منوعات

ذبح خارج الشريعة

الدكتورة فاطمة عناقرة  الأردن الحمد لله الذي استطاعت وكالة اخبار المرأة الانطلاق الى حيز الوجود؛ ليكون لها السبق في متابعة قضايا وهموم المرأة, والعناية بشؤنها من مختلف المجالات ويكون له اليد الطولا في ايجاد الحلول المناسبة لمشكلات امرأة ونقل اخبارها, وتحقق الريادة الاعلامية من خلال مساهامات الكتَاب والقرآء والقائمين عليها وتبقى الاولى من نوعها في الوطن العربي. وكل الشكر والتقدير لادارة هذه الوكالة الموقرة التي منحتني فرصة الكتابة الدائمة بتخصيص زاوية ذابتة للمشاركة الدورية في طرح الافكار والآراء ونقل الاخباروالهموم والمتطلبات للمرأة.  وارجو الله ان اكون قد وفقت في اختيار العنوان لهذه الزواية والتي ستحمل في طياتها جملة من القضايا والهموم والابداعات والنجاحات والاخبار الهامة. وذلك لما لهذا لاسم من دلالات ومعان. فالجدار هوالحائط او البناء الذي يحمي البناء او قد يعزله عمن حوله, وله دلالات مختلفة فنية وتاريخية وسياسية واجتماعية.  اما البوح فهو الافصاح عما يجول في الخاطر, والكشف عما هو مخفي, والاعلان عما هو غير ظاهر. وقد يكون ذلك للتعبير عن معاناة للشعور بالراحةوالاطمئنان. ونرجو الله ان تكون هذه الوكالة الجدار القوي التي يتسع لكل ما نطمح اليه من البوح. وسنبدأ هذه الزاوية بالبوح بتاريخ الظلم والقهر الذي عانت منه المرأة على مر العصور وفي مختلف الحضارات. فقداستوقفتني احدى الدراسات التي عثرت عليهامن خلال الشبكة العنكبوتية, والتي قد تستغربون مما ورد فيها من اساليب قمعية مختلفة وقهر وظلم واستبداد للمرأة على مر العصور.  فالحضارة الاغريقية وصفت المرأة بانها الشجرة المسمومة, وقالت عنها الحضارة الرومانية بانها ليست روح ولم تعتبرها كائن حي, أما الصينيون فقد وصفوها بانها مياه مؤلمة تغسل السعادة, والاكثر ظلما وقهرا واجحافا الفرس الذين اباحوا زواج المحرمات, ا واليهود الذين اعتبروها لعنة. والاصعب من ذلك ان البرلمان الانجليزي اصدر بيانا في عصر هنري الثامن ملك انجلترا يحضر على المرأة قراءة الانجيل ( العهد الجديد), كما ان الظلم وصل في عصر الجاهلية الى وأد البنات.  ممن المؤسف مؤتمر فرنسا الذي عقد عام 586م للاجابة عن الاسئلة التالية: هل المرأة انسان ام غير ذلك ؟ وهل لها روح ام لا؟ واذا كانت لها روح انسان فهل هي بمستوى الرجل ام اقل منه؟ وفي نهاية المؤتمر قرر المؤتمرون ان المرأة انسان, لكنها خلقت من اجل خدمة الانسان. وهذا يعني انهم كان لاديهم شك في انسانية المرأة, و آدميتها. وعندما تواضعوا منحوها الآدمية بدرجة اقل من الرجل, وانها لم تصل الى مستو ادميته وانسانيته, واعتبروها اقل قدرا وقيمة,وأوجودها في الحياة فقط من اجل خدمة الرجل, لأنهم ينظرون لها بنظرة دونية امتدت جذورهاالى يومنا هذا, وان كانت باشكال مختلفة, وبنظرة اكثرتطورا مما كانت عليه سابقا..  ولكن عندما جاء الاسلام ساوى بين المرأة والرجل, منحها حقوقها في كافة مجالات الحياة, واعترف بقيمتها وانسانيتها, ورفع شأنها, وارتقى بمكانتها. الا أن مجتمعاتنا لا زالت تتعامل مع المرأة بآثار ترسبات الماضي وموروثاته الثقافية,المجحفة بحق المرأة, وهذا يحتاج منها مضاعفة جهودها لاثبا ذاتها, وتذليل الصعوبت ومواجهة التحديات لتحقق طموحاتها, ومواصلة مسيرتها والوصول الى ما تصبوا اليه في مختلف الاصعده والله الموفق.

