اخبار المغرب

وصايا “ثعلب الدبلوماسية الأمريكية” .. “العصا والجزرة” وصِفات رجل الدولة

تصمد الكتب القوية للزمن، تؤثر في حياة قرائها طويلا. تنير طريقهم وتغني كتاباتهم للتحرك في الحقل الثقافي بسلاسة. تقدم لهم تلك الكتب مجانا الخبرة التي دفع السابقون الكثير من أجل اكتسابها. من هذه الكتب “الدبلوماسية من الحرب الباردة حتى يومنا هذا” للخبير العظيم هنري كيسنجر. (ترجمة مالك فاضل البدري. والكتاب صادر عن الأهلية للنشر والتوزيع وفيه 575 صفحة).

هذا كتاب في السياسة الكبيرة التي أطلت من خلالها أمريكا على العالم بمبادئ وودرو ولسون في 1918 وبدبابات فرانكلين روزفلت في 1941. فقد كان القرن العشرين هو قرن اخبار السعودية أمريكا مع العالم. كتاب ألفه دبلوماسي شهير. كانت الصحف الأوروبية تكتب عنه بأن الرئيس الأمريكي يرافق وزيره كيسنجر وليس العكس، وأنه كان عشيقا لمارلين مونرو. طبعا يملك هنري كيسنجر سمعة سيئة في العالم العربي.

لكن الموضوع هنا ليس هل نحبه أم لا؟ بل السؤال هو: ما دوره في السياسة الدولية في النصف الثاني من القرن العشرين؟ بل ما دوره حتى في بداية القرن الجديد؟ فما زال الرؤساء ووزراء الخارجية يزورونه في نيويورك والكثيرون يشترون استشاراته بثلاثين ألف دولار.

إن ثمن المعرفة غال. مع ذلك يبدأ كيسنجر كتابه بتواضع قائلا: عن دور التاريخ في إضاءة المستقبل “لا تقدم دراسة التاريخ دليلا يدويا لتعاليم يمكن تطبيقها ذاتيا، بل هي تعظ عبر المقارنة وتلقي الضوء على العواقب المحتملة للمواقف المقارَنة. بيد أن لكل جيل أن يحدد لنفسه أي الظروف المُناظِرة لسابقاتها”. تطبيقا لهذه القاعدة، يستلهم كيسنجر توازن القوى الأوروبي في عهد وزيرة خارجية الإمبراطورية النمساوية ميترنيخ بعد مؤتمر فيينا في 1814. ويوظف وزير الخارجية الأمريكي الأسبق ذلك الاستلهام لتحليل تحولات العالم في القرن العشرين.

يوصف هنري كيسنجر بأنه الدبلوماسي الثعلب. وبينما يبدو هذا التوصيف شتيمة من وجهة نظر أخلاقية، فإنه يصير مديحا هائلا من وجهة نظر الدفاع عن مصالح الدولة القومية. وقد كان له دور كبير إبان الحرب الباردة من

خلال ثلاث محطات أساسية بنت مجده السياسي، هي:

ـ التمهيد لاتفاقية كامب ديفد بين مصر وإسرائيل. كان وسيطا بين خصمين ويوهم كل واحد أنه أقرب إليه ويفهمه. وقد نصح السادات بأن من مصلحته وقف الحرب.

ـ حصل كيسنجر على جائزة نوبل للسلام عن إنهاء حرب فيتنام. لكن كيف أنهى الحرب؟ وسعها ليشعر العدو بتهديد وجودي فيأتي للمفاوضات.

ـ هندس زيارة الرئيس نيكسون للصين مما عزل السوفيات عن الحليف الشيوعي الأكبر. فالعدو المشترك يخلق مصالح مشتركة. كانت زيارة نيكسون للصين فرصة لإبعاد بكين عن السوفيات عبر تقديم فوائد تجارية للصين حتى صارت دولة شيوعية باقتصاد رأسمالي. كم قارئا مشبعا بالمثالية يشعر بالتقزز وهو يقرأ هذا؟ من حقه. فقط هذا الشعور لن يغير قواعد السياسة الدولية. تأكيدا على أهمية العمل الدبلوماسي يزعم نيقولا ميكيافيلي أنه “عندما تحل الأمور الخارجية تكون كل الأمور الداخلية قد حلت”.

