اخبار فلسطين

ليبيا تقيل وزيرة خارجيتها وسط الغضب الذي أثاره لقاؤها غير المسبوق مع نظيرها الإسرائيلي

أقيلت وزيرة الخارجية الليبية نجلاء المنقوش من منصبها يوم الإثنين في أعقاب لقاء عقدته في الأسبوع الماضي مع نظيرها الإسرائيلي إيلي كوهين، وسط تداعيات سياسية متصاعدة في كل من القدس وطرابلس عقب قرار وزير الخارجية الإسرائيلي الكشف عن لقاء “تاريخي” عقده مع نظيرته الليبية في الأسبوع الماضي في روما.

وبعد إعلان كوهين عن الاجتماع يوم الأحد، والذي قوبل بغضب شديد في ليبيا، أوقف رئيس الوزراء عبد الحميد الدبيبة المنقوش عن العمل وقال إنه سيتم تشكيل لجنة تحقيق للنظر في الاجتماع. ونفت وزارة الخارجية الليبية إجراء أي محادثات رسمية مع كوهين مع اندلاع احتجاجات متفرقة في طرابلس ومدن أخرى في غرب ليبيا.

يوم الإثنين أقال الدبيبة الوزيرة المنقوش، حسبما أفادت وكالة “رويترز”، وأكد مسؤول في وزارة الخارجية الليبية أن المنقوش فرت إلى تركيا خوفا على سلامتها.

قرار الدبيبة بإيقاف المنقوش أشار إلى أنه لم يكن على علم بالاجتماع. ومع ذلك، قال اثنان من كبار المسؤولين في الحكومة الليبية لوكالة “أسوشيتد برس” إن رئيس الوزراء كان على علم بالمحادثات بين وزيرة خارجيته ونظيرها الإسرائيلي.

وقال أحد المسؤولين إن الدبيبة أعطى الضوء الأخضر للاجتماع الشهر الماضي عندما كان في زيارة إلى روما، وأضاف أن مكتب رئيس الوزراء رتب اللقاء بالتنسيق مع المنقوش.

وقال المسؤول الآخر إن اجتماع المنقوشكوهين استمر نحو ساعتين، وأن المنقوش أطلعت رئيس الوزراء على تفاصيله مباشرة بعد عودتها إلى طرابلس، وأضاف المسؤول إن الاجتماع كان مرتبطا بالجهود التي توسطت فيها الولايات المتحدة لجعل ليبيا تنضم إلى سلسلة من الدول العربية التي تقيم علاقات دبلوماسية مع إسرائيل.

تمت مناقشة تطبيع العلاقات بين ليبيا وإسرائيل لأول مرة في اجتماع بين الدبيبة ومدير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية (CIA) ويليام بيرنز، الذي زار العاصمة الليبية في يناير، حسبما قال المسؤول.

ولقد أعطى رئيس الوزراء الليبي موافقته المبدئية على الانضمام إلى “اتفاقيات إبراهيم” التي تتوسط فيها الولايات المتحدة، ولكنه أعرب عن خشيته من رد الرأي العام في بلد يُعرف عنه دعمه للقضية الفلسطينية، وفقا للمسؤول.

وتحدث كلا المسؤولين شريطة عدم الكشف عن اسميهما خوفا على سلامتهما.

رئيسة الوزراء الإيطالية جيورجيا ميلوني (في الوسط) تقف مع رئيس المجلس الرئاسي الليبي محمد المنفي (على اليسار) ورئيس الوزراء الليبي عبد الحميد الدبيبة، لدى وصولهما لحضور مؤتمر دولي حول الهجرة في روما، 23 يوليو. 2023. (AP Photo/Gregorio Borgia)

في غضون ذلك، أصدرت وزارة الخارجية في القدس ردها الرسمي الأول بعد انتقادات واسعة تعرض لها كوهين لقيامه بنشر خبر الاجتماع مع المنقوش رسميا، في محاولة على ما يبدو لتحويل المسؤولية عن إعلانه من خلال الادعاء بأنه أصدره فقط بعد “تسريب” تفاصيل حول اللقاء لم يكن مكتبه ولا الوزارة وراءه.

وقالت الوزارة في بيان إن “وزير الخارجية ووزارة الخارجية ملتزمان بتوسيع علاقات إسرائيل الخارجية… إن التسريب بشأن اللقاء مع وزيرة الخارجية الليبية لم يأت من وزارة الخارجية أو من مكتب وزير الخارجية”.

في وقت سابق، قال دبلوماسي إسرائيلي لـ”تايمز أوف إسرائيل” إن القدس كشفت عن عقد الاجتماع قبل أيام من الموعد المقرر بسبب تسريب تفاصيله لوسائل الإعلام بالفعل.

ونقلت وسائل إعلام عبرية عن مسؤولين حكوميين كبار قولهم إن كوهين تسبب بضرر جسيم للعلاقات الخارجية الإسرائيلية، وحذروا من أن القادة العرب سيرتدعون من إقامة علاقات أقوى.

وعلق زعيم المعارضة يائير لبيد في بيان قائلا إن “الدول تنظر إلى التسريب غير المسؤول هذا الصباح بشأن لقاء وزيري خارجية إسرائيل وليبيا وتسأل نفسها: هل هذه دولة يمكن إدارة العلاقات الخارجية معها؟ هل هذه دولة يمكن الوثوق بها؟”.

