اخبار المغرب

الزلزال يزعزع أركان حزب العدالة والتنمية .. سقطة سياسية و”حسابات داخلية”

يبدو أن حزب العدالة والتنمية بات اسمه لصيقا بالأزمات والصراعات التي تنتهي داخل بيته، إذ لا تهدأ الأوضاع داخل الحزب الإسلامي إلا وتعود للاشتعال من جديد؛ تارة بفعل فاعل، وأخرى بما كسبت أيدي قيادييه.

فبعدما كان الحزب بدأ يرسي أوضاعه الداخلية بعد الصراعات الداخلية التي أنهكته طيلة السنوات الماضية وأخذ في إعادة ترتيب أوراقه وترقيع صورته وشعبيته، جاء بيان الزلزال المثير للجدل ليعيده إلى دائرة الشك مرة أخرى في إمكانية التعافي والعودة مجددا للمنافسة في الساحة السياسية.

أزمة متجددة

أظهر البيان، المتضمن وجهة نظر أمينه العام عبد الإله بنكيران الذي لم يكن أعضاء الأمانة العامة على اتفاق تام معه في النقطة التي أشعلت الجدل، وهي ربط الزلزال بالمعاصي والذنوب السياسية واعتباره نوعا من العقاب الإلهي، (أظهر) أن الحزب “لم ينجح بعد في تجاوز الأزمة الداخلية العميقة التي عاشها خلال المرحلة السابقة”.

فبمجرد إصدار البيان المثير، خرج عبد القادر اعمارة، القيادي البارز والوزير السابق في حكومتي بنكيران والعثماني، معلنا استقالته من الحزب، في خطوة تبين أن الرجل كان ينتظر بفارغ الصبر الفرصة المواتية لإعلان مغادرته الفعلية لسفينة الحزب، ملتحقا بقادة ووزراء سابقين مثل المصطفى الرميد وعزيز الرباح.

ويرتقب أن تفتح استقالة اعمارة الباب أمام القيادات المترددة في إعلان طلاقها التام مع الحزب الذي كانوا من مؤسسيه وشهدوا مراحل صعوده ونجاحه، قبل أن تنطفئ فتيلة مصباحه في انتخابات 8 شتنبر التي أفقدته المقدمة والسيطرة على توازنه.

سقطة سياسية

في تعليقه على الموضوع، اعتبر عبد الحفيظ اليونسي، المحلل السياسي وأستاذ العلوم السياسية بجامعة الحسن الأول بسطات، مضمون بيان الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية، وخاصة النقطة التي ربط فيها الزلزال بالمعاصي السياسية وغيرها، “سقطة سياسية حقيقية”.

وقال اليونسي، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، إن البيان “ابتعد كثيرا عن السياسة في الربط بين المعاصي السياسية والزلزال”، مؤكدا أن هذه السقطة السياسية “تسائل قيادة الحزب وتؤشر على حالة الارتباك التي يعيشها التنظيم في تملك تصور للمرحلة الراهنة والمرحلة المقبلة”.

وأفاد المحلل السياسي ذاته بأن البيان يؤشر إلى “أزمة هوية فكرية وإيديولوجية حقيقية يعيشها حزب العدالة والتنمية”، مبرزا أن القيادة الحالية، التي أفرزها المؤتمر الأخير للحزب، “يبدو أن هناك خللا ما في اشتغالها؛ إما أن هناك اختلافا مع الأمين العام، وإما أن هناك من يبتعد عن اليومي في تدبير حزب العدالة والتنمية”.

لا تأثيرات داخلية

استبعد اليونسي أن يتأثر الحزب بهذه الواقعة، وقال: “حزب العدالة والتنمية في مرحلة جديدة للبناء؛ وبالتالي لن يكون هناك تأثير على النواة الصلبة للقيادة الحالية، وأيضا لن يكون هناك تأثير على قواعد الحزب التي هي قليلة مقارنة مع مرحلة المد التي كان عليها الحزب في قيادته للحكومة”.

وتابع المتحدث ذاته مؤكدا “ما تبقى من “البيجيدي”، خصوصا نواته الصلبة، وطنيا ومحليا، لا يمكنها أن تتأثر بهذا البيان بقدر ما يمكن أن يكون مسوغا لابتعاد بعض القيادات التي تختلف مع بنكيران ليس في تقدير المرحلة؛ بل مع تصور الحزب السياسي حاليا وفي علاقاته مع مكونات الدولة”.

وزاد الأستاذ الجامعي المتخصص في العلوم السياسية موضحا: “هناك بعض القيادات في المرحلة السابقة التي تختلف جذريا عن قراءة المرحلة بينها وبين القيادة الحالية في شخص بنكيران؛ وبالتالي هذه القيادة تنتظر الفرصة لكي تغادر سفينة حزب العدالة والتنمية بمبررات شتى، منها ما برر به الوزير السابق عبد القادر اعمارة استقالته”.

حزب دعوي أم سياسي!

سجل اليونسي بأن البيان الأخير لحزب بنكيران “لا يمكن فصله عن الوضع العام الذي يعيشه حضور هذا الربط بين الديني والسياسي في التفاعل مع زلزال الحوز”، مبرزا أن هذا الأمر يجد سنده في محاولة “بناء الحزب من جديد، وإعادة البناء هذه في تصور بنكيران مبنية على أسس عديدة؛ أهمها استعادة إيديولوجيا الحزب المرتبطة بالمرجعية الإسلامية. وظهر ذلك في حلقات “استوقفتني آية”، التي ينشرها بنكيران في صفحته الرسمية على موقع الاخبار السعودية الاجتماعي “فيسبوك””.

في السياق ذاته، أفاد المحلل السياسي إسماعيل حمودي بأن الفقرة التي “أقحمت في بلاغ الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية، فضلا عن أنها شوشت على المضامين الأخرى، فقد قدمت الحزب للرأي العام كحزب معني بالدعوة وعلاقة المغاربة بالله، بعد جهود حثيثة راكمها طيلة سنوات من أجل أن يكون حزبا سياسيا معني بالديمقراطية والتنمية وحقوق الإنسان”.

وأضاف حمودي، في تصريح لهسبريس، أن الموقف الجديد لـ”البيجيدي” يأتي بعد “صمت طويل على واقعة الزلزال المروع، وبعدما كان أمينه العام يتكلم في كل شيء”.

تصفية حسابات

بخصوص مواقف بعض قيادات الحزب من البيان، التي عبرت عن استيائها من بعض مضامين بلاغ الأمانة العامة، اعتبر حمودي أنها جعلت من الواقعة “فرصة لتصفية الحسابات الشخصية مع بنكيران ليس أكثر، ومحاولة للتحكم في منهجية تدبيره الحزبي، وليس بالضرورة مواقف تنتصر للقيم الديمقراطية داخل الحزب أو خارجه”.

وزاد المحلل السياسي ذاته موضحا أن استقالة بعض الوزراء السابقين من الحزب “تفتقر إلى المعنى السياسي، خصوصا أن بعضهم لا يعرف لهم الرأي العام مواقف سياسية تذكر طيلة مسارهم الحزبي. ولذلك، لا أتوقع لموقفهم أي تأثير على التنظيم الحزبي”، في إشارة إلى استقالة اعمارة المعروف بصمته وامتناعه عن التصريح والحديث للصحافة والإعلام.