اخر الاخبار

توقف الحوار بين الحكومة الإسرائيلية والمعارضة حول خطة القضاء

توقف الحوار بين الحكومة الإسرائيلية والمعارضة حول خطة القضاء

بعد يوم حافل بالتقلبات انتهى بضربة للائتلاف الحكومي، الأربعاء، واتهامات متبادلة بالخيانة، وتجميد الحوار القائم في مقر رئيس الدولة، يستحاق هيرتسوغ، بين الحكومة والمعارضة، حول خطة الانقلاب على منظومة الحكم والقضاء، وجد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، نفسه في مركز الهجوم والانتقادات من جميع الأطراف، بمن في ذلك رفاقه في الائتلاف وحتى من داخل حزبه الليكود.

فكان مَن اتهمه بالتآمر لإجهاض الخطة الانقلابية بغرض إرضاء الرئيس الأمريكي، جو بايدن، حتى يدعوه إلى البيت الأبيض، وهناك من اتهمه بفقدان السيطرة قائلين: «إنه في أضعف حالاته منذ دخل إلى السياسة».

زعيم المعارضة يائير لبيد في جلسة التصويت على لجنة اختيار القضاة (إ.ب.أ)

جاء كل ذلك بسبب فشل الائتلاف في انتخاب ممثلين للكنيست (البرلمان) في لجنة تعيين القضاة، الذي كان من الممكن أن يمر مرور الكرام، لكنه تحول إلى قضية مصيرية للحكومة من جهة والمعارضة من جهة ثانية.

* أزمة المحاكم

ففي إسرائيل أزمة حادة في المحاكم، وحسب تقديرات الخبراء يجب مضاعفة عدد القضاة. هناك نحو 800 ألف ملف قضائي يُفتح كل سنة، يصل منها إلى المحاكم نحو 300 ألف، لكن نحو ثلاثة أرباعها تحتاج إلى أكثر من سنة حتى يُبتّ فيها، مما يتسبب في عناء يعيشه غالبية المواطنين. ولذلك هناك حاجة ملحّة لتعيين مئات القضاة الجدد، لكنّ الحكومة، حسب خطتها الانقلابية، تريد تغيير طريقة تعيين القضاة. فاليوم توجد لجنة من 9 أشخاص ثُلثهم قضاة وأربعة منهم سياسيون (وزير القضاء نفسه، ووزير آخر، ونائب من الائتلاف، ونائب آخر من المعارضة)، واثنان من نقابة المحامين.

وتريد الحكومة الآن زيادة عدد أعضاء اللجنة إلى 11 وإلغاء وجود ممثلين للنقابة، وجعل أغلبية الأعضاء من السياسيين في حكومة الائتلاف. وهو واحد من أهم البنود التي وردت في خطة الحكومة وتعدها المعارضة «انقلاباً على منظومة الحكم الديمقراطية، التي تقضي بفصل السلطات وتعدها محاولة لفرض إرادة الحكومة على جهاز القضاء لتخويفه».

جلسة مفاوضات في مكتب هرتسوغ: فريق الائتلاف مقابل فريق المعارضة (مكتب رئيس الدولة)

وبما أن الحكومة والمعارضة تجريان مفاوضات بإشراف رئيس الدولة، للتفاهم حول هذا الموضوع وغيره، اتفق الطرفان على الإبقاء على اللجنة بتركيبتها الحالية حتى نهاية المفاوضات، وانتخاب نائبين من الكنيست بدل النائبين اللذين تنتهي مدتهما في الصيف، شرط أن يكون أحدهما من الائتلاف والآخر من المعارضة.

والغرض هنا هو إبداء تفهم لضائقة الجمهور، والإسراع في عقد جلسة للجنة لانتخاب 11 قاضياً جديداً. وقد وافق نتنياهو على هذه الخطوة وكذلك رئيسا المعارضة، بيني غانتس ويائير لبيد. إلا أن اليمين المتطرف رفض هذا الاتفاق وراح يعمل ضده.