مع مثل هذا السجل المجيد أو الإجرامي، حسب وجهة نظر القارئ، تبقى سيرة كيسنجر فريدة في ثرائها. وقد سجل الكثير منها في كتبه ومذكراته. في هذا الكتاب، بداية يعرف الدبلوماسية بأنها “فن التسوية”، وفي طريق التسوية يطرح كيسنجر هذا السؤال الحاسم على كل سياسي: كيف تترجم قدراتك إلى تأثير؟

هذا هو الإشكال. وفي محاولة الجواب ينطلق المؤلف من وعي عميق بتوازنات العلاقات الدولية. وهكذا يسجل أب الدبلوماسية الأمريكية خلاصات وجهة نظره فيما يلي:

يعتبر أن العالم يعيش الآن مرحلة اللانظام. ومعنى ذلك أن النظام كان موجودا من قبل. نظام طبع القرنين التاسع عشر والعشرين.

النظام الدولي في عهد ميترنيخ

في الحالة الأولى لتأسيس نظام عالمي قاد ميترنيخ الدول المنتصرة على نابليون إلى معاهدة فيينا بغرض وقف انتصار الثورات على الملكيات الأوروبية. وقد تمكنت القمة من كسر أحلام الشعوب الأوروبية التي أشعلتها الثورة الفرنسية. وتنص معاهدة فيينا على أن يكون ذلك تحت ظل الملكيات الكبيرة الأربع: النمسا وروسيا القيصرية وبروسيا وبريطانيا. حلف يطفئ الثورات. وهنا يفكر كيسنجر في الثوريين. يسأل وجيب: “ما هو الثوري؟ إذا تفادينا الغموض في الإجابة عن هذا السؤال، سينجح قليل من الثوريين فقط. فالثوريون دائما يبدؤون مشوارهم من موقع قوة هامشي، وهم يهيمنون لأن النظام القائم أعجز عن المحافظة على نفسه من الضربات”. مشكلة الثوري أنه لا يمتلك سُلما لمطامحه.

وحين ينهزم يجلس الرابحون لتقاسم الكعكة. وبما أن الحرب هي امتداد للسياسة بوسائل أخرى، فعندما تنتهي الحرب يرجع الرابحون والخاسرون إلى السياسة. يجلسون إلى طاولة المفاوضات لترتيب ما بعد الحرب. وقد حافظت أوروبا على الهدوء بعد معاهدة فيينا حوالي مائة عام.

في 1914 عادت أوروبا إلى الحرب حين اتبع السياسيون العسكريين. فقد خضع رجال الدولة للعسكر، وخشي الساسة القوميون في كل بلد من تحدي مؤسساتهم العسكرية. لذلك اندلعت الحرب. وقد خسرتها فرنسا قبل أن ينقذها حلفاؤها. كيف ولماذا؟ يفسر المؤلف ذلك بتصور القادة والموارد. فعلى الصعيد الأول، يعتبر أن زعماء فرنسا “أدركهم العجز والضعف عن تحديد ما يخشونه أكثر: أهي الأخطار التي يواجهونها أم الوسائل المطلوبة لدرئها؟”. لم يكونوا يعرفون ما يريدون بالضبط. وعلى الصعيد الثاني يقارن كيسنجر بين فرنسا وألمانيا وفق معيار صارم. إنه حجم الفحم الذي يستهلكه كل بلد. كانت ألمانيا تتجاوز فرنسا بكمية كبيرة. ومن هنا فنتيجة الحرب محسومة، لكن تدخل أمريكا غير مسار الحرب ورسم السياسية التي تلتها.

فقد جاء الرئيس الأمريكي وودرو ويلسون بمبادئ جديدة لتشكل قواعد النظام الدولي. وهذه القواعد هي: الأمن الجماعي بديلا عن نظام الأحلاف وتوازن القوى الميترنيخي والديمقراطية وحق تقرير المصير، وهو ما سيجعل المستعمرات ترى في أمريكا منقذا.

