فنون

بعد عرض «جزيرة الغفران» في مهرجان القاهرة السينمائي.. كيف نفهم تفاصيل الفيلم التاريخية؟


الشيماء أحمد فاروق


نشر في:
الأحد 20 نوفمبر 2022 – 10:57 م
| آخر تحديث:
الأحد 20 نوفمبر 2022 – 10:57 م

ضمن برنامج أفلام مهرجان القاهرة السينمائي الدولي لعام 2022، عرض فيلم “جزيرة الغفران” للمخرج رضا الباهي، الذي ينافس في المسابقة الدولية للأفلام الروائية الطويلة.

تدور أحداث الفيلم على أرض تونس خلال إحدى فترات الاحتلال منقسمة إلى خطين دراميين، الأول التنوع الاجتماعي في المجتمع التونسي واختلاف الجنسيات، والثاني الاحتلال وعلاقته بالمقاومة، وفي هذا الجزء تُذكر عملية اغتيال فرحات حشاد أحد رموز المقاومة في ذلك الوقت.

نال الفيلم إعجاب الحضور في عرضه الأول في المسرح الكبير بدار الأوبرا المصرية، وبرز ذلك في التصفيق الحاد بعد انتهاء العرض واهتمام الحضور بالبقاء لمناقشة العرض مع الباهي، وفتح الفيلم باباً للتفكير والبحث في التفكير التونسي والقراءة عن شخصية المقاوم التي أظهر الفيلم أنه شخصية فريدة ومؤثرة، بالإضافة إلى المرور على فاعلية الحركة العمالية التونسية وتأثيرها في المقاومة.

ولكي نفهم تفاصيل الفيلم التاريخية نعود إلى أحد الأبحاث التاريخية التي نشرت عام 1985 في مجلة الثقافة، للسياسي نور الدين حشاد، سفير تونس السابق في الجزائر، وجاء في هذا البحث، أن فرحات حشاد ولد في 2 فبراير عام 1914 بجُزر قرقنة التونسية، وهي محمية فرنسية قبل مولد حشاد بحوالي 30 عاماً، وبدأ حياته كمناضل نقابي مع تطور حركة العمال التونسية عام 1936، وكان العمال التونسيون في هذه المدة باشروا تجربتهم الوطنية النقابية بتكوين منظمتهم النقابية التونسية منذ سنة 1924 وهي الكونفدرالية العامة التونسية للشغل.

يقول نور الدين في مقاله: “كان الشاب فرحات حشاد مثال للعامل المنخرط في نقابته والمنجذب إلى العمل النقابي.. ولذلك صعد مبكراً إلى منصب الأمين العام لنقابة الشركة التونسية للنقل الساحلي وناض بقوة وحماس رغم أوضاعه المادية الهشة وظل يدافع عن مطالب العمال في مؤسسته، وظل على علاقة قوية بالمناضلين التونسيين ونشط في تنمية معلوماته بالمطالعة وحضور الجمعيات العامة والجولات لنقابية”.

واجهت الحركات والأحزاب التونسية عقبات كثيرة خاصة بعد الحرب العالمية الثانية والصراع الذي زُجت فيه تونس رغماً عنها عندما أصبحت ساحة حرب، وعلى المستوى السياسي ظل حزبي الدستور الجديد والقديم المقاومة والاستمرار في الوجود، بالإضافة لسعي الحركات العمالية للاستمرار والظهور مرة أخرى في ثوب جديد، وكان حشاد هو المحرك من حيث تكوينه النقابي في تأسيس اتحاد النقابات المستقلة في الجنوب والشمال والذي أفضى بانضمام الجامعة العامة للموظفين التونسيين إلى تأسيس الاتحاد العام التونسي للشغل، ولم يكن منتمياً لأي حزب سياسي مما جعله محل تقدير من جميع المناضلين ، وضم الاتحاد حوالي 70 ألف عامل.

وقدم فرحات حشاد بحلول فبرار 1946 أي بعد أسبوعين من انعقاد المؤتمر التأسيسي للاتحاد طلب ترشيح الاتحاد العام التونسي لعضوية الجامعة النقابية العالمية ، وكان يعتبر حشاد التمثيل التونسي في الهيئة الدولية عملاً جوهرياً إلى جانب العمل الداخلي لدعم استقلال تونس.

ووفق ما ذُكر في البحث أن حشاد استطاع بفضل ما وضعه من استراتيجية أن يبلغ أهدافه ويحقق نتائج مهمة أولها أصبح الوضع في تونس لأول مرة في التاريخ الحديث موضوع مناقشة في هيئة دولية ، كما أنه حقق هزيمة للاستعمار من خلال استطاعته التوفيق وتحويل الولاء لدى العمال من الكوفدرالية العامة للشغل إلى الاتحاد النقابي التونسي.

وضم الاتحاد بمرور الوقت ما لا يقل عن 700 فرع نقابي و20 جامعة مهنية و10 اتحادات محلية أي 100 ألف منخرط، مما ممثل خطراً على الاحتلال الفرنسي حينها لذلك اُغتيل حشاد عام 1952 أي بعد 8 سنوات من تأسيسه الاتحاد.

أما عن الخط الدرامي الآخر المرتبط بالأسرة الإيطالية التي تعيش في إحدى جُزر تونس الساحلية، والتي أشار مخرج الفيلم أنه يعبر عن التنوع في المجتمع التونسي من خلال قصتها، نلاحظ أنهم كانوا في حالة عزلة إلى حد ما مع المواطنين التونسيين، وعلى صلة محددة بأحد أذرع الحركة العمالية كما أوضح الفيلم، وأن هذا الرجل هو من تولى دفن أحد أفراد الأسرة، إلا أنهم يعانون أيضاً من فئات أخرى في المجتمع التونسي تحاول التأثير عليهم دينياً.

ولفهم التنوع في المجتمع التونسي، نعود إلى كتاب “العمال التونسيون وظهور الحركة النقابية”، حيث يستعرض في جزء منه هذا الجانب، حيث كان يضم جاليات وفئات مختلفة، وتنقسم إلى مسلمين ومسيحين ويهود وعلى المستوى الاقتصادي مزارعين وعمال صناعة، “إن أنشط فئة رابحة في تونس هم اليهود وبصفة عامة فإن رؤوس أموالهم نقدية أما عموم التونسيين المسلمين فثروتهم الأراضي وعملهم الزراعة والصناعة، وكان يوجد حالة تفكك بين الطبقات والفئات المختلفة، لأن التنافس وعوامل الكسب وطوارئ اليوم والليلة يخلق لهم كثيراً من أسباب الخلاف وانقطاع الرابطة ليست خاصة بأهل الأعمال في أعمالهم فقط بل كانت عامة بين التونسيين، المدن تحتقر البوادي بدعوى سذاجتها وخشونة عيشها وهذه تحتقر المدن بدعوى ضعف أجسادها وفقدها صفات الرجولة الواضحة في البداية والباديثة نفسها تختلف في النسبة إلى قبائل وظل المجتمع لسنوات متفرقاً”.

ولعل ما ورد في هذا الكتاب سابق الذكر يوضح أهمية التعاون والترابط الذي برز بوجود الاتحادات العمالية والطفرة التي حققتها بوجود تجمعات ضخمة من المواطنين لديهم ولاء لراية تونسية واحدة، وكانت بداية البذرة لهذه الاتحادات من جمعية التعاون الاقتصادي التونسي بقيادة محمد علي، ولكن حشاد كان مفصلاً مهماً في هذه الحركة الكُبرى.