اخبار الإمارات

استغلال إيران لحرب غزة وضغطها على الأردن

(رويترز)

(رويترز)

الأربعاء 1 نوفمبر 2023 / 09:56

إيران لم تعد تكتفي بوجودها العسكري في الجنوب السوري للضغط على الأردن وتهريب المخدرات عبره، هناك ميليشيات عراقية تابعة لـ”الحرس الثوري” تسعى إلى وقف تزويد الأردن بأي نفط عراقي بأسعار مخفضة.

تستغل إيران حرب غزة من أجل تعزيز مواقعها في المنطقة العربية

تستغل إيران حرب غزة من أجل تعزيز مواقعها في المنطقة العربية، بدءاً بالعراق وصولاً إلى اليمن، مروراً بسوريا ولبنان. كشفت حرب غزة أن لبنان ليس سوى ورقة إيرانية.. قرار الحرب والسلم في لبنان بيد الحزب، أي في يد “الجمهوريّة الإسلامية” التي ذهب وزير خارجيتها حسين أمير عبداللهيان إلى الأمم المتحدة في نيويورك ليقول إن بلده على استعداد لقطف ثمار حرب غزة.. أكد الوزير الإيراني من نيويورك أن ورقة الرهائن الإسرائيليين في يد طهران وأنها مستعدة للدخول في صفقة مع أمريكا وإسرائيل محورها الرهائن.

لم تتردد إيران في استخدام ورقة حرب غزة وعلاقتها القوية، حتى لا نقول العضوية، بـ حماس.. ليست حماس سوى استثمار من بين استثمارات إيران في نشر فوضى السلاح حيث استطاعت.

كان لافتاً في الأيام القليلة الماضية الضغوط الإيرانية التي تمارس على الأردن عبر العراق وعبر جماعة الإخوان المسلمين في داخل المملكة.. لم تعد إيران تكتفي بوجودها العسكري في الجنوب السوري للضغط على الأردن وتهريب المخدرات عبره والسلاح إليه. هناك ميليشيات عراقية تابعة لـ “الحرس الثوري” تسعى إلى وقف تزويد الأردن بأي نفط عراقي بأسعار مخفضة بموجب اتفاقات رسمية بين الجانبين.. نجحت هذه الميليشيات في وقف حركة نقل النفط العراقي إلى الأردن طوال يومين.. بعثت بالرسالة الإيرانيّة المطلوب إرسالها إلى عمّان.

غالباً ما يهاجم نواب وقيادات في الفصائل المسلحة العراقية، بما في ذلك التيار الصدري، مشروع تصدير النفط إلى الأردن بحجة علاقة المملكة مع إسرائيل، لكن خبراء في الاقتصاد يرون أن السبب الحقيقي لموقف هذه الميليشيات التابعة لإيران يعود إلى تطوير العلاقات الاقتصادية للعراق مع الأردن والمملكة العربية السعودية.. تخشى الميليشيات المذهبية العراقية من أن ينعكس ذلك سلباً على إيران التي شهدت تراجعاً في حجم التجارة بينها وبين العراق خلال الأشهر الماضية.

ما حدث على الأرض، واستمر يومين، هو تجمع للمئات من أنصار الفصائل المسلحة الموالية لإيران، بما فيها حركة “النجباء” و”كتائب حزب الله” و”كتائب سيد الشهداء” و”عصائب أهل الحق”، عند الحدود العراقية – الأردنية قرب منفذ طريبيل الحدودي.. تجمع أنصار الميليشيات مدة يومين بحجة التنديد بالحرب الإسرائيلية على غزة، مؤكدين استمرار الاعتصام حتى رفع الحصار عن القطاع، وأظهرت مقاطع مصورة معتصمين يقطعون بأجسادهم طريق ناقلات النفط، ويقول أحدهم “لن نسمح بمرور قطرة نفط واحدة إلى الدولة المطبّعة مع الكيان الصهيوني”.

