اخبار المغرب

الحوار الاستراتيجي بين الرباط وبرلين يفتح آفاقا واعدة للشراكة الاقتصادية

في أعقاب زيارة ناصر بوريطة، وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، أمس الخميس، إلى جمهورية ألمانيا الاتحادية، اتفق البلدان على إطلاق الحوار الاستراتيجي متعددة الأبعاد، الذي سيستضيفه البلدان بشكل دوري مرة كل عامين.

وتعكس هذه الخطوة رغبة كل من الرباط وبرلين في إعطاء دفعة قوية للشراكة التي تربطهما وتعزيز التعاون الثنائي على كافة الأصعدة، خاصة على المستوى الاقتصادي، بعدما فتح البلدان صفحة جديدة في العلاقات بينهما، إثر خلافات سابقة حول ملف الصحراء المغربية أنهتها زيارة قادت وزيرة الخارجية الألمانية، العام الماضي، إلى المملكة، اتفق خلالها الجانبان على إقامة علاقات ثنائية مبنية على التعاون والمصالح المشتركة.

ومنذ ذلك الحين، شهدت علاقات البلدين تطورا ملحوظا توضحه الأرقام وأوجه التعاون بين البلدان على جميع المستويات، خاصة المجال الأمني والاقتصادي والبيئي؛ فيما يرى متتبعون أن هذه العلاقات مقبلة بالتأكيد على مراحل واعدة، بالنظر إلى المصالح المتبادلة والشراكات الاستراتيجية بين الطرفان.

حلقة وصل وشريك أساسي

سفيان بوحسين، باحث في الشأن الألماني، قال إن “المغرب يعد حلق وصل مهمة بين الشمال والجنوب، خاصة على المستوى الاقتصادي، حيث تعتبر الرباط شريكا أساسيا للاتحاد الأوروبي وألمانيا في شمال إفريقيا”، مبرزا أن “البلدين تربطهما شراكة اقتصادية وتجارية مهمة؛ ففي العام الماضي لوحده، استوردت ألمانيا من الرباط بضائع بقيمة 2,1 مليارو يورو، في حين تم تصدير أكثر من 2,8 مليارات يورو. كما احتلت ألمانيا المركز السادس في الميزان التجاري المغربي برسم سنة 2021، أضف إلى ذلك أن حوالي 300 شركة برأسمال ألماني ممثلة في المغرب”.

كما تعد السوق الألمانية واحدة من كبريات الأسواق العالمية للسياحة المغربية، حيث “شكل السياح الألمان ما نسبته 6 في المائة من مجموع السياح الوافدين على المملكة في عام 2019″، أوضح المتحدث عينه، مشيرا إلى أن “البلدين سيستفيدان من الشراكة التي تربطهما انطلاقا من منطق رابح-رابح، كما أن هناك مجموعة من القطاعات التي يود الطرفان تعميق التعاون بشأنها خاصة في مجال الطاقات المتجددة”.

وحول العوامل التي تجعل المغرب شريكا اقتصاديا مهما بالنسبة لألمانيا، أورد بوحسين أن “القرب الجغرافي من أوروبا إضافة إلى البنيات التحتية المغربية والخدمات اللوجستية الفعالة، فضلا عن عوامل الإنتاج والاستقرار السياسي الذي يزخر به المغرب، دون أن ننسى الجهود التي تقودها المملكة من أجل تسريع وتيرة الانتقال الطاقي وتوطين الصناعات النظيفة، إضافة إلى توفر يد عاملة مؤهلة كلها عوامل جاذبة للاستثمار الألماني وتعزز من موقع المغرب كشريك موثوق بالنسبة لبرلين”.

في الصدد ذاته تابع المتحدث عينه بأن “الرباط توفر أساسا جيدا للمشاركة في قطاعات التكنولوجيات الفائقة، لا سيما في مجالات الهندسية والبحث والتطوير، كما يقدم المغرب نفسه كموقع قريب في سلاسل القيمة الأوربية؛ وهو ما يعززه ميثاق الاستثمار الجديد”.

