فنون

«عنكبوت مقدس».. أحدث معارك طهران والمهرجانات السينمائية

«الثقافة الإيرانية» تصف الفيلم بأنه صورة مظلمة للمجتمع وتتهم «كان» بالانحياز وراء الدوافع السياسية وتطالب بمحاسبة فرنسا
زار أمير إبراهيمى الفائزة بأفضل ممثلة: الفيلم ملىء بكل ما يستحيل إظهاره فى إيران وقلبى مع رجالها ونسائها
المخرج على عباسى: فيلمى ليس مناهضا للحكومة الإيرانية بل يعرض جانبا لا تريد الدولة أن تراه

من جديد تظهر على الساحة معركة فنية مغلفة بإطار سياسى بين حكومة طهران والمهرجانات السينمائية العالمية التى تعرض الافلام الايرانية وتتوجها بجوائزها الكبرى.
أثارت الأزمة هذه المرة الفيلم الإيرانى «عنكبوت مقدس» للمخرج على عباسى بعد فوز بطلته «الفارة من الوطن» زار أمير إبراهيمى، بجائزة أفضل ممثلة بمهرجان كان السينمائى فى دورته الأخيرة، وتؤدى إبراهيمى فى الفيلم المستوحى من أحداث حقيقية، دور رحيمى الصحفية الاستقصائية الشابة من طهران التى تتعقب بنفسها سفاحا يدعى سعيد هانى «مهدى باجستانى»، ارتكب سلسلة جرائم قتل أودت بحياة بائعات هوى فى مدينة مشهد الإيرانية؛ حيث خنق 16 شخصية بين 2000ــ2001، معتقدا أنه بذلك يقوم بتطهير شوارع الخطاة، فيما تحاول الصحفية جعله يدفع ثمن جرائمه.. وفى مسار الاحداث يتضح أن القاتل محارب قديم، يقضى لياليه فى التقاط النساء على دراجته النارية ويخنقهم بوحشية فى منزله كنوع من التطهر الدينى فيما تشتبه الصحفية فى أن الفساد المحلى يعوق اعتقاله السريع.
وزارة الثقافة والإرشاد الإسلامى الإيرانية أكدت فى بيانها أن فيلم «عنكبوت مقدس»، يعرض الصورة المظلمة للمجتمع الإيرانى، ووصفت إدارة مهرجان كان والجائزة على أنها «منحازة» و«ذات دوافع سياسية».
وأكدت أن الفيلم نتاج «ذهن مرتبك» لمخرجه الإيرانى الكندى المقيم فى الدنمارك على عباسىو «ممول من الغطرسة العالمية»، وأضافت «لقد أساء الفيلم إلى معتقدات ملايين المسلمين والشيعة فى العالم».
واستنكرت منظمة الشئون السينمائية والمسموعة الإيرانية سياسة المهرجان وإعلان براءتها منه، وشددت على ضرورة محاسبة فرنسا ومهرجان كان السينمائى على إيذاء مشاعر الملايين.
وصرح وزير الثقافة والارشاد الاسلامى الايرانى محمد مهدى إسماعيلى، أن العناصر المحلية المحتملة التى دعمت الفيلم المثير للجدل «العنكبوت المقدس» ستعاقب.
وقال إسماعيلى إن الطاقم الرئيسى للفيلم يقيمون فى دول أجنبية، وإذا ساعد أى شخص داخل البلاد فى صنع الفيلم، فسيواجه إجراءات عقابية من منظمة الشئون السينمائية والمسموعة الإيرانية.
وأعلن إسماعيلى، أن طهران احتجت رسميا لدى باريس بشأن فيلم «العنکبوت المقدس» وأن طهران ستأخذ تلك المسألة فى الاعتبار بشأن علاقاتها الثقافية مع مثل تلك الحكومات.
وقال إسماعيلى إن «المسئولين فى الجمهورية الإسلامية الإيرانية لن يسمحوا لأحد الإساءة إلى المقدسات الدينية» وأضاف أن «مهرجان «كان» يخضع لسياسة اللوبى الصهيونى والصهاينة الذين يقفون وراء مثل هذه الأعمال ويضفون عليها طابعا سياسيا».
وقال عن الفيلم بأنه «ملىء بالمشاهد المقززة وغير الواقعية» وأنه «يريد تشويه صورة المجتمع الإيرانى».