 الدكتورة فاطمة عناقرة الأردن

لقد اثار شجوني ما قرأته من نتائج بعض الدراسات والتقارير حول قضايا جرائم الشرف, والتي باتت تؤرق المجتمع بأسره من تكرار وقوعها.

وهذا مؤشر خطير على وجود ثمة خلل إجتماعي و قانوني و تربوي واقتصادي يسود مجتمعنا ويؤدي إلى الوقوع في مثل هذه الجرائم, ويحتاج ذلك إلى تظافر كل الجهات المعنية وإعادة النظر في أجنداتها لمعالجة الخلل أولا, ثم وضع الضوابط اللازمة لمنع وقوع الخطأ, وارتكاب الجرائم ثانيا,إضافة إلى وضع منهجية لحماية النشأ والجيل ووقايته من المشاكل التي قد تؤدي به للوصول إلى مرحلة الجريمة.

فنحن جميعا نتفق على أننا نتمنى سيادة الأمن ولأمان في مجتمعنا, وان يتحلى جميع أفراده بالأخلاق الحميدة والقيم النبيلة, ولا اعتقد ان هناك من عاقل تروق له العبثية, وارتكاب الخطيئة , والتي تقود لانتشار الجريمة, ولكن السؤال الميثير للجدل لماذا تتكررمثل هذه الجرائم ولماذايكثر الحديث عنها دون جدوى؟

ومن المؤسف ايضا ان هذه الجرائم يذهب ضحيتها عشرات النساء دون اقتراف اي ذنب, وذلك بسبب تهور الاخ أو الأب دون التأكد من صحة الخبر. فقد يعتمد على الظن أو الاشاعة أو تسريب خبر من احد المقربين, فيسارع لذبح ابنته او اخته حفاظا على شرفه, وعندما تتأكد العدالة من أن المذبوحة راحت ضحية خبر كاذب, يندم الأهل على فعلتهم بعد فوات الأوان. وعندها تصبح المرأة لا اختلاف بينها وبين الشاه سوا أن الشاة تذبح حسب الشريعة ويسمى عليها ليحل اكلها, بينما المرأة تذبح خارج الشريعة ودون ان يسمى عليها.

وقد أثبتت التقارير الواردة من المحاكم, ونتائج بعض الدراسات أن 80%من النساء اللوتي قتلنا بحجة جرائم الشرف كنَ عذروات وهذه هي الفضيحة الفعلية, لأنه لا يوجد عرف أو قانون على الكرة الأرضية ينص أو يوافق على ذبح انسان دون مبررولمجرد الذبح كذبح الشاه.

والأدهى والأمر من ذلك, أن بعض الدراسات والتقارير أثبتت ايضا بان كثيرا من النساء اللواتي وقعت عليهن جريمة الشرف كان معتدى عليهن من قبل المحارم اما من الأخ أو الأب أو الخال أوالعم, وتذبح المرأة لمواراة فضيحة الرجل, وفي اغلب الاحيان يقوم نفس الرجل الذي اعتدى على المرأة بذبحها بحجة الحفاظ على الشرف وغسل العار. إذن فأين هوالشرف اذا كان الحفاظ عليه بهذه الطريقة, وأين هو العدل, عندما تذبح المرأة تحت غطاء جرائم الشرف , وصاحب الجريمة الفعلي يعاقب بالسجن ستة اشهر او على الاكثر سنة اوسنتين؟

فإذا كنا نسعى الى تطبيق الشريعة ونحاسب كل على ذنبه من باب أولى ان نطبق القصاص ونقيم الحدود, كما جاءت في القرآن الكريم.

