقهم وبرفع الظلم والتمييز عنهم..

والسؤال الآخر الذي يطرح نفسه بقوة في هذا المجال حول التباينات التي يفتعلها العمل الفني لدى غرزها على أساس الشكل والمظهر: هل مصلحة المرأة المحجبة تختلف عن مصلحة المرأة غير المحجبة بقانون يرفع الميْز والظلم عنها.. وأليست كرامة وإنسانية النساء واحدة.. وألسن موحدات في دفاعهن عن أنفسهن في وجه الإقصاء والحصار والإبعاد عن مراكز القرار والمشاركة.. وألا يجمع النساء، بحجاب ودونه، الغنية والفقيرة، المتعلمة والجاهلة، العاملة والمزارعة والموظفة وربة البيت والطالبة، ألا تجمعهن المعاناة من عدم المساواة ومن التمييز المبني على الجنس.. وهل أصبح غطاء الرأس هو المعيار الذي يفرق او يوحد النساء وقضاياهن ومصالحهن..ألا يتعرضن جميعا للطلاق التعسفي وللحرمان من الحضانة والنفقة والميراث.. وكذلك من آثار ونتائج تعدد الزوجات بغض النظر عن طبقة المرأة الاجتماعية وعن مناديلهن وجلابيبهن وكعوبهن العالية.. مع استيعاب وجود فرز آخر على الصعيد الاجتماعي والمكانة الطبقية المختلفة تفرق النساء عن بعضهن مع أمثالهم من فئات المجتمع الأخرى واضعة مستوى جديد من التحالفات الاجتماعية والأطر.

لست ضد وضع العيوب التي تشكو منها الحركة النسائية أو غيرها تحت المجهر الفني وغيره من العيون، لكن لا بد وأن يتم تناوله على قدم المساواة مع أداء الحركات الاجتماعية الفلسطينية الأخرى، وذلك على الرغم من ان الانعكاسات السلبية للواقع العام تنعكس على المرأة بشكل أكثر وضوحا وفجاجة، لكن الكثير من التركيز على المرأة، يأتي أحيانا بنتائج معاكسة للغاية المستهدفة والمتركزة على علاج العيوب والفجوات. لكني أقف بقوة ضد افتعال التقسيمات والتصنيفات التي تبعد وتنزع النقاش عن سياقه الموضوعي المفيد، وتطلق الاحكام الجائرة بتسرع وبشكل اطلاقي لا يفيد أحد، ويقلل من شأن المرأة وأدوارها المتعددة التي تضطلع واضطلعت بها في الماضي والحاضر.