وأضاف أن مثل تلك «الإعمال المشينة ضد المقدسات والمعتقدات تعتبر بالنسبة للشعب الإيرانى الخط الأحمر الذى يجب ألا يتجاوزه أحد».
وكان إسماعيلى وصف عبر «تويتر»، منح الفيلم جائزة فى مهرجان «كان» بأنه «إجراء مهين ومسيس جرح مشاعر ومعتقدات المجتمع الإيرانى».
وقالت الممثلة زار أمير إبراهيمى، «على الرغم من أننى سعيدة للغاية فى هذه اللحظة، إلا أن جزءا منى حزين على الشعب الإيرانى الذى يصارع العديد من المشكلات يوميا قلبى مع نساء ورجال إيران».
زار هاجرت إلى فرنسا بعد عرض أحد مقاطع الفيديو المثيرة الخاصة بها، رغم أنها كانت لا تزال مؤهلة للعمل فى السينما الإيرانية.
وتحدثت إبراهيمى أثناء تسلمها جائزتها، وقالت «الليلة لدى شعور بأننى مررت برحلة طويلة قبل وصولى إلى هنا على هذه المنصة وهى رحلة تميزت بالإذلال»، وشكرت فرنسا على الترحيب بها. وقالت «هذا الفيلم يتحدث عن النساء وجسدهن، هو فيلم ملىء بالوجوه والشعر والأيدى والصدور والجنس، كل ما يستحيل إظهاره فى إيران». وأضافت «شكرا المخرج على عباسى على جنونك وسخائك وعلى تحديك كل الظروف لإخراج هذا العمل القوى». ولفتت إلى أن «السينما أنقذت حياتى عمليا».
وأصبحت إبراهيمى نجمة فى إيران فى بداية العشرينيات من عمرها بفعل دورها الثانوى فى مسلسل «نرجس»، لكنها اضطرت لمغادرة بلدها ولجأت إلى فرنسا 2008 بعد فضيحة جنسية.
ومن المثير للاهتمام أنه تم الاعتراف بها كفنانة منفية وضحية للحكومة الإيرانية فى السنوات الأخيرة.
وكان الشىء المحزن هى تلك النظرة بأن الفوز بهذه الجائزة بحجة معاداة الدين وإيران، بدلا من كونها مصدرا للفرح والفخر، وأن الفيلم قد فاز بالجائزة بسبب الطبيعة السياسية المظلمة للمهرجان أكثر من قيمه الفنية!
فى قصة الفيلم المبنية على حادثة حقيقية وانتهت فى النهاية باعتقال القاتل فى 17 أبريل 2002 فضل المخرج على عباسى تصوير فيلمه فى الأردن بممثلين إيرانيين وغير إيرانيين، بمشاركة ألمانيا والسويد وفرنسا.
وهو يبدو اكثر من مجرد فيلم جريمة عن قاتل وقد أثار بالتأكيد رد فعل من الحكومة الإيرانية لتصويره امرأة عارية الصدر فى مشهد افتتاحى، بالإضافة إلى مشاهد مثيرة متعددة، وفى إيران، لا يُسمح للأفلام بعرض مثل هذه الصور التى ألمح إليها عباسى فى تصريحاته وقال «هذا يعنى الكثير بالنسبة لنا ولفريقى الرائعين، أيضا يوم رائع للسينما الإيرانية، أخيرا، هناك فيلم واحد على الأقل حيث تمتلك النساء أجسادا بالفعل، حيث لا ينمن مرتديات الحجاب».
يصر المخرج الإيرانى الدنماركى على عباسى على أن فيلمه «عنكبوت مقدس» لم يكن يقصد منه أن يقول الحقيقة المجردة المثيرة للجدل، بل إنه يقول الحقيقة من خلال تفسير خيالى لأحداث حقيقية.
واضاف «لست من أشد المعجبين بالقتلة المتسلسلين أو أفلام السفاحين.. كنت أعيش فى إيران فى ذلك الوقت، أتابع الأخبار مثل أى شخص آخر، أصبحت هذه الأحداث مثيرة للاهتمام بالنسبة لى عندما بدأت شريحة معينة من المجتمع الإيرانى تصف القاتل كبطل غير أنانى يفعل الأشياء الصالحة للمجتمع.