كان يمكن تصديق مثل هذا النوع من الكلام الذي لا علاقة له بالواقع لو كان لمثل هذه الميليشيات وجود لولا الدعم الإيراني الذي يعود إلى ثمانينات القرن الماضي.. هذه ميليشيات شاركت في الحرب العراقية – الإيرانية إلى جانب “الجمهوريّة الإسلامية” وليس إلى جانب العراق.. صحيح أن موضوع كيف بدأت هذه الحرب التي استمرت ثماني سنوات لا يزال موضع أخذ وردّ، لكن الصحيح أيضاً أن هذه الميليشيات، التي عادت إلى بغداد على دبابة أمريكية، لا يمكن أن تكون سوى أداة إيرانية أخرى.

تُستخدم هذه الميليشيات في الداخل العراقي لضرب أي حكومة تسعى إلى إيجاد نوع من الاستقلالية العراقية تجاه “الجمهوريّة الإسلامية” وتأكيد العلاقات ذات الجذور التاريخية والطبيعية بين العراق ومحيطه العربي.. ترفض هذه الميليشيات أي حكومة عراقية تعبّر عن وجود نوع من الانتماء للعراق، بما في ذلك بين الشيعة العرب في بلاد الرافدين.. تعارض أي حكومة تسعى إلى علاقات حسن جوار ذات طبيعة متوازنة بين بغداد وطهران وتمارس أيضاً انفتاحاً على دول الخليج العربي والأردن.

من الواضح، أن اللعبة الإيرانيّة مكشوفة إلى حد كبير.. المهم تسجيل نقاط أخرى في المنطقة في سياق مشروع توسعي ليس معروفاً ما هي نظرة الولايات المتحدة إليه.. هل تعي الإدارة الأمريكية الحالية خطورة هذا المشروع أم ترضخ للرغبة الإيرانية في عقد صفقة معها؟

مثل هذا السؤال يطرح نفسه بحدة في ضوء الحرب الدائرة في غزة من جهة واختيار إيران، بين خيارات أخرى، الضغط على الأردن من جهة أخرى.. تفعل ذلك من منطلق أن الأردن حلقة ضعيفة، من وجهة نظر طهران، بسبب هياج بعض مواطني المملكة من الذين ينتمون إلى جماعة الإخوان المسلمين.. هؤلاء يريدون الدخول في مزايدات لا طائل منها رافضين الاعتراف بالدور الأردني في دعم قيام دولة فلسطينية مستقلة وإبقاء هذه القضية حية.. هؤلاء المزايدون لا يفهمون أنهم بتنظيم تظاهرة في عمان تطالب بإلغاء اتفاق السلام الأردني – الإسرائيلي إنما يضعون أنفسهم في خدمة اليمين الإسرائيلي.. اتفاق وادي عربة حمى الأردن ووضع حداً لأي تفكير إسرائيلي في وطن بديل للفلسطينيين.

هؤلاء المزايدون في الأردن الذين يرفضون الاعتراف بالدور الأردني في إيجاد نوع من الاستقرار الإقليمي يشاركون، من حيث يدرون أو لا يدرون، في اللعبة الإيرانية التي تصب في اتجاه تصفية القضية الفلسطينية بعد الانتهاء من المتاجرة بها.

لا بد من امتلاك شجاعة قول ما يجب قوله في هذه الأيام التي تمر فيها المنطقة كلها في مخاض بعدما كرست حرب غزة، الغريبة من نوعها، وجود خارطة سياسية جديدة في المنطقة.. ستتبلور في ضوء هذه الخارطة السياسية، التي غيرت بين ما غيرت إسرائيل نفسها والعلاقة بين الدولة العبرية وبين الولايات المتحدة.. ستكون هناك خارطة جغرافية مختلفة قد يكون فيها مكان لدولة فلسطينية.. من يستطيع ضمان قيام مثل هذه الدولة المسالمة غير المجتمع العربي، خصوصاً الأردن ودول الخليج، والمجتمع الدولي.. بعيداً عن المشروع التوسعي الإيراني؟