اخبار فلسطين

مع ارتفاع التوتر في الضفة الغربية، تشهد القدس أجواء رمضانية هادئة، لكن الإختبار الأكبر لا يزال في الإنتظار

في العام الماضي فقط، كانت الاشتباكات في القدس أول حجر دومينو يسقط في سلسلة من الأحداث التي أدت إلى حرب دامية بين إسرائيل وحركة حماس. لكن حتى في الوقت الذي تشهد فيه مدن في وسط إسرائيل وشمال الضفة الغربية موجة من الهجمات الفلسطينية وعمليات للجيش الإسرائيلي بهدف إحباط المزيد من الهجمات في الأسابيع الأخيرة، ظلت المدينة المتنازع عليها هادئة.

لا يزال الوضع في القدس متوترا كما كان دائما، لكن هذه المرة نقاط الاحتكاك في مكان آخر. قُتل 14 شخصا في أربع هجمات في وسط وجنوب إسرائيل منذ أواخر مارس. وصعّدت القوات الإسرائيلية من مداهماتها واعتقالاتها في أنحاء الضفة الغربية، مما أدى إلى اشتباكات متكررة مع الفلسطينيين.

قُتل 15 فلسطينيا في انحاء الضفة الغربية في اشتباكات مع جنود اسرائيليين في الاسبوعين الأخيرين. عدد منهم قُتل خلال اشتباكات بالأسلحة النارية مع القوات الإسرائيلية، بينما كان آخرين على ما يبدو مدنيين عزل قُتلوا عن طريق الخطأ.

يقول سامر السنجلاوي، وهو ناشط منشق عن حركة فتح ومقرب من الزعيم الفلسطيني المنفي محمد دحلان، “متى ستأتي العاصفة؟ لا أحد يعلم. لكن الطقس سيء”.

قد تشتعل النيران المستعرة في أنحاء الضفة الغربية قريبا في القدس. والأكثر إثارة للقلق هو أن شهر رمضان هذا العام يتزامن مع عيدي الفصح اليهودي والمسيحي، حيث يمكن أن تؤدي الحماسة الدينية المتزايدة إلى تصعيد التوترات؛ ولقد حذر مسؤولون منذ شهور من أن تزامن الأعياد معا قد يشعل فتيل تصعيد للعنف.

حتى الآن، لا تزال المدينة هادئة. خلال الأيام الأولى من شهر رمضان، اندلعت اشتباكات متفرقة بين الفلسطينيين والشرطة عند باب العامود، مما أدى إلى سقوط بعض الجرحى والاعتقالات. لكن أعمال العنف في المدينة تراجعت خلال الأيام القليلة الماضية، حتى مع انتشارها كالنار في الهشيم في أنحاء الضفة الغربية.

تم نزع فتيل بعض القضايا الأكثر اشتعالا التي أخرجت الفلسطينيين إلى شوارع القدس العام الماضي مع حلول شهر رمضان هذا العام. في العام الماضي، التف فلسطينيون في المدينة ومن حول العالم حول قضية عائلات فلسطينية في الشيخ جراح كانت على وشك أن تُطرد من منازلها من قبل جماعات يهودية قومية.

لكن المحاكم الإسرائيلية علقت في مارس العديد من عمليات الإخلاء بما في ذلك للعائلات الأربع التي ساعدت قضيتها في إشعال فتيل حرب غزة في مايو من العام الماضي. وشهدت عائلة أخرى، وهي عائلة سالم، تجميد إجلائها بأمر من المحكمة بعد أن كان من المقرر ترحيلها في الأصل في شهر أبريل.

فلسطينيون ونشطاء يشاركون في مظاهرة في حي الشيخ جراح شرق القدس، 18 فبراير، 2022. (Photo by RONALDO SCHEMIDT / AFP)

نظر دبلوماسيون أمريكيون وعرب إلى شهر أبريل بقلق منذ حرب العام الماضي. وبينما لم يتنبأ أحد بسلسلة الهجمات المميتة الأخيرة، قام مسؤولون عرب وإسرائيليون وأمريكيون بجولات مكوكية بين عواصمهم في محاولة لضمان مرور الشهر بهدوء، مع التركيز بشكل كبير على القدس.

