اخبار المغرب

مسارات مغاربة في مونتريال .. وديع محمدي يكسر النمطية بمكتب للمحاماة

انتقل وديع محمدي للاستقرار في كندا على حين غرة، وقد أقبل على الانخراط في تجارب مهنية عديدة قبل حسم الاختيار بالإقبال على ممارسة المحاماة، ليصير واحدا من الوجوه المغربية التي يمكن أن يعتد بها كنموذج للتطور والاجتهاد في هذه البلاد الأمريكية الشمالية.

يشتغل وديع في مكتب خاص به، ولا يكسر النمطية عبر القيام بأعمال غير تلك الموكول أداؤها لأي محام في مونتريال، أو كبيك أو عموم كندا، بل يقوم بذلك من خلال مواكبة منتمين إلى الجالية المغربية، ومعهم مغاربيون وأيضا آخرون في صف الجاليات الإسلامية، في ضمان حقوقهم عند القيام بالصفقات المختلفة، بعيدا عن الملفات الجنائية أو القضايا ذات الطبيعة الأسرية.

وديع والحي المحمدي

ينحدر وديع محمدي من مدينة الدار البيضاء، إذ رأى النور في الحي المحمدي الذي يلازم وديع في كنية عائلته، وقد أمضى طفولته وسنوات شبابه الأولى في الحيز الحامل تسمية ‘’ديور الشعبي’‘، خاصة المنطقة الشهيرة بـ’’دار السلامة’’ منه، بينما حصل على شهادة الباكالوريا من ثانوية جابر ابن حيان في مقاطعة المعاريف.

يقول وديع: ‘‘ذكريات رائعة ترتبط بأيام العيش في الدار البيضاء، سواء عند التواجد وسط الدرب أو عند الدخول إلى الفصول الدراسية، وما تزال تفاصيلها حاضرة في ذهني إلى غاية الآن، كما أن الانتماء إلى بلد شامخ من وزن المغرب يعد مصدر فخر، لذلك أحرص على العودة إلى أرض الأجداد كلما أتيحت لي الفرصة’’.

لم يلجأ محمدي إلى البحث عن سبيل للانخراط في تجربة الهجرة بعد نيل شهادة الباكالوريا، إنما أراد أن يحصل على تعليم عال بجامعة الحسن الثاني، وقد انقسم مساره بين مقرين؛ أولهما في ‘’طريق الجديدة’’ والثاني بمدينة المحمدية، وبعدها وصل إلى مرحلة الحسم وقرر الانطلاق نحو الديار الكندية.

حكاية استمارة

يحكي وديع محمدي أن الهجرة لم تكن مخططة بقدر ما جاءت صدفة، لكنه يربطها بحضور ‘’سوء تفاهم’‘ مع أحد أساتذة التعليم العالي حين كان طالبا جامعيا، وقد نتج عن ذلك القيام بملء استمارة لطلب الإقامة الدائمة في كندا، وتكلل الأمر بالحصول على جواب إيجابي من طرف السلطات المختصة.

يسرد وديع: ‘‘كنت غاضبا من معاملة لم أستسغها، وإن كنت أعتبرها حتى الآن عادية، لكنها أفضت إلى الترحيب بي في كندا، هذه هي القصة باختصار؛ لقد قمت بملء الطلب في سنة 2007، وحصلت على الرد عند حلول سنة 2010، لتكون الفترة الفاصلة بين الفكرة وتفعيلها تناهز 3 سنوات بالتمام والكمال’‘.

كما يعترف محمدي بأن هذه الهجرة الفجائية كانت ببداية غير سهلة، خاصة أن الرغبة في الاستقرار تتصل دوما بالحصول على عمل يعود بمداخيل مالية جيدة، لذلك عكف على مسايرة الإيقاع بالانتقال من اشتغال إلى آخر لتغطية المصاريف اليومية، حتى أتت الفرصة الملائمة لتغيير الوجهة باستئناف الدراسة.

منفذ إلى المحاماة

في لحظة حماسة، أعلن وديع محمدي رفض الانبطاح أمام متطلبات العيش اليومية، وقرر الرجوع إلى التعليم العالي في العلوم القانونية بجامعة مونتريال، مستفيدا من وضعية مقيم دائم في كندا لتخفيض الرسوم المالية المفروضة على الوافدين الأجانب، لكن هذه الفورة لم تدم طويلا بعد إحراز تقدم طفيف.

يستحضر محمدي ما وقع وقتها بقوله: ‘’برد الحماس عند الحصول على دبلوم السلك الأول، لذلك كرست جهدي في فرص عمل متعددة، بعضها ارتبط بالقانون في وزارة العدل لكبيك، مرورا بالبنك الوطني ولجنة التأديب بغرف الضمان الاجتماعي، على سبيل المثال، ولما جمعت بعض المال توجهت لاستكمال المسار’’.

