فنون

فيلم ڤوي ڤوي ڤوي.. لعبة المكفوفين للهروب من مأساة الواقع

في 13 سبتمبر الجاري بدأت شاشات السينما المصرية في عرض فيلم “ڤوي ڤوي ڤوي – voy voy voy” المستوحى من أحداث حقيقية، بطولة محمد فراج ونيللي كريم وطه الدسوقي وحنان يوسف وبيومي فؤاد وأمجد الحجار ومحمد عبدالعظيم وبسنت شوقي، ومجموعة من الوجوه الشابة، وتأليف وإخراج عمر هلال في أولى تجاربه السينمائية.

تدور أحداث الفيلم حول حسن (محمد فراج) الذي يعيش حياة فقيرة للغاية وتعمل والدته خادمة في المنازل، وهو فرد أمن في إحدى المولات، ولديه صديقين كل منهما يعاني مثله من الفقر؛ لذلك يفكرون جميعا في السفر خارج البلاد، فهو حلمهم الأكبر، ولكن لا يملكون أموالا لتحقيق ذلك، وفي البداية تكون الهجرة غير الشرعية إلى إيطاليا هي الحلم الذي يسعون إليه، ولكن نتيجة للمخاطر الكبيرة التي تواجه هذه الرحلة يتراجع حسن عن الفكرة، حتى يقرر استغلال خبر سفر فريق كرة القدم للمكفوفين من مصر، ويذهب إلى النادي ويخدعهم مدعيا أنه كفيف ثم تتوالى الأحداث.

“ڤوي ڤوي ڤوي ” لعبة المكفوفين للنجاة

يخبرنا اسم الفيلم، كثيرا عن محتوى العمل، نحن أمام كلمة غير منتشرة الاستخدام، ترتبط بفئة معينة من الناس داخل إطار محدد، وهو ملعب كرة القدم للمكفوفين، يستخدمها اللاعبون لكي لا يصطدموا ببعضهم البعض أثناء اللعب، ولتقليل الاحتكاك وبالتالي تفادي الإصابات أثناء اللعب، وهي كلمة إسبانية تعني باللغة الإنجليزية “I’m going” أي “أنا قادم”.

ولكن هذه الكلمة يمكن أيضا أن تحمل دلالة أخرى في سياق الأحداث، “حسن” دخل إلى لعبة المكفوفين بإرادته لكي يحقق حلمه في السفر مع بعثة الفريق ثم يهرب بمجرد الوصول إلى الفندق، وينطلق إلى أي دولة أوروبية، وداخل هذه اللعبة يحاول ألا يصطدم بأحد ويتجنب الجميع حتى لا يٌكشف أمره.

والمدرب بيومي فؤاد، يكشف حسن ولكنه يستمر في لعبة تصديق أنه أعمى لكي يحقق مكسب يجعله يخرج من حالة الاكتئاب التي يعاني منها، ويهرب من زوجته التي تعامله معاملة سيئة بسبب ضيق الحال، وهو أيضا يحاول تجنب الاصطدام بالإدارة وطبيب النادي المسئول عن كل شيء حتى لا يكشف المستور، ومع تصاعد الأحداث نكتشف شخصيات أخرى داخل اللعبة وتتجنب الاصطدام مثل لاعبي كرة القدم المكفوفين، يتبادلون الكرة دون اصطدام، لكي يحقق كل منهم مصلحته الخاصة، حتى نصل لذروة الأحداث.

تصاعد سريع للأحداث دون خلل في القصة

تبدأ الأحداث من أزمة البطل وهو فقره وحلمه نحو السفر، وبالتوازي تظهر شخصية المدرب المكتئب وابنه المريض، ثم أصدقاء البطل والذين يعيشيون نفس معاناته، وجميعهم الخيط الرابط بينهم هو التهميش، أشخاص على هامش الحياة لا يستطيعون تحقيق أي شيء في حياتهم، كل أمنياتهم تتلخص في زواج أو منزل جيد، وحياة أفضل لأبنائهم في المستقبل، ولكن لا يتوفر لديهم أي شيء غير المعاناة مع أسرهم، ذلك ما يعبر عنه الربع الأول من أحداث الفيلم.

“يعرف الحدث الدرامي أنه الفعل الذي يكون قابلا للنمو ويمتاز بالوحدة ويخضع لقانون السببية وتكون نهايته مختلفة عن البداية، وخلال وقوع هذا الفعل يجب على الكاتب أن يضع أمام عينيه أن أي متفرج يريد منه أن يجذبه إلى سؤالين، ماذا يحدث؟ لأن هذا يضمن أن المتفرج سيفكر بطريقة فنية ومنتبهة للحدث، والثاني ماذا بعد؟ وطرح هذا السؤال يعني أنه لا بد من خلق أحداث وتطورات ومواقف نضع فيها الشخصيات، وذلك يرتبط بمفهوم تعاقب الأحداث”، وفق ما ورد في كتاب “كتابة السيناريو تدريبات ونماذج”.

