اخبار فلسطين

كيف ستتعامل المقاومة مع العدوان الغادر على قطاع غزة؟

 

غدرًا، نفَّذ الاحتلال ضربته الإجرامية التي استَهدَف فيها بيوت الآمنين، بهدف تصفية قيادة المجلس العسكري لـ”سرايا القدس”، ليرتقيَ القادة الشهداء جهاد غنَّام وخليل البهتيني وطارق عز الدين، مع عائلاتهم من زوجاتهم وأطفالهم وجيرانهم الآمنين، في مجزرة تُذكِّر الجميع بأن هذا الكيان الغاصب لا يرتوي قادته إلا بدماء شعبنا وآهات وعذابات ذوي الشهداء والجرحى من أبنائه.

لم يكن الاستهداف مفاجئًا؛ كانت الإشارات كثيرةً وكان سيناريو الضربة الغادرة حاضرًا عند كل المتابِعين، لكن الاحتلال راهَنَ على عامِل الوقتِ والتشتيت، ونجح في حصد ضربته الأولى التي كان الغدر سمتها عبر مجموعة من إشارات الطمأنة التي وصلت إلى قيادة المقاوَمة في قطاع غزة.

شهداء “وحدة الساحات”

للتاريخ، فإن القادة الشهداء الثلاثة مِن خيرة مقاوِمي شعبنا، ويشكِّلون مزيجًا فريدًا مميزًا، بدءًا من القائد المؤسس جهاد غنَّام، الذي كانت بصمته منذ التأسيس في بناء “سرايا القدس” ومنظومة المقاومة في قطاع غزة، مرورًا بالقائد خليل البهتيني، صاحب الكاريزما الفريدة والعقل المبدِع الذي ترك بصمته في منظومات الإعلام المقاوِم وفي قواعد الاشتباك والإقدام منقطِع النظير، وليس انتهاءً بالقائد طارق عز الدين، الأسير المحرَّر المُبعَد إلى قطاع غزة، ابن جنين القسام، رفيق خضر عدنان، الناهض من الموت مرَّات ومرَّات، قاهر السجان، قاهر السرطان، وقاهر الاحتلال.

للمرَّة الثانية وبغير إدراك، يوحِّد الاحتلالُ الساحاتِ في أثناء سعيِه إلى تقسيمها وتفتيتها، في المرَّة الأُولى عند الرد في قطاع غزة بعد جولة الإطلاق الصاروخي التي كانت من لبنان وهاجَم الاحتلال قطاع غزة رابِطًا الساحاتِ ومحمِّلًا قيادةَ المقاوَمةِ المسؤولية، والآن عندما اختلطت دماء قادة “سرايا القدس” في قطاع غزة بدماء قائد “سرايا القدس” في الضفة الغربية في الضربة ذاتها والاغتيال ذاته، يرتقي قادة المقاومة معًا، في مصير واحد، بعد أن اتَّخذوا القرار معًا بأن استشهاد خضر عدنان لن يمرَّ مرور الكرام، وكانت رشقات الصواريخ، التي راوحت مِائة صاروخ، تُمطر الغلاف مؤكِّدةً “وحدة الساحات”.

وهمُ نجاحِ الضربةِ الأولى والتقديرُ الخاطئ

نجح الاحتلال في ضربته الأُولى، وقد استعدَّ جيدًا قبل تنفيذها، ونفَّذ عددًا من المناورات التي كانت غطاءً لاستنفار جنوده وقواه على الحدود الجنوبية والشمالية للكيان، وقد أنجَزَ خططه لإجلاء مستوطِني غلاف غزة، ووَضَعَ السيناريوهات والرهانات المستنِدة إلى فكرة تقسيم الجبهات والاستفراد بجبهة واحدة، وليس ذلك فحسب، بل وحتى الاستناد إلى فرضية تفتيت قوى الجبهة الواحدة، بحيث يستطيع الاستفراد بالجهاد الإسلامي، بمعزل عن بقية قوى المقاومة ومكونات الغرفة المشتركة.

لم يحسب الاحتلال جيدًا، ولم يقرأ الضربةَ التي كانت ردًّا على اغتيال القائد الشهيد الأسير المضرب خضر عدنان، إذ عاد فيها اسمُ الغرفة المشتركة حاضرًا بقوة، ما يَحسم بما لا يدع مجالًا للشك أن المقاومة متوحدة، متفاهمة، متكاملة في التنسيق والفعل والرد، وأن الغرفة المشتركة ستبقى الحائط المتين الذي يستند إليه شعبنا والدرع الحامي للحقوق الفلسطينية.

