اخبار المغرب

الشراكة المغربية الأوروبية تطلق مبادرة استباقية لمكافحة المخاطر الإرهابية

في خطوة جديدة من شأنها تعزيز علاقات الشراكة التي تربط المغرب مع دول الاتحاد الأوروبي، أعلن الطرفان أول أمس الخمس إطلاق مبادرة حول “التربية من أجل الوقاية ومكافحة التطرف العنيف المؤدي إلى الإرهاب”، وذلك بشراكة مع مركز التميز لمكافحة التطرف العنيف “هداية”.

وجاء الإعلان عن المبادرة النوعية بمناسبة انعقاد أشغال الدورة 21 من اللجنة التنسيقية للمنتدى العالمي لمكافحة الإرهاب، الذي احتضنته القاهرة، حيث أكد وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، ناصر بوريطة، في رسالة تعريف بالمبادرة، دور التربية باعتبارها “أداة قوية للوقاية من التطرف والتطرف العنيف ومكافحتهما، والقضاء على الأيديولوجيات المتطرفة التي تزدهر في البيئات غير المستقرة”.

وأشار بوريطة إلى أن الولوج إلى التربية يمكن الأفراد من تطوير القدرات اللازمة للتشكيك في الخطابات والأيديولوجيات المتطرفة وتعزيز السلام، مبرزا أن هذه المبادرة تشهد على “الشراكة المتميزة والالتزام المشترك بين المملكة المغربية والاتحاد الأوروبي من أجل تعزيز السلام والأمن والتنمية”.

وعن الجانب الأوروبي، اعتبر جوزيب بوريل، الممثل السامي للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية، ونائب رئيس المفوضية الأوروبية، أن هذه المبادرة ستسهم في تطوير مجتمعات أكثر تسامحا ومرونة في مواجهة الإرهاب والتطرف العنيف.

وستعرف المبادرة التي تمتد من 2023 إلى 2025 تصميم برامج للمكونين وتقديمها لفائدة المربين بهدف تعزيز قدرة المتعلمين في مواجهة التطرف العنيف. كما ستتم بلورة سلسلة من المؤشرات ووضعها لمساعدة ودعم جهود الحكومات في مجال متابعة وتقييم برامج وسياسات الوقاية من التطرف العنيف ومكافحته في المجال التربوي.

مبادرة وقائية

في تعليقه على المبادرة الجديدة، يرى المصطفى الرزرازي، أستاذ تدبير المخاطر والأزمات بجامعة محمد السادس متعددة التخصصات، ورئيس المرصد المغربي حول التطرف والعنف، أن “المبادرة بين المغرب والاتحاد الأوروبي، التي تعنى بمسألة التربية، تؤكد انخراط المغرب في البحث عن إجابات شاملة تجمع في آن واحد بين مقاربة تحييد التهديدات الإرهابية وبرامج الوقاية من التطرف العنيف، خاصة في أوساط الشباب”.

وأضاف الرزرازي، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن تنزيل المغرب برامج خاصة بنبذ التطرف، وفك الارتباط والمصاحبة لفائدة المتطرفين السابقين، “يبين أن الاهتمام بالقطاع المتعلق بالتربية وإنتاج المعرفة حول التطرف العنيف والإرهاب منطقي جدا، وفي موعده”.

وشدد رئيس المرصد المغربي حول التطرف والعنف على أن المغرب دخل اليوم في مكافحته للإرهاب والتطرف العنيف “محطة جديدة في تعاطيه مع هذه التهديدات، عبر مقاربة يمكن أن نسميهاMorocco CT 5.0، أي الجيل الخامس من المقاربة المغربية في مكافحة الإرهاب والتطرف العنيف”.

وزاد الرزرازي موضحا أن الجيل الخامس من المقاربة المغربية في مكافحة الإرهاب والتطرف العنيف تتحقق فيها أفقيا “شمولية التعاطي الاجتماعي والاقتصادي والأمني والاستخباراتي والقضائي، والإصلاحي والتربوي والإعلامي”، مبرزا أن هذه المقاربة تتماسك عموديا بـ”المزج بين التفتيت والاستباق والتوقع، والاحتواء والتمنيع، مع المزج بين ثلاثية الحكامة والمعرفة والخبرة البشرية والتكنولوجية”.