على الأرض ، يبدو أن الشرطة الإسرائيلية تعلمت دروسا من التصعيد الذي شهدته القدس العام الماضي.

امتنعت الشرطة بشكل ملحوظ عن استخدام تكتيكات صارمة استخدمتها في العام الماضي. بدلا من استخدام خراطيم المياه على فتية فلسطينيين يقومون برشقها بالزجاجات، دخلت عناصر الشرطة بين الحشود واعتقلت افرادا.

وصف مراقب الشرطة أمير بن كيكي رد الشرطة بأنه “متناسب”. سعى الشرطيون إلى اعتقال مثيري الشغب بينما عملوا على ضمان عدم ازعاج المصلين والتجار، بحسب بن كيكي.

وقال بن كيكي، وهو ضابط كبير في الشرطة في قسم القدس الشرقية، في مقابلة هاتفية الأسبوع الماضي: “لقد تصرفنا ب دقيقة ضد أولئك الذين انتهكوا القانون”.

ولم تكن الاشتباكات الليلية خالية من اللقطات التي أظهرت عنف الشرطة. في بعض مقاطع الفيديو، يمكن رؤية أفراد الشرطة وهم يحملون الهراوات ويضربون بها فلسطينيين بدون سبب واضح.

ومع ذلك، فإن التناقض مع شهر رمضان الماضي صارخ. بدأت أعمال العنف الليلية التي اجتاحت العاصمة في أبريل الماضي بعمل بوليسي غير حكيم: تطويق درجات باب العامود ومنع الفلسطينيين من الجلوس هناك خلال ليالي رمضان الطويلة الحارة.

فلسطينيون يتجمعون ويلوحون بالعلم الفلسطيني عند باب العامود في البلدة القديمة بالقدس، خلال شهر رمضان المبارك، 26 أبريل، 2021. (Olivier Fitoussi / Flash90)

وصف متحدثون باسم الشرطة الإسرائيلية الحواجز العام الماضي بأنها محاولة وقائية للسيطرة على أعمال الشغب. رأى العديد من الفلسطينيين في ذلك اعتداء على تقليد مقدس وثمين: خلال شهر رمضان، يتحول باب العامود إلى احتفالية فلسطينية وسط مدينة القدس.

لكن ليلة بعد ليلة، أطلقت الشرطة الإسرائيلية تيارات لا نهاية لها من مياه الآسن ذات الرائحة الكريهة  على الحجارة البالية في ساحة باب العامود في محاولة لتفريق الفلسطينيين. ألقت عناصر الشرطة القنابل الصوتية على المتظاهرين دون تفكير بالعواقب، بينما ألقى الفلسطينيون زجاجات المياه والحجارة على سيارات جيب مدرعة.

ادعت الشرطة إن التكتيكات القاسية ضرورية للتصدي للمحتجين الفلسطينيين بفعالية. ولكن يبدو أن هذه التكتيكات جاءت بنتائج عكسية، وحثت المزيد من الفلسطينيين على الانضمام إلى المواجهات الليلة وزادت التوتر في جميع أنحاء المدينة.

يقول أهارون أكسول، وهو ضابط شرطة كبير سابق قاد قسم العمليات في الشرطة الإسرائيلية قبل أن يتقاعد في عام 2016، “باب العامود هو مركز تجاري رئيسي. إذا كان بإمكانك تحقيق نفس النتيجة بوسائل أكثر هدوءا، دون أن يُنظر إليها على أنها ضعف فما المانع؟”

عناصر شرطة الحدود الإسرائيلية تتخذ مواقعها خلال اشتباكات بين قوات الأمن الإسرائيلية وفلسطينيين بالقرب من باب العامود، خارج البلدة القديمة في القدس، خلال شهر رمضان، 4 أبريل، 2022. (AP Photo / Mahmoud Elean)

من أكثر الصور اللافتة للنظر التي ظهرت من الاشتباكات الأخيرة كانت تقسيم الشاشة بصورة تكاد تكون منافية للعقل. على جانب من الشارع، اشتباكات محدودة بين بضع عشرات من الشبان والدرك. لكن في الأزقة المحيطة وفي الساحة الرئيسية، تستمر الغالبية العظمى من الفلسطينيين في المنطقة باحتفالاتها بالشهر الفضيل.