وتابع قائلا إن “الحادث مع وزيرة الخارجية الليبية كان غير محترف وغير مسؤول وفشل فادح في التقدير”، مضيفا: “هذا صباح عار وطني وتعريض حياة للخطر من أجل عنوان رئيسي”.

وفي تصريحات خارجة عن النص خلال حفل لمتطوعي الخدمة الوطنية يوم الخميس، قال كوهين للجمهور إنه متحمس لاستكشاف إسرائيل علاقات مع دولة إسلامية أخرى. ولم يذكر ليبيا بالاسم، لكن مساعديه سعوا إلى قطع تصريحاته بالرغم من ذلك.

وقالت وزارة الخارجية في بيانها الأحد إن كوهين والمنقوش تحدثا في إيطاليا الأسبوع الماضي، في أول اجتماع رسمي على الإطلاق بين كبار دبلوماسيي البلدين، لمناقشة إمكانية التعاون والحفاظ على مواقع التراث اليهودي في ليبيا. وأضافت الوزارة أن الاجتماع ناقش أيضا المساعدات الإنسانية الإسرائيلية والمساعدة في الزراعة وإدارة المياه ومواضيع أخرى.

ووصف كوهين اللقاء بأنه “تاريخي” و”خطوة أولى” في إقامة العلاقات بين البلدين.

وزير الخارجية إيلي كوهين يحضر حدثًا في وزارة الخارجية في القدس، 17 مايو، 2023. (Oren Ben Hakoon/Flash90)

ولكن في تحول سريع للأحداث بدا وكأنه يسحق فكرة التقدم الهادف في العلاقات بين البلدين الذي ألمح إليه كوهين، نفت الحكومة الليبية أن يكون قد تم إضفاء الطابع الرسمي على اللقاء مسبقا وسعت إلى التقليل من أهميته.

وأكدت وزارة الخارجية الليبية، في بيانها، على أن “ما حدث في روما هو لقاء عارض غير رسمي وغير مُعد مسبقا، أثناء لقاء مع وزير الخارجية الإيطالي، ولم يتضمن أي مباحثات أو اتفاقات أو مشاورات بل أكدت فيه الوزيرة ثوابت ليبيا تجاه القضية الفلسطينية بشكل جلي وغير قابل للتأويل واللبس”.

وشدد البيان على أن الوزارة “تنفي… جملة وتفصيلا ما ورد من استغلال من قبل الصحافة العبرية والدولية ومحاولتهم إعطاء الحادثة طابع اللقاء أو المحادثات أو حتى الترتيب أو مجرد التفكير في عقد مثل هكذا لقاءات”.

وجددت ” وزارة الخارجية رفضها التام والمطلق للتطبيع مع الكيان الصهيوني، وتؤكد مرة أخرى أن موقفها ثابت تجاه القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني الشقيق”.

يوم الأحد أيضا، كتب رفائيل لوزون، رئيس اتحاد اليهود الليبيين، على فيسبوك باللغة العربية  أن “هناك من عمل بجد خلف الكواليس من أجل هذا”، مما أثار تكهنات في الصحافة الليبية بأنه قد يكون لعب دورا في تنظيم الاجتماع.

أشخاص يحرقون قميصا يحمل صورة وزير الخارجية الإسرائيلي إيلي كوهين ونظيرته الليبية نجلاء المنقوش في طرابلس، ليبيا، 27 أغسطس، 2023. (AP Photo / Yousef Murad)

ولكن في مقابله أجراها معه “تايمز أوف إسرائيل”، قال لوزون أنه لم يكن منخرطا في الاجتماع الدبلوماسي الأخير، لكنه وصف الاتصالات الأولى التي قام بتسهيلها بين مسؤولين إسرائيليين وليبيين رفيعي المستوى قبل حوالي ست سنوات، مما فتح الطريق أمام اللقاء الذي عُقد في الأسبوع الماضي.

كانت هناك جالية يهودية كبيرة في ليبيا حتى غادر معظم أفرادها في الفترة المحيطة بتأسيس دولة إسرائيل. ولا يُعتقد أن هناك وجود يهودي في ليبيا اليوم.

انزلقت ليبيا إلى حالة من الفوضى بعد أن أطاحت الثورة التي دعمها حلف شمال الأطلسي (الناتو) بالدكتاتور معمر القذافي قبل أن يُقتل في عام 2011. ودخلت البلاد في الفوضى التي تلت ذلك، مع إدارات متنافسة في الشرق والغرب مدعومة بميليشيات مارقة وحكومات أجنبية.

تمثل المنقوش الحكومة المعترف بها من قبل الأمم المتحدة والتي تتخذ من طرابلس مقرا لها.

وفي حين لم تكن هناك علاقات بين إسرائيل وليبيا على الإطلاق، فقد ترددت أنباء منذ فترة طويلة عن اتصالات بين نجل القذافي، سيف الإسلام، ومسؤولين إسرائيليين. ويبدو أن القذافي نفسه تواصل مع إسرائيل في عدد من المناسبات، بما في ذلك للدفع باقتراحه لإقامة دولة إسرائيليةفلسطينية موحدة، أطلق عليها اسم “إسراطين”.

في عام 2021، أفادت تقارير أن نجل أمير الحرب الليبي خليفة حفتر زار إسرائيل لعقد اجتماع سري مع مسؤولين إسرائيليين عرض فيه إقامة علاقات دبلوماسية بين البلدين مقابل الدعم الإسرائيلي.

ساهمت في هذا التقرير وكالات