وأشار الخبير ذاته إلى أن المقاربة المغربية في مكافحة الإرهاب والتطرف العنيف “راكمت خبرة نوعية خلال أكثر من عقدين من الزمن، وأظهرت دوليا فاعليتها في خمسة مجالات أساسية”، حددها في المجال الأمني بكل مقتضياته وخصوصياته، إذ طورت من القدرات المؤسساتية والبشرية والتكنولوجية ما جعل جاهزيتها تتسم بـ”سرعة التدخل، والتحييد، والحوكمة”.

كما اعتبر المتحدث أن هذه الخبرة “حدت من مخاطر التهديدات الإرهابية، فضلا عن تأطير كل التدخلات وفق إطار قضائي وقانوني يجعل من العمل الأمني آلية تتسم باحترام الممارسات الفضلى في دولة القانون”، وفق تعبيره.

انتقال نوعي

خالد الشيات، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة محمد الأول بوجدة، فاعتبر أن التعاون المغربي الأوروبي في مجال مكافحة الإرهاب “ليس عملا جديدا أو مسارا جديدا في العلاقات بين المغرب ومجموعة من بلدان الاتحاد الاوروبي”، مؤكدا أن تأسيسه في إطار علاقات جماعية مع الاتحاد الأوروبي مسألة “جيدة وإيجابية على مستوى تعزيز العلاقات على المستوى الثنائي وتكثيف العلاقات الأمنية الثنائية الذي كان هو الغالب في هذه العلاقات ودائما يصب في شقها الثنائي”.

وأفاد الشيات، في حديث مع جريدة هسبريس الإلكترونية، بأن البرامج ذات الطبيعة التربوية والتعليمية والجماعية مع بلدان الاتحاد الأوروبي “تعكس نوعية الانتقال في هذه المسارات التي تعرف تطورا متتاليا”.

وشدد المتحدث ذاته على أن التعاون المغربي الأوروبي في مجال مكافحة الإرهاب “مسألة أساسية في هذه العلاقات، ولكن تحويلها إلى مجالات ذات طبيعة تربوية وتعليمية يبقى مسألة أهم، لأننا نتحدث عن منبع هذه الأفكار المتطرفة التي تتحول إلى شكل من أشكال الإرهاب العنيف”.

تعاون وتحديات

أشار الشيات إلى أن “الممارسات العنيفة تنهل من الأفكار ذات الطبيعة المتطرفة”، مردفا: “تبني هذا المسار سيعزز هذه العلاقات التي تبين أن الاتحاد الأوروبي يعول على المغرب كثيرا في هذا المجال”.

واستدرك الخبير ذاته موضحا أن “هناك بعض جوانب الخلل؛ فالتعاون مع المغرب لوحده لن يكون كافيا بالنسبة للاتحاد الأوروبي”.

كما اعتبر الشيات أن “التعاون الجماعي بين المغرب والاتحاد الأوروبي ينبغي أن يقابله تعاون جماعي على المستوى المغاربي، ودول الساحل الإفريقي وباقي المناطق الأخرى”، مشددا على أن “تعزيز هذه المسارات في اتجاه جماعي أكثر سيكون مناسبا للاتحاد الأوروبي وجميع الأطراف”.

كما أشار المتحدث ذاته إلى أن مسألة تمويل هذه البرامج ومخططاتها تبقى تحديا، إذ “تعرف دائما نوعا من عدم الاستقرار أو عدم الكفاية على المستوى الفعلي والعملي”، لافتا إلى أن “المغرب من الناحية الفعلية عليه أن ينتقل باعتباره ركيزة في العلاقات مع أوروبا من التعاون العادي إلى المستوى الإستراتيجي”، ومؤكدا أن هذا المسار لا يمكن أخذه في منأى عن “المسارات الأخرى ذات الطبيعة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وغيرها”.