نجح وديع محمدي في اختبار مدرسة المحامين بمونتريال، ويعتبر نفسه من بين المحظوظين الذين يحصدون هذه النتيجة الإيجابية من الوهلة الأولى. وفي المرحلة الموالية، قبل الظفر بالأهلية كاملة لممارسة مهنة المحاماة، قام بتدريب دام 6 شهور في مكتب الأستاذ جون فليب أوشلو، ثم توجه لافتتاح مكتب خاص به.

العمل بمكتب خاص

يتواجد مكتب وديع محمدي للمحاماة في شارع ‘’ديكاري’’ بمدينة مونتريال الكندية، ويحرص على التعاطي مع القضايا المرتبطة، خصوصا، بكل من القانون المدني والقانون التجاري، مستقطبا الراغبين في الاستشارات القانونية والمعاملات المسطرية في ميادين الاستثمار والعقار، زيادة على التعاقدات الفنية.

يذكر وديع أن التعامل مع أفراد الجالية المغربية، وذوي الأصول المغاربية عموما، يبقى بعيدا عن الصور النمطية التي تربطه بالقضايا الجنائية والنزاعات الأسرية، إذ يتصل بمعاملات كثيرة في العقارات والصفقات التجارية، ليؤكد أن هذه الشريحة صارت حريصة على حضور المحامين في كل الأنشطة ذات الصبغة المالية كيفما كان نوعها.

‘’الاشتغال يتم بكيفية جيدة من البداية، واليقين أنني أخذت قرارا جيدا بافتتاح مكتب خاص بي، كما أن انتمائي لصف الجالية المغربية في مونتريال وكبيك يجعلني أخدم هذه الفئة من الناس وأنا متفهم لوضعياتهم، إضافة إلى باقي الجاليات المغاربية والمسلمة’‘، يقول محمدي.

رهانات وطموحات

يرى المولود وسط الحي المحمدي بمدينة الدار البيضاء أن الطموحات تلازم أي مكان تحضر فيها متعة، وأن استمتاعه بالاشتغال في مهنة المحاماة يبقيه راغبا في النجاح دائما ضمن ما يقوم به، لذلك يفعل ما بوسعه لتحسين المستوى ومواكبة المستجدات القانونية والتطورات التكنولوجية في جانب المعاملات.

من جهة أخرى، يرى وديع أن طموحات أخرى تبقى حاضرة وإن كان تحقيقها قد يرتبط بإرادة الغير، ويفسر: ‘’كل محام في كندا يريد أن تتطور مسيرته المهنية حتى يصير قاضيا في وقت لاحق، لكن ذلك يبقى رهينا باختياره من طرف ذوي الاختصاص في هذا البلد لتولي هذه المسؤولية الكبيرة، وليس هناك طريق يفضي مباشرة إلى القضاء’’.

كما يضيف محمدي في الإطار نفسه: ‘’أمارس أيضا تدريس العلوم القانونية في المعهد العالي لمونتريال منذ سنتين، وهو عمل أشعر فيه بمتعة كبيرة، وقد يكون ذلك راجعا إلى أن أبي أستاذ، وأريد أن أبذل المزيد من الجهد في هذا المضمار بعدما لمست أثرا إيجابيا على الطلبة الموجهين نحو الاشتغال في سكرتارية المهن القانونية’’.

عن الناس والمال

يرى وديع محمدي أن الوافدين حديثا على الهجرة في كندا يمكنهم الحصول على انطلاقة جيدة في البيئة الجديدة إذا حظوا برفقة تتيح الحصول على العون المفضي إلى التقدم نحو مستقبل أفضل، إذ ينبغي عدم الإصغاء للأصوات التي تشجع على القيام بخطوات تنشر الكسل بين الناس.

ويعتبر من ينهل من العقد الثاني لاستقراره في كندا أن الإقبال على الدراسة قد يبدو مستنزفا للوقت عند البعض، لكنه يبقى حلا ناجعا من أجل تنمية المهارات واكتساب قدرات لتوسيع الآفاق، وبالتعليم يمكن للمرء أن يكتسب قوة ذهنية تفهمه أن العثرات لا تعني نهاية العالم، وأن النجاحات تأتي عقب تكرار المحاولات.

‘’أهم نصيحة يمكن أن أنصح بها المستقرين الجدد في كندا، من وجهة نظري، تتمثل في تجنب الاستفادة من التسهيلات للحصول على القروض، بما في ذلك نيل بطائق بنكية تعطي تسبيقات مالية كسلف، والسبب أن هذه السهولة في الوصول إلى الأموال لا تساعد على التقدم بسرعة، وحتى إن حضر الجد، فإنه يكون مفيدا فقط لأصحاب المستحقات المالية المنتظر سدادها’’، يختم وديع محمدي.