اخبار المغرب

القضاة يسردون “الصعوبات الاجتماعية” في التصدي لظاهرة تزويج القاصرات

“أرجوكم، ساعدونا كي لا تصل الطفلة إلى باب المحكمة؛ ذلك أنه في حال وصولها لطلب الإذن بتزويجها يكون الأمر قد قُضي، ونكون أمام خيارات أحلاهما مُر”؛ بهذه الكلمات خاطب حسن إبراهيمي، رئيس وحدة تتبع قضايا الأسرة برئاسة النيابة العامة، الحضور خلال لقاء قدم فيه المجلس الوطني لحقوق الإنسان دراسة حول المبررات القضائية لتزويج الفتيات القاصرات، ردا على الانتقادات التي تُوجه إلى القضاة الذين يأذنون بتزويج القاصرات.

وسرد المسؤول برئاسة النيابة العامة مُعطيات صادمة حول الصعوبات التي يواجهها القضاة في إقناع الطفلات القاصرات بعدم تزويجهن؛ أورد، مثالا على هذه الصعوبات، واقعة تخلي أب عن ابنته في المحكمة بإملشيل، بعد أن قُوبل طلب تزويج ابنته القاصر بالرفض.

وتخول المادة الـ20 من مدونة الأسرة لقاضي الأسرة المكلف بالزواج أن يأذن بزواج الفتى والفتاة دون سن الأهلية (18 سنة)، بمقرر معلل يبين فيه المصلحة والأسباب المبررة لذلك، بعد الاستماع لأبوي القاصر أو نائبه الشرعي والاستعانة بخبرة طبية أو إجراء بحث اجتماعي؛ غير أن المنظمات الحقوقية والمجلس الوطني لحقوق الإنسان يعتبرون أن هذا الاستثناء “أصبح قاعدة”.

بالمقابل، قال حسن إبراهيمي، الذي سبق أن اشتغل قاضيا مكلفا بالزواج في بلدة إملشيل، وهي من بين المناطق المعروفة بتزويج القاصرات، أن هذه الظاهرة معقدة وتتحكم فيها أمور “ذات طبيعة ثقافية ممانعة جدا، يكون فيها القاضي بين المطرقة والسندان”.

وانطلاقا من تجربته كقاضٍ مكلف بالزواج سابقا في بلدة إملشيل، قال إبراهيمي إن الحد من ظاهرة تزويج القاصرات “يحتاج إلى تفكير جماعي هادئ يشخص أولا الأسباب والعلل، ثم يقدم وصفة علاجية، عبر مدخل الإصلاح، إما تعديلا أو إلغاء”.

وفيما تستعد الحكومة إلى مراجعة مدونة الأسرة، بعد دعوة الملك محمد السادس إلى ذلك في خطاب العرش الأخير، لم يجْر التوافق إلى حد الآن حول مسألة تزويج القاصرات، حيث أكد عبد الله رحمات، رئيس قسم قضاء الأسرة بوزارة العدل، أن هناك ثلاثة توجهات في الموضوع؛ الأول يدعو إلى إلغاء زواج القاصرات والاقتصار فقط على تزويج مَن يتوفر فيهم شرط الأهلية، والثاني يدعو إلى منعه وتجريمه وترتيب العقوبة اللازمة عليه، بينما يدعو التوجه الثالث إلى الإبقاء عليه كحالة استثنائية مع تشديد الشروط وتحديد سن أدنى.

وبالرغم من وجود ثلاثة توجهات، فإن هناك ميْلا إلى التوجه الأخير؛ ذلك أنه كان محط إجماع من طرف لجنة التشريع وحقوق الإنسان بمجلس المستشارين، مع شرط تحديد السن الأدنى للزواج في 16 سنة، وإلزامية إجراء خبرة طبية وبحث اجتماعي على القاصر قبل الإذن بزواجه، ومراعاة تقارب السن بين الطرفين؛ وهي المقترحات التي تم تعديلها في مجلس النواب، حيث أضاف هذا الأخير إليها شرط حضور القاصر المعني وموافقته على الزواج.

وفي انتظار القرار الذي سيتخذه المشرع المغربي، اعتبر رئيس قسم قضاء الأسرة بوزارة العدل أن الإجراءات التي اتخذتها الوزارة مكنت من تقليص عدد عقود تزويج القاصرات المنفذة بشكل مهم؛ فقد انخفض عدد هذه العقود من 26 ألفا و298 عقدا سنة 2017، إلى 25 ألفا و514 عقدا في 2018، ثم إلى 12 ألفا و600 من العقود المنفذة سنة 2020.