وزير القضاء ياريف لفين، قال إنه من جهته يفضل ألا تجتمع اللجنة ولا يعيَّن قضاة جدد، لأنه يجب تغيير كل منظومة تعيين القضاة. وأرسل لفين إحدى المقربات منه، طالي غوتليب، لترشح نفسها ممثلةً عن الائتلاف. وقد حاول نتنياهو إقناعها بالتراجع لكنها رفضت، فصرخ فيها وهددها علناً، ولم ترتدع، فأمر نواب الائتلاف جميعاً بأن يصوّتوا ضد النائبتين المرشحتين، من الائتلاف ومن المعارضة، وبذلك أُجِّل الموضوع لمدة شهر على الأقل.

النائبة هراري من المعارضة التي انتُخبت لعضوية لجنة تعيين القضاة (أ.ف.ب)

خرق السرية

ولكن تبيّن في التصويت السرّي أن أربعة من نواب الائتلاف لم يلتزموا بأوامر نتنياهو، وصوّتوا لصالح مرشحة حزب «يش عتيد» المعارض، كارين إلهرار، التي حصلت على تأييد 58 عضو كنيست، ومعارضة 56 آخرين.

وأما عضو الكنيست عن الائتلاف غوتليب، فلم تحظَ إلا بـ15 صوتاً، فيما عارض ترشيحها 59 عضو كنيست، فسقطت. وسيكون على الكنيست أن يصوّت مرة أخرى على مندوب الائتلاف في غضون 30 يوماً.

في المعارضة، عدّوا ما جرى واحداً من أمرين: إما أن نتنياهو فقد السيطرة على حزبه وبات مقاداً من غلاة التطرف في معسكره، وإما أنه متآمر قصدَ تضليل الرأي العام وكسب الوقت.

ولذلك أعلن لبيد وغانتس وقف المفاوضات مع الائتلاف في ديوان هيرتسوغ، حتى يتم تشكيل لجنة تعيين القضاة. وأعلن قادة الاحتجاج على الخطة الحكومية، أنهم يساندون خطوة المعارضة وسيدعمونها بقوة في مظاهرات السبت.

وقال لبيد: «اُختيرت مندوبة في لجنة تعيين القضاة لكن لم تُختر اللجنة المعنيّة، ومَن منع تشكيل اللجنة هو نتنياهو، للتظاهر بأنه منفتح على المفاوضات. نتنياهو كان يوماً ما مخادعاً وقوياً والآن هو مخادع وضعيف، وتهديده الديمقراطية لا يزال موجوداً».

وأما في الائتلاف الحكومي، فقد ساد الارتباك وانتشرت الشكوك. البعض وصف النواب الأربعة الذين صوّتوا لصالح هراري بـ«أنهم خونة». لكنّ آخرين شككوا في أن يكون هؤلاء مجرد خونة، وقالوا إن نتنياهو هو الذي دفعهم إلى ذلك، حتى يضمن وجود نائب من المعارضة في لجنة تعيين القضاة، ويبدو أمام الرئيس بايدن أنه يتمسك بالديمقراطية. وقال أحدهم إنه يعتقد أن «نتنياهو نفسه هو واحد من هؤلاء الأربعة».

احتجاجات على خطط الإصلاح القضائي المثيرة للجدل في تل أبيب السبت الماضي (أ.ف.ب)

في الحقيقة إن كل هذه التقديرات تبدو واقعية. فمن غير المستبعد أن يكون نتنياهو قد نفَّذ كل تلك الألاعيب. ومن غير المستبعد أن يكون هو نفسه مجروراً وراء اليمين المتطرف. فهو يتأرجح ما بين موقعه كداهية سياسية وبين وضعه الجديد كزعيم ضعيف لا يسيطر على من حوله.

وفي كل الأحوال، سينتظر الجمهور حتى يحنّ عليه السياسيون في الحكومة ويوقفوا خطة الانقلاب، والسياسيون من المعارضة فيوقفوا الانقلاب على الانقلاب. وأما المحاكم فليس لها إلا أن تنتظر.