واذا كانت المرأة فعلا قد ارتكبت ذنبا تستحق العقاب عليه, فهي ليست لوحدها , وانما يشاركها الرجل في ذلك , فلماذا لا نكون منصفين في العقاب وتسود العدالة والانصاف, ويعاقب الرجل كما تعاقب المرأة .

ومن الجدير بالذكرأننا جميعا نسعى إلى سيادة الشرف والعفة والاخلاق الحميدة في المجتمع, ونتمنى ذلك, ونحلم بان يكون مجتمعنا مجتمع الخير والعدالة والامانه . لكن ذلك يقتضي مناَ جميعا أن نتقي شر الخطأ قبل وقوعه. وأن نبحث عن مسببات مثل هذه الجرائم ونجد لها الحلول المناسبة , ونقتلع الشر من جذوره

” فدرهم وقاية خير من قنطار علاج”

ولكن هذا يحتاج إلى تكاتف الجهود بين كل الاطراف و المؤسسات, ومع كل الاطياف, لأنه قد يكون هناك اسباب كثيرة تؤدي إلى وقوع المشاكل والجرائم , فمنها أسباب اجتماعية ومنها إقتصادية , وأخرى تربوية, وقانونية, ويجب أن تبدأ من مرحلة الطفولة وابتداء بالاسرة والتي تمثل المؤسسة المجتمعية الاولى واللبنة الاساسية في المجتمع, وهي التي تحتضن الطفل وتغرس في نفسه القيم والاتجاهات والاخلاق الحميدة, لتصبح لديه مباديء راسخة لا تغيرها الظروف أو المستجدات أوالمتغيرات, وتكون هي الحصن الحصين الذي يردعه عن فعل اي سوء, واستمراية لذلك يجب ان تشارك المؤسسات التربيوية في تنشئة الابناء وتربيتهم وتوعيتهم وتثقيفهم وتهذيب نفسوهم , وتسليحهم بالعلم والمعرفة والاخلاق الحميدة والسلوك الايجابي , ليتسنى لهم مواجهة التحديات وحماية انفسهم من المغريات التي تقودهم لارتكاب الخطأ, وتستكمل الدور فيما بعد مؤسسات المجتمع بكافة اطيفها لتلبية حاجات الافراد ومساعدتهم في تأمين متطلباتهم , ودعم مسيرتهم العملية, وزيادة الوعي والثقافة, وتقدير الطموحات وتشجيعها, والمساهمة في القضاءعلى اوقات الفراغ فيما يفيد الشباب ويلبي طموحاتهم, بالاضافة الى توفير فرص عمل للحد من مشكلتي الفقر والبطالة لانهما يلعبان الدور الاكبر في كثير من المشاكل التي قد تؤدي الى جرائم الشرف.

والمشكلة الأصعب من ذلك هي عزوف الشباب عن الزواج بسبب الوضع الاقتصادي المتدهور, والذي لا يتيح الفرصة للشباب في تكوين الأسرة, لانهم لا يتملكون القدرة على تلبية متطلبات العروس وأهلها, ولا يستطيع الشاب تغطية تكاليف الفرح ومهر العروس, وهذا يقلل من فرص الزواج ويؤخر سن الزواج لدى الشباب ويؤدي الى ارتفاع نسبة العنوسة, وقد يشكل ذلك خطرا كبيرا على المجتمع , ويكون مدعاة للفساد والمشاكل الاجتماعية. اضافة الى ضرورة إعادة النظر في الانظمة والقوانين الجحفة في حق المرأة وتعديلها وخاصة فيما يتعلق بقوانين العقوبات .

ومن هنا يقع على عاتق الدولة والمؤسسات الاجتماعية المساهمة في ايجاد الحلول المناسبة,لمثل هذه المشكلات , للحفاظ على المجتمع وشرف ابناءه.