وخلص المتحدث ذاته، ضمن تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، إلى أن “المغرب يزخر بإمكانيات كبيرة خاصة على مستوى إنتاج وتصدير الهيدروجين الأخضر؛ وهو ما يمكن أن يكون ذا أهمية كبيرة بالنسبة لألمانيا. ومن ثم، فإن الشراكة، التي تعكس اللقاءات الأخيرة بين مسؤولي البلدين رغبة هذين الأخيرة في تطويرها والرقي بها، مقبلة بالتأكيد على آفاق واعدة”.

شراكة ثنائية وتحالف طاقي

من جهته، اعتبر إبراهيم وبها، باحث في العلاقات المغربية الألمانية، أن “المغرب يعد أحد أهم الشركاء التجاريين بالنسبة لألمانيا في شمال إفريقيا، إذ تصدر ألمانيا نحو المغرب منتجات عديدة تتمثل أساسا في السيارات والشاحنات إضافة إلى المنتجات الكهربائية؛ فيما تصدر المملكة إلى برلين المنسوجات والمواد الغذائية، من قبيل الحوامض والأسماك والفواكه البحرية”.

في السياق ذاته أشار المتحدث عينه إلى أن “الرباط وبرلين، ومن أجل تقوية التبادل الاقتصادي بينهما، سبق أن شكلا، سنة 2012، لجنة اقتصادية مشتركة عهد إليها مهمة العمل والتباحث حول تطوير إمكانيات التعاون في مجالات متعددة؛ على غرار مجال الطاقات المتجددة والبنيات التحتية والقطاع الفلاحي، هذا الأخير يعتبر المغرب شريكا أساسيا لألمانيا فيه”.

“كما تدعم برلين مسار التحديث التنموي الذي تقوده المملكة”، أوضح الباحث وبها، مبرزا أن “التعاون الإنمائي بين البلدين يركز أساسا على مجالات التنمية الاقتصادية والمناخ والطاقات المتجددة، أضف إلى ذلك أن الرباط جزء من مبادرة ميثاق مجموعة العشرين مع إفريقيا لتحسين الظروف الإطارية للاستثمار الخاص”.

وحول الشراكة بين البلدين في مجال الطاقات المتجددة، أوضح أن “شراكة الهيدروجين الألمانية المغربية، التي بدأت في سنة 2020، ستوفر فرصا كبيرا للبلدان في هذا القطاع، خاصة أن الرباط تحتل مكانة متميزة في هذا الصدد ولديها مشروع طموح وهو أن تصبح السوق العالمية الرائدة في إنتاج الهيدروجين الأخضر بدعم ألماني”.

في الصدد ذاته أبرز الباحث عينه أنه “من المقرر أن يدعم بنك التنمية الألماني بناء مصنع للهيدروجين بالمغرب بقيمة متوقعة تبلغ 300 مليون يورو، اعتبارا من سنة 2025؛ فيما يُتوقع أن تتلقى ألمانيا مستقبلا الهيدروجين المغربي الأخضر”، موضحا أنه “مع التحالف الألماني المغربي يمكن للمملكة أن تحقق قفزة نوعية في مسلسل الانتقال الطاقي؛ ومن ثم تقليل اعتمادها على الوقود الأحفوري واستيراد الطاقة الأحفورية”.

وخلص المتحدث عينه، ضمن تصريح لجريدة هسبريس، إلى أن “العلاقات المغربية الألمانية أصبحت تتميز بالاستقرار والثبات نظرا للمصالح المتبادلة بين الطرفان. كما أن ألمانيا نموذج ناجح على مستويات عديدة، يمكن للمغرب الاستفادة منه لإغناء تجربته الطموحة. وعليه، فإن التبادل الوثيق بين البلدين سيكون بالتأكيد مثمرا وإيجابيا، خاصة فيما يتعلق بمجالات المقاولة واللامركزية وتدبير التنوع اللغوي والثقافي وتحقيق التنمية المستدامة بنا يخدم مصالح الشعبين الألماني والمغربي”.