تجري الأحداث سريعا وفق منطق تعاقب الأحداث مقسمة لأكثر من جزء، الربع الأول وهو التمهيد للشخصيات، والثاني دخول لعبة العمى التي اخترعها البطل لكي يصل إلى حلمه، والثالث تشابك خيوط اللعبة ووصولها للذروة، عندما يصطدم الجميع بحقيقة اللعبة التي يلعبها كل منهم على الآخر، وهذا التقسيم يجعل رتم الأحداث سريعا للغاية وينفي وجود ملل، لأن كل جزء يحمل فكرة معينة تجذب المشاهد نحول الفكرة التالية لها، ما يجعله مشدود الانتباه حتى آخر لحظة لمعرفة كيف سينهي صناع العمل هذه اللعبة بذكاء دون إفساد البناء المنطقي للأحداث الذي استمر طول الفيلم.

ورغم أن فراج، هو البطل الرئيسي؛ فإن آخر كادر في الفيلم ينتهي بالشخصية التي استطاعت أن تكون داخل اللعبة وتستغل الجميع دون اصطدام حتى تحقيق الهدف في آخر لحظة، وهو الشخص الضرير الذي خدعهم جميعا وجعلهم يتعاطفون معه ويقررون لعب المباريات لأجله وعدم الهروب إلا بعد الفوز ولكنه يفاجئهم أنه كان يتلاعب بهم جميعا.

نيللي كريم.. نقطة ضعف الفيلم

ذكرنا في السطور السابقة أن الأحداث مبنية بشكل منطقي ومتسلسل يجعلها إلى حد ما مترابطة وغير مهلهلة، بل كل مشهد يؤدي إلى الآخر بشكل فعال، ولكن ذلك لا ينطبق على كل عناصر الفيلم، لأن البطولة النسائية التي تقدمها نيللي كريم، من خلال شخصية الصحفية التي تذهب لإجراء تقرير صحفي عن فريق كرة القدم للمكفوفين، ضعيفة على مستوى الكتابة، الشخصية مسطحة ليس لديها أبعاد، وذلك أحد قواعد بناء شخصية درامية جذابة، وفق كتاب سحر السينما لعلي أبو شادي، فهي تذهب لإعداد التقرير ولكنها دون مبرر تهتم بحسن فجأة دون مقدمات، ثم تتقرب إليه، وتتطور مشاعرها نحوه سريعا رغم عدم تقديمه أي شيء مميز يرتبط بشيء آخر في شخصيتها يجعلها تنجذب إليه.

“كل مشهد ينبغي أن يكون ناتجا عما قبله وأن يكون ممهدا لما بعده”، أي أن الحدث الذي تحاكيه الدراما أو توحي به لا يمكن أن يكون منفردا كجزء بوظيفة معينة، وإنما يستمد وظيفته من علاقته بالأجزاء الأخرى أي بالكل، وهذا المعنى الذي أشار له أبو شادي في كتابه.

وإذا طبقنا ذلك على وجود شخصية الصحفية في الفيلم فهي خارج هذا المقياس تماما، وجودها غير مؤثر في الحدث الرئيسي، وغير محرك للأحداث الأخرى، على العكس عندما تعلم بحقيقة اللعبة التي يقوم بها حسن لا تكشف أمره أو يكون لها دور في إفساد خطته بل تلتزم الصمت، على عكس التمهيد الذي قدمه المؤلف لشخصيتها في البداية “أنها تبحث عن تحقيق صحفي قوي يغير الواقع”، وقصة حسن ومحاولة سعيه نحو السفر كان يمكن أن تكون قصة جذابة كما تتمنى، ولكن حدث تناقض بين بناء الشخصية وفعلها في النهاية.

سرد كوميدي لأحداث قاسية

يتناول الفيلم قصة شخص يعاني من الفقر وجميع من حوله، صديق له يعمل “دليفري” في مطعم للمأكولات، وآخر في صالة للأجهزة الإلكترونية، ويحاولون الهروب والسعي نحو الهجرة غير الشرعية، وهي قصة ترتبط بكم هائل من البؤس والحزن، وربما تأخذ مؤلفها نحو الميلودراما والمشاهد التي تتلاعب بعواطف المشاهد لتجعله يتأثر بالشخصيات.

ولكن اختار صانع الفيلم الطريق الكوميدي، ليس الإفراط في الكوميديا، ولكن التوازن بين المشاهد التي تميل إلى حالة البطل البائسة وفي نفس الحين تخرج بصورة كوميدية من خلال كوميديا الموقف التي يعتمد عليها الفيلم في كثير من مشاهده، وبعض الإفيهات التي ارتبطت بوجود طه الدسوقي وأمجد النجار الذي لعب على شقين الكوميديا وأيضا العقل الأكثر شرا في “الشلة”، والذي كان مؤثرا في الأحداث من خلال تدبيره لحادث التخلص من حارس المرمى لكي لا تفسد خطة صديقه، والمفارقات المبنية على تناقض فعل الشخصيات مع ما تظهره من تقوى وإيمان في مشاهد أخرى.

ومن نقاط القوة التي تظهر في الفيلم هو اختيار وجوه شابة بعيدا عن المشاهير المسيطرين على أغلب الأعمال الفنية، والخروج عن المألوف بتقديم ممثلين غير معروفين في أدوار ثانوية مثل شخصية حارس المرمى واللاعب الذي استطاع الكذب عليهم جميعا وتحول إلى “طبال” في النهاية، الممثل محمد المغربي.