لم تسمع نصائح ويلسون واندلعت حرب جديدة دخلتها الولايات المتحدة بقوة بعد هجوم اليابانيين على قاعدة بيرل هاربر في 1941. في هذا السياق الجديد الذي خرجت فيه أمريكا من عزلتها السياسية وراء بحر الظلمات، سيصير للأفكار والمنظمات الدولية والدعاية الإعلامية وزن كبير في العلاقات الدولية. ويجب على الدبلوماسي أن يلم بكل هذا، أن يدرك وزن القيم في العلاقات الدولية التي لا يتواجه فيها قطبا الحرب الباردة مباشرة، بل بوسائل غير المدافع. وفي ظل هذا الوضع نادرون من يتمكنون من الارتقاء من مجرد موظفين إلى دبلوماسيين مؤثرين تشير إليهم الأصابع.

في الحالة الثانية لتشكل النظام الدولي في القرن العشرين انعقد مؤتمر يالطا 1945 وتقاسم المنتصرون العالم. وكان روزفلت ممثلا لأمريكا وستالين ممثلا للاتحاد السوفياتي. وبناء على ذلك تأسس نظام القطبين والحرب الباردة في القرن العشرين. هنا يتحدث كيسنجر عن إعادة تنظيم العالم. وهو يتصور الكون بمثابة أجزاء لا متناهية تعمل بانسجام شديد. وتعبير “إعادة تنظيم” مأخوذ من معاهدة فيينا. في الحالتين حرص ميترنيخ وروزفلت على تحقيق أرباح سياسية من الحرب تضمن استقرارا طويلا يسمح بتحقيق مكاسب اقتصادية. من هنا نبع تعريف كيسنجر لرجل الدولة.

يتساءل المؤلف: “كيف لنا أن نختبر رجل الدولة؟ ينطوي هذا الأمر على حجم إدراكه، ومن خلال سير القرارات التكتيكية، المصالح طويلة الأمد لبلاده مع رسم استراتيجية مناسبة لتحقيقها”. واضح إذن أن معيار الحكم على رجل الدولة هو القدرة على التغيير مع المحافظة على السلام.

للمحافظة على السلام لا بد من الدبلوماسية لإخراج الأمر من يد العسكر. وهنا تجري حرب أخرى عن طريق التفاوض والدعاية. لقد صار الدبلوماسي رجل دعاية يتفاوض. وحسب كيسنجر يعتمد حسن الموقف التفاوضي على تعدد الخيارات التي تسهل المناورة. أما حين تكون خياراتك قليلة، فإنها تصعب عملك وتسهل عمل الخصم.

ـ ليس من السهل تغيير الواقع على طاولة المفاوضات، لكن الاعتدال يقطف ثمرات. مدفوع الثمن لقطف ثمرته. لذلك يقترح المؤلف تهدئة الخصم عبر عرض التعاون معه. وفي الوقت نفسه يجب إضعافه في كل منعطف يمر به. يدفع الدبلوماسي بالوضع إلى المأزق ليعزز وضعه التفاوضي. ينفخ في كير الاضطرابات لإثارة وتغذية النزاعات منخفضة الحدة. وهو ما يجعل حضوره ضروريا للأطراف المصارعة. وحينها يتصرف ببراءة ودينامية. مد يد العون إلى الطرف الخاسر وابتزازه.

في تجربته السياسية كان كيسنجر يتفاوض حاملا العصا والجزرة في الوقت نفسه. ويرى أنه لينجح المفاوض عليه أن يظهر الحياد، وعليه ألا يصم الخصم بالشر المطلق لأنه في هذه الحالة سيكون الحل الوحيد هو دحره نهائيا. لذا لا يرى الدبلوماسي أعداء أبديين، وبذلك يترك الباب مفتوحا للتسويات. في ختام باب التفاوض ينصح كيسنجر بألا يتولى رئيس دولة تفاصيل المفاوضات. عليه أن يخصص وقته للقضايا الكبيرة، بينما يدقق رجاله في كل صغيرة.