وقال أكسول: “بالنسبة لأربعين طفلا أو نحو ذلك، لا توجد هناك حاجة لكل خراطيم المياه والقنابل الصوتية. بهذه ال، تجعل الحدث أكثر بكثير مما هو عليه بالفعل”.

كما يرى السنجلاوي، الناشط في حركة فتح، حدوث تغيير كما يبدو في تكتيكات الشرطة.

وقال “حتى الآن، لم يستخدموا القنابل الصوتية أو خراطيم المياه. إن هذا نتيجة ضغط من الحكومة الإسرائيلية”.

سارع ضابط شرطة سابق ثان، تم الاتصال به للحصول على تعليق على الهدوء النسبي في القدس، إلى رفض فكرة أن المدينة ستبقى هادئة: “لا تستخلص استنتاجاتك في وقت مبكر جدا”.

بعد كل شيء، لا يزال التحدي الأكبر في المدينة قادما في نهاية هذا الأسبوع. سيدخل عشرات الآلاف من فلسطينيي الضفة الغربية يوم الجمعة للصلاة في المسجد الأقصى، ثالث أقدس مزار في الإسلام.المكان يُعتبر الأقدس في اليهودية أيضا، حيث أنه كان موقع الهيكلين التوراتيين.

سوف يعبر معظم المصلين في رمضان إلى إسرائيل دون تصاريح، كجزء من سياسة لتخفيف القيود الإسرائيلية المشددة عادة على حركة الفلسطينيين بمناسبة شهر رمضان.

الفلسطينيون يؤدون صلاة العصر في الحرم القدسي ، الذي يضم المسجد الأقصى، في البلدة القديمة بالقدس ، في 8 أبريل 2022 ، خلال أول جمعة من شهر رمضان المبارك.(Ahmad Gharabli/AFP)

من وجهة النظر الإسرائيلية، تنطوي السياسة على مخاطر أمنية واضحة. لكن إذا قامت السلطات بتشديد القيود على الفلسطينيين الذين يسعون للعبادة بحرية خلال الشهر الكريم، فقد يؤدي ذلك إلى تصعيد الوضع أكثر.

يقول أريك باربينغ، وهو مسؤول كبير سابق في جهاز الأمن العام (الشاباك)، “بمجرد أن أقوم بفتح البوابة لدخول سكان الضفة الغربية إلى القدس، هناك بكل تأكيد مخاطرة هنا”، لكنه أضاف أنه يؤيد هذه “المخاطرة” رغم التوترات المتصاعدة.

في غضون ذلك، تعهد قوميون يهود بدخول الحرم القدسي يوم الأحد. أكثرهم تطرفا تعهدوا بمحاولة تقديم قرابين وفقا لأضحية عيد الفصح اليهودي التي تنص التوراة على تقديمها. هذه المحاولات تحدث سنويا، لكن الإعلان عن الخطوة هذا العام أشعل فتيل التوترات مع الفلسطينيين.

اعتبرت حركة حماس والفصائل الفلسطينية في غزة الحرم القدسي مرارا وتكرارا خطا أحمر. في العام الماضي، سبقت اشتباكات في الموقع اقتحامات مكثفة للشرطة الإسرائيلية شكلت معا الشرارة النهائية التي أدت لاندلاع الحرب.

من المرجح أن تقوم الشرطة الإسرائيلية بالتصدي للأشخاص الذين يعتزمون تقديم القرابين، كما فعلت في السنوات الماضية. لكن دعواتهم اكتسبت بالفعل زخما كبيرا في وسائل الإعلام الفلسطينية وتصدرت عناوينها.

وقال السنجلاوي: “إنكم تواصلون اختبار هذا العصب، هذا العصب الحساس للغاية. انتم تواصلون صب البارود على النار ولن يكون بإمكانكم التحكم في النتيجة”.