اخبار المغرب

بعد فاجعة “زلزال الحوز” .. سؤال البناء بالإسمنت أو الطين يقسم المغاربة

أودى الزلزال الذي ضرب منطقة الحوز في الثامن من شتنبر الجاري إلى فقدان الآلاف من الأنفس وتضرر 50 ألف بناية، ليطفو على السطح موضوع مدى احترام المعايير القانونية في عمليات البناء، كما انقسم المغاربة إلى طائفتين أمام سؤال البناء بالإسمنت أو الطين في عملية إعادة الإعمار وأيهما يضمن السلامة والأمان.

لدى المغرب قانون يفرض معايير خاصة في البناء ليكون مضادا للزلازل لكن تطبيقه يتفاوت بين الوسطين الحضري والقروي، ففي المدن هناك تطبيق ومراقبة أكبر، لكن في المناطق القروية والجبلية هناك تغاض واستحضار للوضعية الاجتماعية خصوصا مع انتشار نمط البناء الذاتي بعيدا عن المنعشين العقاريين.

كانت العديد من النقاشات التي اهتمت بمرحلة إعادة الإعمار أشارت إلى ضرورة البناء بالإسمنت فيما قال آخرون إن للمنطقة خصوصية البناء بالطين والحجر يجب احترامها. هذا الأمر تم حسمه عبر بلاغ للديوان الملكي بتاريخ 14 شتنبر 2023 حيث تم التأكيد على إجراء عملية إعادة الإعمار على أساس دفتر للتحملات، وبإشراف تقني وهندسي بانسجام مع تراث المنطقة والذي يحترم الخصائص المعمارية المتفردة، ما يعني الجمع بين البناء الإسمنتي والطيني لتوفير أقصى درجات الأمن والسلامة.

في متابعتها للزلزال في المغرب، نقلت “صانداي تايمز” البريطانية تصريحا لبيل ماكغواير، أستاذ الجيوفيزياء والمخاطر المناخية بجامعة كوليدج لندن، قال فيه: “الزلازل لا تقتل الناس، إنما طُرق البناء هي التي تفعل، فلو اتُّبعت الطرق المناسبة في الإنشاءات لبقيت المباني قائمة رغم الهزات الأرضية”.

أوهن البيوت

يؤكد شكيب بنعبد الله، رئيس المجلس الوطني لهيئة المهندسين المعماريين، أن البناء الطيني التقليدي كان سببا في ارتفاع عدد ضحايا زلزال الحوز لأن هذه البنايات مبنية بالتراب وهشة وغير مدعمة وغير متماسكة ولا تخضع للمعايير المطبقة حاليا ضد الزلازل كما هو الحال في البنايات الحديثة.

بالإضافة إلى الطين، أشار بنعبد الله، في تصريح لهسبريس، إلى أن تواجد هذه البنايات في الجبال وفي أرضيات منحدرة وغير مستقرة، يعرضها بشدة للانهيار، وبالتالي كان السبب الرئيسي في ارتفاع الضحايا.

تطبيق معايير البناء المضاد للزلازل ضروري وإلزامي وفق القوانين الجاري بها العمل في المغرب، ويشمل ذلك جميع المشاريع المرخصة وخاصة داخل المدن، حيث تخضع للمراقبة من طرف المهندسين، بحسب تصريح بنعبد الله.

في المقابل، ولأن البناء الذاتي يسود في المناطق الشبه حضرية والقروية فمن النادر أن تخضع للمراقبة من طرف المهندسين وبالتالي تصبح هذه المنازل في خانة “أوهن البيوت” التي لا تصمد أمام هزات الزلازل أو الأمطار العاصفية، لتحصد بذلك الكثير الخسائر البشرية والمادية.

صمود المنازل

قبل زلزال الحوز، اهتزت الأرض في مدينة الحسيمة عام 2004 بقوة 5.2 درجة على مقياس ريختر، وخلف ذلك أكثر من 862 وفاة و629 جريحا، إضافة إلى تشريد 51 ألف شخص، وكان أكثر الزلازل تدميرا في تاريخ المغرب، وبعده بدأ التفكير في تطوير الترسانة القانونية للبناء والتعمير، ليتم لأول مرة اعتماد المعايير المضادة للزلازل.

يتساءل الكثير من المغاربة اليوم حول صمود منازلهم المبنية بالإسمنت في المدن أمام الزلازل، وهو ما يرد عليه رئيس المجلس الوطني للمهندسين المعماريين بالقول: “جميع البنايات التي تُطبق فيها قوانين البناء بصفة عامة، والقانون المضاد للزلازل والتي يتم تتبع أشغالها من طرف المهندسين المعماريين، غالبا ما تكون صامدةً أمام الزلازل، ولعل بعض الأمثلة موجودة في المناطق التي ضربتها بعض الزلازل والتي بقيت دون أضرار، نظرا لأنها خضعت للقوانين وتم تتبع أشغالها من طرف المهندسين المعماريين والمهندسين المختصين”.

