اخبار المغرب

تقرير المجلس الأعلى للحسابات.. حكامة ضعيفة واختلالات بالجملة

طبقا للمقتضيات الدستورية، نشر مؤخرا المجلس الأعلى للحسابات تقريره السنوي. وقد تميز هذا التقرير عن سابقيه بكونه يهم سنتين (2019 و2020) وذلك لسبب يمكن فهمه بسهولة، حيث أن الحجر الصحي المفروض في مارس 2020 لمكافحة الجائحة والتدابير الاحترازية المتخذة للحد من التنقل خلال هذه الفترة، عوامل فرضت على قضاة المجلس الأعلى للحسابات تأجيل نشر تقرير 2019. ليتم اليوم نشر التقرير في صيغتيه: صيغة ملخصة في 132 صفحة وصيغة كاملة في 533 صفحة باللغة العربية.

وانسجاما مع مهام المجلس الأعلى للحسابات التي حددها قانون 99-62 في شكل مدونة المحاكم المالية، فإن التقرير المذكور قد تمحور حول النقط الآتية: التدقيق والبث في حسابات الأجهزة العمومية، التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية، مراقبة التسيير، تحليل مالية الأحزاب السياسية، مراقبة التصريح الإجباري بالممتلكات.

بخصوص التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية، فكلما اتضح للمجلس وجود مخالفات خطيرة تستدعي المتابعة، يلجأ إلى تطبيق المسطرة القضائية بشأنها، ويقرر العقوبات المناسبة والإجراءات التأديبية اللازمة. وعلى هذا الأساس أصدرت المحاكم المالية خلال سنتي 2019 و2020، ما مجموعة 287 حكما وقرارا في مادة التأديب المالي، تم بمقتضاها الحكم على الأشخاص المتابعين، والذين ثبت ارتكابهم لمخالفات تستوجب المساءلة في هذا المجال، بغرامات بلغ مجموعها 5228700.00 درهم، كما تم الحكم في بعض الحالات، بإرجاع مبالغ الخسارة التي تسببت فيها بعض المخالفات للأجهزة المعنية بما مجموعه 1338237.05 درهم.

“أما فيما يتعلق بالمخالفات المستوجبة للمسؤولية، فإن أغلب الأفعال والمؤاخذات موضوع القضايا قيد النظر أو التي بثت فيها المحاكم المالية، خلال سنتي 2019 و2020، تتعلق بحالات عدم التقيد بالنصوص القانونية المطبقة في تدبير الموارد والنفقات العمومية في مختلف مراحل تنفيذها، سواء في مجال المداخيل والصفقات العمومية، كما هو الشأن بالنسبة لفرض وتحصيل الرسوم الجماعية واللجوء إلى صفقات التسوية، وعدم تطبيق غرامات التأخير وتغيير المواصفات التقنية أثناء التنفيذ، دون الإلمام بالمساطر القانونية بالإضافة إلى الاشهاد غير الصحيح على استلام الأشغال أو المواد” (ص 15).

علاوة على ذلك، وبالنظر إلى أن الأفعال التي تستوجب متابعات أمام المحاكم المالية، يمكن اعتبارها جرائم مالية، فإن المادة 111 من مدونة المحاكم المالية تنص على أن “المتابعات القضائية أمام الهيئات المالية لا تعرقل ممارسة الإجراءات الجنائية”، وفي هذا الإطار، تلقت النيابة العامة لدى المجلس الأعلى للحسابات 28 ملفا تتعلق بوقائع من شأنها أن تستدعي عقوبات جنائية. منها 20 ملفا واردا عن وكلاء الملك لدى المجلس الأعلى للحسابات. وعلى هذا الأساس، تم عرض 22 ملفا على أنظار النيابة العامة لدى محكمة النقض بصفتها رئيسا للنيابة العامة، ليتخذ في شأنها التدابير اللازمة.

ومع ذلك، وفي ظل عدم توفر دلائل قاطعة تثبت تورط المعنيين، فقد قامت النيابة العامة لدى المجلس الأعلى للحسابات بحفظ 6 ملفات (ص 19).