أمريكا تخرج من عزلتها في الحرب الأولى

كانت مبادئ ويلسون قوية، لكنها كانت على ورقة ولم تغير الكثير مما يجري على الأرض. مهمة كل دبلوماسية هو تغيير ما يجري على الأرض وليس ندوات صحفية في فنادق فخمة. كان على أمريكا أن تفعل الكثير. لذا مارست أمريكا السياسة بإعلامها وأفلامها وثقافتها ودبلوماسييها وجنودها في حالات الضرورة. وكل هذا لكي تصير عصبة الأمم منظمة دولية قوية، وتصير لاحقا اسمها الأمم المتحدة ومقرها نيويورك. هكذا فقدت جنيف قلب أوروبا موقعها كمركز للسياسة الدولية.

كانت الدعاية سلاحا في يد الدبلوماسيين الأمريكيين. وهي وسيلة أساسية في العلاقات الدولية لها وزن كبير في تعبئة وتوجيه الرأي العام. تحتاج الدعاية، أولا، بناء خطاب متماسك، وقد جند كيسنجر الكثير من المثقفين الليبراليين في صفه. ثانيا، تراكم الخبرة التي تسمح بتطوير المنهج. ثالثا، تحتاج سجلا لامعا في سبر نفسيات الآخرين لوضع خطط التعامل معهم. رابعا، تحتاج الدعاية مهارة في اختلاق حجج لتخفيف مطالب المدعين. خامسا، تحتاج موهبة قلب حجج الخصم عاليها سافلها. سادسا، تحتاج القدرة على الصراخ تحت شعار “اُصرخ فترة طويلة ليصدقوك”. في مقابل ذلك يحذر كيسنجر من الفشل. يقول: “يضعف الفشل مهما كان صغيرا الموقف العام”.

مارست أمريكا هذه الدعاية بكثافة طيلة الحرب الباردة. ويعتبر كيسنجر أن نجاح هذا رهين بوجود قادة ملهمين ودبلوماسيين مهرة في استباق الوقائع وطرح أجندة تلائم أمريكا وتفرض على خصومها منافسة في مجالات لن ينجحوا فيها. بفضل هؤلاء ربحت أمريكا الحرب الباردة وسمحت لفرانسيس فوكوياما أن يزعم نهاية التاريخ. ومن القادة الأمريكيين الذين يمتدحهم كيسنجر الرئيس روزفلت، ومن صفاته الإصرار على تحقيق الأهداف. لم يكون مهووسا بالحفاظ على كل تيارات الرأي العام في صفه. يقول كيسنجر: “كانت أساليب روزفلت معقدة، مهذبة الأغراض، ماكرة التكتيك، صلبة في تعريف الأمور، واهنة الصراحة في تفسير غموض أحداث خاصة”.

هذه صفات الدبلوماسيين الحقيقيين، ولتكوين هؤلاء جيدا ينصح كيسنجر بتقييم علاقات القوة بشكل صحيح. فإدراك حجم توازن القوى حاسم. ويتطلب التوازن تسييرا حذقا لكي لا يختل. لذا يجب تجنب القرارات الفجائية غير محسوبة العواقب. كيف؟ يجيب كيسنجر: ينبغي لأي سياسة ذرائعية أن تتهيكل بمبدأ راسخ لتعصم حذقها اللبق من الانغماس في السلوكات العشوائية. ومن يتقن هذا يمكنه قطف ثمار سياسية في العلاقات الدولية دون حروب. يسأل المؤلف قراءه: كيف تقطف ثمار القوة دون تكبد خسائر ممارستها؟