رعب الانتظار

كان واضحًا، منذ الساعات الأُولى لعملية الاغتيال الجبانة لقادة المقاومة في قطاع غزة، أن للمقاومة معادلة مختلفة عمَّا توقَّعَه الاحتلال، فلم تبادر لا “سرايا القدس” ولا الأجنحة العسكرية الأخرى بالقصف الصاروخي، وكان بيان الناطق بِاسمها، وعلى غراره بيان الغرفة المشتركة، واضحًا في نقطة واحدة، أن المقاوَمة سترد لا محالة، وفي الوقت ذاته ضبابيًّا حول شكل وتوقيت هذا الرد، تاركةً الاحتلال مستنفرًا يكتوي بلهيب الانتظار.

على الرغم من حجم الضربة، فقد تعاملت قيادةُ المقاومةِ مع الحدث بمسؤولية كبيرة، وبتنسيق على أكبر المستويات، فالمطلوب تلقين العدو درسًا بحجم الجريمة، وأن يُحوَّل التحدي إلى فرصة، وأن تُقلَب المعادلة فوق رأس “نتنياهو” وحكومته الفاشية القاتلة، وألَّا يُمنَح الائتلاف الحاكم صورة النصر التي يبحث عنها لترميم صورتِه وصورةِ الردع.

البحث عن نصر في الدماء الفلسطينية

عمد “نتنياهو” إلى تنفيذ ضربته وسط تقديرات أجهزة أمنِه بأنَّها ستكون ضربةً يحقِّق فيها ربحًا صافيًا ويَحصد أهدافًا مجانية، إلا أن المقاومة كانت حاضرة، تَقرأ وتَدرس وتَرصد وتُحلِّل سلوكَ الاحتلال، لتضعه اليوم أمام خيارات لن تكون سلسة، فإلى أي حد يستطيع كيانٌ يعاني من أزمات داخلية واقتصاد متراجِع، وحكومة غير متجانسة تغلبها المزاودة الداخلية وبحث كل مكون منها عن مصالحه، أن يتحمل رد المقاومة على اختلاف السيناريوهات المحتملة؟

احتاج “نتنياهو” إلى أن يَذهب إلى احتفالات ما يُسمى بذكرى “الاستقلال الإسرائيلي” التي تتزامن مع ذكرى نكبة شعبنا الفلسطيني، بصورة المنتصر الذي قضى على المقاوَمة، ليتوِّجَ هذا المشهد بمسِيرة الأعلام في نهاية شهر أيار/مايو الحالي، وهي المسِيرة التي كانت شرارة اندلاع معركة “سيف القدس” التي أطاحت بـ”نتيناهو” وحكومته السابقة.

الرد قادم لا محالة.. والغرفة المشتركة العنوان

اليوم، بات واضحًا أن المقاوَمة لن تَمنح “نتنياهو” صورةَ النصرِ الذي يريد، ولن تَسمح بأن تكون دماء شهدائها السلَّمَ الذي سيَصعد به رئيس وزراء الاحتلال استطلاعاتِ الرأيِ ويعود يتصدَّرها، بعد أن وصلت أسهمه إلى الحضيض.

حتمًا سترد المقاومة على جريمة الاحتلال، والعودة إلى الاغتيالات استراتيجيةٌ دفعت المقاوَمة ثمنًا باهظًا من التضحيات لوضع حدٍّ لها ولردع الاحتلال عن تنفيذها، واليوم وهو يستمرئ العودة إليها وينفِّذ جولة اغتيالات بحقِّ قادة من الصف الأول، ما يعني أن المقاوَمة ستدخل معركةً بأهداف واضحة، لن يحصل “نتنياهو” على صورة نصرِه، ولن تَقبل المقاوَمة بأن يكون خيار الاغتيالات على الطاولة مرة أخرى.

ستوجِّه المقاوَمة ضرباتِها مجتمعة، وستكون الغرفة المشتركة عنوانًا للرد الواضح والصارخ والحاسم على جريمة الاحتلال، ولن تكون لا ذكرى “استقلال” كيانهم ولا مسِيرة أعلامهم بمعزل عن أفعال المقاوَمة وصواريخها ونيرانها المنطلقة، ليتحوَّل نصر “نتنياهو”، الذي سعى إلى قطفِه، إلى هزيمة واضحة ومدوية، وستُثبِت المقاوَمة أن الساحات مترابطة متصلة وأن أوهام تقسيمها والاستفراد بساحة أو فصيل ضروب من الخيال