اخبار الإمارات

مُساهمات المسلمين التطوّعية في الغرب التزام بقيم الدين والعلمانية

السبت 6 مايو 2023 / 11:57

يعيش عدد كبير من المسلمين اليوم في الغرب، في مجتمعات علمانية تحوّل فيها الإسلام إلى دين للأقلية، وتشهد هذه المجتمعات صراعاً اجتماعياً كبيراً بين الجاليات المسلمة والمجتمع الأوسع، مع حرص غالبية المسلمين على تأكيد أنّهم مواطنين فاعلين إيجاباً في دول الغرب بعيداً عن تدخلات الإسلام السياسي وتنظيم الإخوان الإرهابي.

وفي السنوات الأخيرة، برز اهتمام متزايد بين المسلمين الذين يعيشون في الدول الغربية بالتطوّع، وهم غالبًا أصغر سنّاً من معظم المتطوعين الآخرين. وأصبحت الرغبة في فعل شيء مفيد لمُجتمعهم الأم وللمُجتمع الأوسع حقيقة مرئية للعديد من الشباب المسلم والغربي على وجه الخصوص.
ويخوض كتاب “التطوّع عند المسلمين في الغرب، بين روح الإسلام والمواطنة” ضمن سلسلة “اتجاهات جديدة في الإسلام” التي أصدرت منها دار “بالجريف ماكميلان” البريطانية للنشر الأكاديمي 8 كتب، في العديد من الطرق التي يتكيّف المسلمون في الغرب من خلالها بما ينسجم مع التقاليد المحلية للبلاد التي يعيشون فيها، ويتطوّرون بوصفهم يُمثّلون أقليات اجتماعية وثقافية في مُجتمعات علمانية.
ويُحدّد الكتاب الذي أصدرت طبعته العربية حديثاً مؤسسة “ميسلون للثقافة والترجمة والنشر” في باريس، السُّبل التي تظهر من خلالها الحالة الإسلامية المتدينة قريبة من المواطنة القائمة على المشاركة بالمعنى العلماني، ويُمثِّل إسهاماً مهماً يُثري النقاش الذي يتصل بالقواعد والقيم التي يستمدّها المسلمون في إطار عملهم التطوّعي في الغرب من القراءات داخل الإسلام.
ويُغطّي مُعدّو الكتاب مظاهر متنوعة من التطوّع الإسلامي في كل من أمريكا الشمالية وأوروبا وأستراليا، من حماية البيئة إلى العمل التطوعي في مجال الصحة العقلية، مروراً بالكثير من المُساهمات التي تمّ دراستها بشكل نقدي وفق السياق الاجتماعي والسياسي الوطني والدولي، والذي يُنظر من خلاله إلى أشكال معينة من المشاركة المدنية للمسلمين بعين الريبة والشك من قبل البعض.
ويُعتبر الكتاب مرجعاً مُفيداً للطلاب والعلماء في علم الاجتماع والعلوم السياسية ودراسات المجتمع والدراسات الإسلامية، مع التركيز على اندماج المهاجرين ودراسات الشتات والعلاقات بين الأعراق. إذ يُقدّم توضيحات نظرية وتجريبية جديدة حول جوانب مختلفة من التطوّع الإسلامي كواجب ديني وكجزء من الحياة المجتمعية اليومية. ويوضح كيف تُضيف العقيدة الإسلامية جوانب جديدة مختلفة لفهم التطوع، ولكنها قابلة للتوفيق مع عدسة “المواطنة النشطة” في المشاركة المدنية السائدة في المجتمعات الغربية.

بين الاعتراف كمُشاركة اجتماعية والشك والرفض

ويلخص الكتاب تعقيدات التطوّع الإسلامي في المجتمعات الغربية في ظلّ العلمانية، ويضع مشاركتهم المدنية في إطار التضاريس غير الثنائية للمواطنة النشطة والأخلاق الإسلامية والتدين. وعلى سبيل المثال، فإنّ الكتاب يدرس كيفية إطلاع المتطوعات المسلمات في بلجيكا على الخطابات العلمانية والليبرالية، وكيف يُفترض أن يأخذن هذه الخطابات كنقطة مرجعية أثناء تعزيز تدينهن في المجال العام.
كما ويستكشف الكتاب دور المسلمين في حماية البيئة في الولايات المتحدة وبريطانيا، ويتخذ من تأطير البيئة كواجب ديني ركيزة لتحفيز العمل. ويبحث على وجه الخصوص في كيفية تفسير النشطاء المسلمين حماية البيئة على أنها واجب ديني مُستوحى من القراءات البيئية للنصوص الإسلامية وعلوم الدين.
ويبقى الشغل الشاغل للمتطوعين هو أن يكون اعتناقهم للدين الإسلامي متوافقاً مع المعايير العلمانية الليبرالية ومحاولة دمج هذه التقاليد في حياتهم اليومية. ويمنحهم العمل التطوعي فرصة للتفاوض بشكل خلاق على هذه المساحات، حيث تُنظّم المجتمعات المسلمة في بلجيكا جلسات خيرية واحتفالات دينية، مع الحرص على احترام قوانين البلاد.
ولا يكتفي الكتاب بتحليل تجارب المسلمين التطوعية فحسب، بل يكشف أيضاً عن مدى قبول المؤسسات الاجتماعية والسياسية لممارساتهم. ويكشف أنّ المسار لا يكون دائماً سلساً حيث يمكن أن يخضع المسلمون للمراقبة وردّ الفعل العنيف بسبب نشاطهم. وفي بعض الحالات، يُعترف بالتطوّع الإسلامي على أنه أداء للمواطنة والمشاركة الاجتماعية، بينما في حالات أخرى يُقابل بالشك والخلاف.
يُذكر أنّ الكتاب من تحرير كل من ماريو بيوكر ومروة ريحان كايكجي باللغة الإنجليزية، وترجمة ربى خدام الجامع إلى اللغة العربية.
ماريو بيوكر زميل باحث بجامعة فيكتوريا (ملبورن) يعمل على دراسة نشاط الجاليات من الناحيتين العرقية والدينية على المستوى الاجتماعي والمواطنة وحركات اليمين المتطرف منذ عام 2003، في كل من أوروبا وأستراليا.
أما مروة ريحان كايكجي فهي زميلة في بحوث ما بعد الدكتوراه بجامعة غرناطة قسم الدراسات السامية. وتُشارك ضمن مشروع بحثي أوروبي تحت عنوان: التسامح الديني والسلام في بنية التراث الإسلامي بأوروبا. نالت شهادة الدكتوراه من جامعة لوفان بهولندا، قسم الأنثروبولوجيا الاجتماعية والثقافية.