اخبار فلسطين

اعتداء المستوطنين على حوارة، أكثر من خطة الإصلاح القضائي، هو ما دفع الطيارين إلى التهديد بالعصيان

ذو بصيرة. ربما تكون هذه الكلمة التي تصف على أفضل وجه الرسالة التي بعث بها قائد سلاح الجو الإسرائيلي إلى مرؤوسيه يوم الجمعة، والتي طالبهم فيها بمواصلة الالتحاق بالخدمة ووضح أن الجيش سيواصل العمل وفقا لـ”معايير أخلاقية” راسخة.

قبل يوم من ذلك، تحدث الميجر جنرال تومر بار مع كبار ضباط سلاح الجو، سواء من العاملين في الجيش أو ضباط الاحتياط، وأدرك لأول مرى حجم الأزمة.

خلال تلك المحادثة كان جنود الاحتياط هم من تحدثوا في الأساس، ومن بينهم طيارو شركة “إل عال”، الذين أعربوا عن خشيتهم من أن تعرضهم خطة الحكومة الراديكالية للإصلاح القضائي لاعتقالات في عدد من المطارات الدولية وللملاحقة القضائية من قبل محافل دولية مثل المحكمة الجنائية الدولية.

لطالما جادلت إسرائيل ضد مثل هذه التحقيقات، مشيرة إلى قوة واستقلالية القضاء الخاص بها، المسؤول عن التحقيق في حوادث المخالفات التي ترتكبها القوات الإسرائيلية. لكن منتقدي الإصلاح القانوني للحكومة يحذرون من أن الجهود المبذولة لتقييد سلطة محكمة العدل العليا ستنزع شرعية الدولة على الساحة الدولية.

لكن بالنسبة للطيارين، حتى أكثر من المخاوف القانونية التي حددوها في رسالتهم، تركزت الأزمة في حوارة، القرية الفلسطينية التي هاجمها حشد من المستوطنين المتطرفين الأسبوع الماضي، وأضرموا النيران في المنازل والسيارات وأصابوا عشرات السكان. أحد الفلسطينيين قُتل بالرصاص في ظروف غامضة.

قال أحد كبار الطيارين المقاتلين الذين شاركوا في المحادثة لتايمز أوف إسرائيل: “حادثة حوارة تجاوزت خطا أحمر خطيرا”.

وأضاف الضابط، وهو عميد احتياط قاد في السابق إحدى أكبر قواعد سلاح الجو الإسرائيلي: “لم نسمع إدانة صريحة وكاملة لقتل مدنيين فلسطينيين من قبل قتلة يهود”.

وتابع: “بدلا من ذلك، سمعنا دعما لهذه الأفعال من بعض أعضاء الكنيست، ومراوغة من وزراء، وإدانات خجولة من قطاعات واسعة في اليمين المتطرف. وبعد ذلك، يأتي وزير المالية بتسلئيل سموتريتش يوم الأربعاء ليتوج كل ذلك بتصريح يدعو إلى ’محو’ حوارة”.

وأضاف الضابط الذي لا يمكن نشر اسمه بسبب حساسية منصبه: “نحن الذين هاجمنا أهدافا معادية بأمر من القادة السياسيين لم نسمع قط بأمر لمحو قرية. في الماضي، لم نشك أبدا في استقامة المسار وأخلاقيات القرارات. اليوم هناك علامات استفهام تتعلق بالالتزام الأخلاقي لبعض صانعي القرار ولهذا نصدر هذا التحذير”.

اللواء تومر بار، قائد سلاح الجو الإسرائيلي، في مراسم أقيمت في 4 أبريل، 2022. (Israel Defense Forces)

في مواجهة مثل هذه التصريحات خلال اجتماعه مع الطيارين الكبار، أدرك بار، قائد سلاح الجو، أنه يتعين عليه التصرف بسرعة لإخماد النيران قبل أن تنتشر وتؤدي إلى تمرد واسع النطاق. في الرسالة التي كتبها لأطقم طيران الاحتياط مباشرة بعد الاجتماع، برز سطر واحد كرد مباشر على المخاوف المتعلقة باعتداء المستوطنين على حوارة.

وكتب “سأقول ما هو واضح: جيش الدفاع الإسرائيلي، بما في ذلك سلاح الجو الإسرائيلي، يتصرف وفقا لممارسات العملياتية المقننة، والمعايير الأخلاقية، وقيم وروح جيش الدفاع الإسرائيلي، وسنواصل القيام بذلك. سأصر على ذلك مهما حدث، كما هو الحال دائما”.

بكلمات أخرى، قال بار لطياريه: ليس في مناوبتي. أنا الدعامة الأخلاقية التي تحميكم من أي أمر غير أخلاقي. ما لم يقله قائد سلاح الجو ولكن كان واضحا بين السطور كان التزاما بقول كلمة لا للقادة السياسيين إذا دعت الحاجة لذلك.