واشار عباسى: «فى الخمسين عاما الماضية، كنا نقدم واقعا موازيا فى السينما الإيرانية لا تخلع النساء ملابسهن أبدا. ينمن مع خمسة أمتار من القماش حول رءوسهن. لم يمارسوا الجنس قط… هذا ليس مصدر إلهام الآن هناك فيلم واحد على الأقل تمتلك فيه النساء أجسادا بالفعل. حيث لا ينمن مع وشاح على رءوسهم».
لم يُسمح لفيلمى بالتصوير فى إيران وذهبت إلى الأردن للإنتاج، فى البداية ذهبت إلى وزارة الثقافة والإرشاد الإسلامى، وشربت معهم فنجان شاى، وأريتهم السيناريو، بعد مرور عام، كانت السلطات لا تزال تماطل وكنت على استعداد لتقديم حل وسط؛ لأن ذلك سيسمح لى بالاقتراب من الواقع.
وأضاف: «بالنسبة لى لا يوجد شىء مثير للجدل فى فيلمى». هناك أدلة كثيرة على ممارسة الدعارة فى إيران، تماما مثل جميع المدن الكبرى فى جميع أنحاء العالم».
يقول عباسى إن رسالته لا تتعلق على وجه التحديد بعمليات القتل أو حتى العنف ضد المرأة. بالأحرى يتعلق الأمر بحالة المجتمع الإيرانى، كيف يظل الكثير من الناس فقراء ويائسين فى بلد ينعم بالثراء، كانت النساء جميعهن يعشن فى فقر.
هذا ليس فيلما مناهضا للحكومة الإيرانية، بل يعرض جانبا من إيران لا تريد الدولة أن تراه.

«تاريخ طويل مع الأزمة»
ملف اعتراض السلطات الإيرانية على تواجد وفوز بعض أفلامها بالمهرجانات الكبرى له تاريخ طويل وملىء بالنماذج، ففى عام 2013 أثار فوز المخرج الإيرانى المعارض جعفر بناهى بجائزة مهرجان برلين السينمائى عن فيلمه «ستائر مغلقة»، اعتراض السلطات الإيرانية، وذلك رغم خضوعه للإقامة الجبرية فى إيران ومنعه من ممارسة عمله، وبالتالى من التوجه إلى برلين لعرض فيلمه. وقال نائب وزير الثقافة الإيرانى الذى يدير أيضا الهيئة الوطنية للسينما جواد شمقدرى: «اعترضنا لدى منظمى مهرجان السينما فى برلين. الجميع يعلم أن إنتاج فيلم وإرساله للخارج يتطلبان إذنا». وتابع: «تصوير أفلام مماثلة أمر غير قانونى. حتى الآن نحن نلتزم الصبر». وتمكن بناهى، الذى حصد العديد من الجوائز فى مهرجانات عالمية، من تصوير الفيلم داخل إيران بالتعاون مع المخرج كامبوزيا بارتوفى. واعتقل بناهى فيما كان يحاول تصوير فيلم وثائقى عن الاضطرابات التى أعقبت إعادة انتخاب الرئيس أحمدى نجاد عام 2009، وعوقب بمنعه من تصوير أفلام لمدة 20 عاما.
رغم فوز فيلمه «رجل نزيه» بجائزة فى مهرجان كان السينمائى سنة 2017، حُكم على المخرج محمد رسولوف بالسجن عاما واحدا بتهمة القيام بدعاية سلبية ضد النظام الإيرانى.
المخرج الإيرانى أبو الفضل جليلى لا يخفى استغرابه لمنع سلطات بلاده عرض أفلامه رغم تحقيقها نجاحا عالميا كبيرا، لكن ذلك لم ينل عزيمته وقال «المسئولين لا يرتاحون لى».
ويوضح جليلى «سألت ذات مرة: لأى سبب تمنعون عرض أفلامى؟ فأجابونى الناس يعتقدون أن ما يظهر فى أفلامك واقعى وما يحصل فيها حقيقى»
وقال على رضا خليلى أحد منظمى مهرجان السينما الإيرانية الذى نظم دورته الأولى فى منطقة شانتيى قرب العاصمة الفرنسية «إذا ما أراد المرء فهم إيران، عليه متابعة أعمالها السينمائية لأنها تمثل روح هذا البلد».