أما على مستوى مراقبة التسيير، بما فيها تقييم البرامج والمشاريع العمومية ومراقبة استخدام الأموال العمومية، فإن الملخص الذي أعده المجلس الأعلى للحسابات يتضمن 34 خلاصة تركيبية انطلاقا من 665 مهمة رقابية، منها 558 مهمة تم إنجازها من طرف المجالس الجهوية للحسابات.

وقد صنفت هذه الخلاصات وفق مقاربة قطاعية وموضوعاتية تشمل القطاعات المالية والإدارية، وقطاعات التجهيز والاسكان، والقطاعات الانتاجية، وقطاعات التربية والتكوين والرياضة، وقطاعات الصحة والعمل الاجتماعي، فضلا عن المواضيع المتعلقة بالحكامة الترابية وتدبير المشاريع والتجهيزات العمومية المحلية. وقد أخذت هذه الخلاصات في الاعتبار الأجوبة التي أدلى بها مسؤولو المؤسسات العمومية المعنية.

ويلاحظ أن المجلس قد سلك نفس المنهجية بخصوص معالجة كل واحدة من هذه الجوانب، حيث يتم القيام بتشخيص دقيق، يليه تقييم يقوم على تحديد الإيجابيات ثم النواقص والاختلالات، ليخلص إلى وضع توصيات من أجل تحسين الحكامة والرفع من مستوى الأداء في القطاع المعني. ويتضح في النهاية أن هدف المجلس الأعلى للحسابات لا ينحصر في الزجر والعقاب، ولكن أيضا في الحرص على تحسين التدبير وتحسيس الساهرين على تدبير هذا القطاع أو ذاك بتحمل مسؤوليتهم كاملة. وهنا من المهم التذكير بأن التوصيات الصادرة عن المجلس الأعلى للحسابات لا تبقى حبرا على ورق، وهذا أمر محفز للغاية. وهكذا فخلال سنتي 2016 و2017، بلغ عدد التوصيات التي تم تنفيذها والتي هي في طور التنفيذ 78% من المجموع الذي بلغ 751 توصية. أما بخصوص التوصيات الصادرة عن المجالس الجهوية للحسابات خلال نفس الفترة، وعددها 2428، فإن نسبة تنفيذها بلغت 85%، بمعنى أن 15% فقط من هذه التوصيات لم يتم تنفيذها بعد.

ومع ذلك، يبقى أن نعرف مدى أهمية تلك التوصيات التي لم يتم تنفيذها لكي نقوم بتقييم نوعي أكثر مما هو كمي. إذ من الممكن جدا أن تكون تلك التوصيات التي لم يتم تنفيذها وتمثل نسبة تتراوح ما بين 15 و20%، ذات أهمية أكثر من 80% المنفذة!

طبعا، من المتعب جدا تلخيص تقرير من هذا الحجم وهذا الثراء في بضعة سطور. فجميع المسؤولين، أيا كان مستواهم، مدعوون إلى الأخذ بجدية توصيات المجلس الأعلى للحسابات والعمل على أجرأتها بسرعة. فسواء تعلق الأمر بأنظمة التقاعد التي توجد على وشك الانهيار، أو بالمشاريع التي توجد في وضعية صعبة أو متوقفة، تفوت على بلادنا فرصة النمو واستفادة المواطنين من خيراتها، أو تعلق الأمر بالحكامة الترابية التي تعاني من العديد من الاختلالات، أو بضرورة الانتقال من نظام تدبيري قائم على الوسائل إلى نظام قائم على النتائج. نماذج من بين الحالات الأخرى المتعددة والتي تناولها تقرير المجلس الأعلى للحسابات. علينا أن نسرع في العمل. في كل هذه المواضيع، نقدر المسافة التي تفصلنا عن تدبير سليم لمواردنا المحدودة وعن استعمال عقلاني لإمكانياتنا المتواضعة.