لكن بالنسبة لطياري السرب 69 الوحدة الاستراتيجية في سلاح الجو الإسرائيلي التي قصفت المفاعل النووي السوري في عام 2007 والتي من المرجح أن تتولى المسؤولية في أي هجوم إسرائيلي مستقبلي على إيران جاءت هذه الرسالة بعد فوات الأوان. يوم الأحد، أعلن 37 من بين 40 طيارا في السرب في رسالة عن نيتهم عدم حضور جلسة تدريبات يوم الأربعاء، احتجاجا على خطة الحكومة لتقليص صلاحيات الجهاز القضائي بشكل جذري.

سلاح الجو غير واثق من كيفية رده على الرسالة، وهو ما يضع الجيش وسط ساحة معركة اجتماعية وسياسية سعى بشدة إلى تجنبها.

يحاول وزير الدفاع يوآف غالانت في الأسابيع الأخيرة توجيه المؤسسة المعسكرين بين لغمين سياسيين وزير المالية سموتريتش وحليفه في اليمين المتطرف إيتمار بن غفير، وزير الأمن القومي. يوم الأحد انضم غالانت إلى غانتس وغادي آيزنكوت، رئيسا أركان سابقان وحاليا مع حزب “الوحدة الوطنية” المعارض، في دعوتهما إلى الحوار وإلى إبقاء الجيش الإسرائيلي بعيدا عن المعركة.

قد لا يكون هذا أيضا كافيا، حيث يستعد طيارو احتياط إضافيون بالفعل للانضمام إلى احتجاج رفاقهم في السرب 69.

على الرغم من أن سلاح الجو يأمل في أن تنتهي الاحتجاجات هذا الأسبوع وأن يحضر الطيارون لأداء الخدمة، إلا أن الجيش بدأ يدرك أن تحركهم ليس سوى عارض يشير إلى حالة أكثر خطورة. سلاح الجو هو المكان الذي تجلت فيه الأزمة لأول مرة فقط بسبب حقيقة أن الطيارين يجب أن يحضروا أسبوعيا لرحلات التدريب واختبارات اللياقة وليس لأن الطيارين هم بطبيعتهم أكثر وعيا سياسيا من غيرهم من جنود الاحتياط.

مقاتلات إسرائيلية من طراز F15 ترافق قاذفة أمريكية من طراز B52 عبر المجال الجوي الإسرائيلي في طريقها إلى الخليج العربي في 4 سبتمبر، 2022. (Israel Defense Forces)

لا يتوهم أحد في الجيش أن جنود الاحتياط في القوات البرية لن يبدأوا احتجاجات مماثلة، بأعداد مشابهة، ولكن هناك، ونظرا لطول فترة خدمتهم بضعة أسابيع في كل عام لن يكون نطاق الاحتجاجات واضحا حتى نهاية العام. في الوقت الحالي، هناك تقارير عن احتجاجات صامتة، وليس منظمة مثل تلك التي أعلن عنها الطيارون.

من الجيد أن اعتداء المستوطنين على حوارة أثبت أنه حد فاصل بالنسبة للجيش سواء في الجيش النظامي أو في الاحتياط. وضح رئيس الأركان الإسرائيلي هرتسي هليفي إن هذه الحادثة بمثابة مؤشر أخلاقي، وفشل عملياتي لديه تداعيات أخلاقية. توضيح هليفي لهذه النقطة جاء في خطاب ألقاه في الأسبوع الماضي أمام خريجين من ضباط البحرية.

وقال “كان علينا أيضا منع ما حدث في أعقاب الهجوم [الأولي] في حوارة”، مشيرا إلى هجوم إطلاق النار الذي أسفر عن مقتل شقيقين إسرائيليين قبل الاعتداء على البلدة الفلسطينية، وأضاف”إن أعمال الشغب والعنف ضد جنود جيش الدفاع وإلحاق الضرر بالسكان والممتلكات كعمل انتقامي هي أمور يجب إدانتها”.

هليفي ليس رجلا كثير الكلام. الرجل الذي درس الفلسفة يعرف كيف يجعل رسالته موجزة. حقيقة أنه اختار معالجة حادثة حوارة بهذه ال، بغض النظر عن التداعيات الدبلوماسية على سبيل المثال، تعليقات سموتريش والرد الأمريكي عليها هي مؤشر واضح على أنه لا ينوي التغاضي عن المسألة.

في الأسبوع الماضي، وصف قائد المنطقة الوسطى في الجيش الإسرائيلي، اللواء يهودا فوكس، المسؤول عن القوات في الضفة الغربية، هجوم المستوطنين على حوارة بأنه “بوغروم”. في وقت لاحق هذا الأسبوع، من المقرر أن يسلم فوكس لهليفي نتائج تحقيق الجيش الإسرائيلي في الحادثة. أقر فوكس بالفعل بأن الجيش لم يكن مستعدا، لذلك من المحتمل أن تكون هناك تداعيات شديدة على طول التسلسل القيادي.

يبدو أنه فيما يتعلق بالجيش الإسرائيلي على الأقل، فإن إعتداء المستوطنين على حوارة، بالإضافة إلى كونه نتيجة أيديولوجية متطرفة لدى البعض في الحركة الاستيطانية، هو أحد أعراض الانهيار الأخلاقي الأوسع والأكثر خطورة.

ساهم إيمانويل فابيان في هذا المقال، الذي نُشر لأول مرة في موقع تايمز أوف إسرائيل باللغة العبرية، زمان يسرائيل