لكن الواقع يكشف أنه أمام قوة الزلازل وعمقها لن يصمد أي شيء، فقوة الهزات الأرضية العنيفة غالبا ما تقارن بقوة القنبلة النووية، لكن على الأقل هناك فرق بين صمود البناء الإسمنتي بمعايير هندسية مضبوطة وبين هشاشة البناء التقليدي الطيني الذي يكون بدون دعامات وغير مستقر.

البناء بمواد محلية

مع تطور أساليب البناء وبروز التوجه الإيكولوجي، بادر عدد من المهندسين لتجريب مواد محلية مثل الطين والحجر، لكن رئيس المجلس الوطني للمهندسين المعماريين يؤكد في هذا الصدد على ضرورة تدعيم البنايات بالضرورة بمواد حديثة لضمان السلامة.

أسامة مقمر، مُتخصص في البناء الإيكولوجي، قال إن ميدان البناء شهد عدة تطورات بناء على النتائج العلمية والممارسات الميدانية، وأشار إلى أن المواد المحلية مثل الطين والحجر يمكن أن تُوفر الصلابة وأيضا الاستدامة والاقتصاد في التكاليف والحفاظ على الثقافة والتراث المحلي بما يحقق التنمية القروية.

وذكر المهندس المعماري، في تصريح لهسبريس، أن “إعادة إحياء الدواوير المتضررة من الزلزال بكيفية أحسن مما كانت عليه من قبل أمر ممكن”، وقال إن “البناء بالإسمنت المسلح ليس حلا يصمد أمام الزلزال، والتفكير يجب أن ينصب على الجودة وتمكين المواطنين من التقنيات الجديدة للبناء”.

المتحدث ذاته أحالنا في هذا الصدد إلى دراسة مشتركة صدرت قبل سنوات عن وزارات الداخلية والتجهيز والسكنى، تؤكد على أهمية البناء التقليدي بالطين وتعزيز أدائه ليظل الحل الاقتصادي والبيئي المختار للإسكان في المناطق القروية بالاعتماد على المواد المحلية لكن بمعايير تقنية تنهل مما توصلت إليه الممارسة.

بحسب الدراسة، فإن الطريقة الأمثل للبناء بشكل يصمد أمام الزلازل تتطلب قبل كل شيء في فهم خصوصيات سلوك البناء الهيكلي أمام الهزات الزلزالية، إذ يرتبط مدى الضرر الذي يخلفه الزلزال على البناء الطيني على عدة عوامل، من بينها: شدة الزلزال وهندسة الهيكل والترتيبات الهيكلية من خلال ارتفاع البناء وتكوين الجدران والأسقف والفتحات والأساسات، إضافة إلى جودة المواد وجودة استعمالها وحالة الهيكل قبل وقوع الزلزال.

الإسمنت مقابل الطين

لعل من حسنات موجة التضامن التي أعقبت زلزال الحوز أنها ساهمت في صعود النقاش حول معايير البناء إلى السطح، شارك في ذلك عدد من المهندسين المعماريين المتخصصين، حيث حاولت فئة منهم كسر فكرة أن الإسمنت أكثر كفاءة من الطين.

في هذا الصدد، كتبت المهندسة المغربية سليمة ناجي مقالا قالت فيه: “من يُريدنا أن نعتقد أن البناء الطيني أقل كفاءة من الإسمنت فهذا مجرد هراء، فقد تسبب الإسمنت في العديد من الوفيات في هذه الكارثة بعدما لم تصمد عدد من البنايات الإسمنتية”.

القضية لا تتعلق بمواد بقدر ما ترتبط بالمعايير والآليات المعمارية، وفق تعبير المهندسة. وتُضيف: “عندما تُحترم قواعد البناء فإن البناية تمتص الصدمة سواء كانت إسمنتية أو ترابية. البناء بالحجر والطين والخشب تنقذ الأرواح، وعندما تكون هناك حاجة لإجراء الإصلاحات تستطيع المجتمعات المحلية القيام بذلك بنفسها باستخدام المواد المحلية”.

تعتقد المهندسة المعمارية سليمة ناجي أن “تحدي إعادة الإعمار كبير جداً ويتطلب استخدام المواد بذكاء”، وأكدت أن “مسألة المناخ تطرح نفسها بشدة في المناطق الجبلية، لأن الجو يكون حاراً جداً وبارد في الشتاء، ولذلك لا يكون البناء الإسمنتي صالحاً للعيش، والمطلوب هو اعتماد مقاربة مركبة: في مشاريع البناء الإيكولوجية الجديدة، يجب وضع سلسلة خرسانية أو خشبية، وبناء الباقي بالحجر والأرض”.