من جهة أخرى، يحذر كيسنجر من خوض معارك خاسرة من أجل قضايا مشكوك فيها أو التورط في معارك بالوكالة في حوادث عرضية قد تكون مدبرة لجس النبض. يحذر كيسنجر السياسي الذي يريد أن يبزغ نجمه بأقل التكاليف. فهو يتكبد مخاطر البحث عن النتائج الفورية، وهو يكثر الأعداء بدل أن يقللهم. مصيبته أنه لا يعي خصوصيات الخط الذي يسير فيه. لا يرى أين يخطو. يربكه الغموض فيطغى هوسه على حساباته العقلانية. يصير متهورا جريئا يفتقر إلى الخبرة ونفاذ البصيرة. يعاني من قصر النظر وعديم الحس بالمسؤولية. يتورط في خطط مغرورة تتوقع النجاح فقط ولا تتعرض خططه أبدا لاحتمالات الفشل. يفترض المتهور أن كل ما يقوم به سينجح مئة بالمئة. تأكيدا على أهمية بعد النظر يؤكد كيسنجر “لا يوجد أمان البهلوان في الاستواء على الحبل، بل عند نهاية الحبل”.

والنتيجة أن مثل هذا السياسي يخلق واقعا تصعب السيطرة عليه لاحقا. وحينها ينقلب السحر على الساحر. هذا الاستهتار مكلف لرجل الدولة. وقد رأينا حالات. رأينا القائد المأزوم يتصرف كمقامر يضاعف مبلغ المراهنة كلما أثقلته الخسارة، ورأينا قادة خربوا بلدانهم بسبب العناد.

السياسي المتهور ورجل الدولة

لتجنب المصير المشؤوم ينصح كيسنجر السياسي بأن يتجنب كل نزاع لا مصلحة فيه ولا ربح يرجى منه، ويقترح عليه أن يحدد هدفا ذا معنى. بعد ذلك يجب جسر المسافة الفاصلة بين الإيمان بفكرة وتطبيقها. لتحقيق ذلك يجب أن تتناسب الأهداف والوسائل. وهذا ما يستطيعه رجل الدولة. وهنا يميز كيسنجر بين المحلل ورجل الدولة. وتنبع قوة كيسنجر من ممارسته للدورين معا، فقد كان منظرا، ثم صار رجل دولة في منصب وزير الخارجية، ثم رجع إلى موقع المحلل المراقب. لذا لا ينطق عن هوى، بل عن تجربة.

فالمحلل يتأمل المشكلة على مسافة. لديه الوقت الكافي ليدرس موضوعه. يضع فرضيات وينتظر ليرى. لا يخاطر. ويمكنه أن يصحح أخطاءه على الورق. وعلى النقيض منه، فإن رجل الدولة، الذي يساهم في بناء النظام الدولي، تفرض عليه المشكلة نفسها. يضغط عليه الوقت لحل المشكلة. يخاطر. أخطاؤه لا رجعة فيها، وسيدفع ثمنها كاملا هو وشعبه.

يتساءل كيسنجر: “كيف لنا أن نختبر رجل الدولة؟”

يجيب: “ينطوي هذا الأمر على حجم إدراكه، ومن خلال سير القرارات التكتيكية، المصالح طويلة الأمد لبلاده مع رسم استراتيجية مناسبة لتحقيقها” (ص 150). استراتيجية تصنع صفر مشاكل. لتحقيق ذلك تنطوي مسؤولية رجل الدولة على حل المعضلة لا تأملها (ص 156).

ـ “إن نجاح أو فشل ساسة الدول إنما يتوكأ على مدى إدراكهم للاتجاهات”. من لا بوصلة له لا ينجح، وغالبا ما يقع في الشراك التي نصبها لغيره. ويؤكد الكاتب أن معيار الحكم على رجل الدولة هو القدرة على التغيير تحت ضغط الزمن مع المحافظة على السلام (ص 29). إن الزعماء الذين يقودون دولهم وشعوبهم لحروب غير ضرورية لا يستحقون لقب رجال دولة. لقد سن كيسنجر “سياسة الاحتواء أجدى من المواجهة” للتعامل مع العراق وإيران. ولو فهم جورج بوش الابن هذا لما أوصل العراق والشرق الأوسط إلى ما هما عليه الآن، رغم أن بوش كان قريبا من كيسنجر، وقد عينه رئيساً للجنة التحقيق في أسباب هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001.