اخر الاخبار

(صراع بين الجد والهزل) –


(صراع بين الجد والهزل)

عمر علاء سعد أحمد

صراع نفسي رهيب يعصف بالذهن ويجول في أرجاء النفس البشرية يحاول كشف الستار عن ماهية الشخصية التي يجب أن يكون عليها المرء!
تلك الشخصية الحائرة بين الخروج على الناس برداء الجد والوقار لإكتساب الاحترام والتقدير والإعجاب أو الظهور كمصدر للدعابة والمرح الدائم وتوزيع النكات لكسب محبة وإعجاب الناس أيضا.
في كثير من الأحيان تتساءل الشخصية الجادة عن ما إذا كان ينظر إليها حقا علي أنها شخصية جادة بالفعل ووقورة في أفعالها وحكيمة في قراراتها أم ينظر إليها علي أنها شخصية متكلفة تتصنع الوقار والحلم!
وكذلك الحال بالنسبة للشخصية المرحة صاحبة النكات الطريفة وصانعة البهجة التي تساعد علي إضفاء نوع من المرح والفرح والسرور أينما حلت فهي تتساءل عن ما إذا كان ينظر إليها حقا علي أنها مجرد شخصية طريفة مرحة بطبعها هدفها إضفاء طابع السرور أينما وجدت أم يتم الحكم عليها كلية بأنها شخصية ساذخة هزلية تافهة لا تعرف للجد والوقار عنوان!
ومن ثم تشتعل نيران الغضب والحيرة بداخلك فأنت لا تجد طريقة لإرضاء الناس وجعلهم يرونك بالصورة والشكل الصحيح من دون إطلاق الحكم الكلي الأعمي عليك فإذا رأوك جادا في موقف ما يتطلب الجدية حتما فتراهم يحكمون عليك بالتذمت والتشدد ولربما التكلف والتصنع وإذا رأوك في موقف لا يتطلب أبدا الجدية فهو فقط مجرد موقف يجدر بنا أن نكون سعداء ترتسم علي وجهنا الابتسامة والسرور وتنطلق أحيانا منا روح الدعابة فيأتي حكمهم عليك بأنك تفتقر الي الجدية يغلب عليك طابع السذاجة والهزلية.
ولوقف الضجيج من حولك يجب عدم الاكتراث كثيرا بآراء الناس وحكمهم الظاهري عنك طالما أنت كشخصية جادة تعرف أنك لا تتكلف ذلك وأن بك جانبا من المرح والسرور و الدعابة تظهر فقط في وقتها وفي الظروف المباحة لذلك وتعرف انت كشخصية مرحة تُضحك الناس وتخرجهم احيانا من همومهم وتروح عنهم بأن بك طابع الجد والحلم والوقار الظاهر في وقته وفي ظروفه التي يجب أن نكون عليها بهذا الطابع لا بغيره.
يقول سيدنا وحبيبنا وقائدنا محمد صلى الله عليه وسلم (إياكم وكثرة الضحك فإنه يميت القلب ويذهب بنور الوجه) صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويقول الإمام الشافعي رحمه الله (الوقار في النزهة سخف)، ومن ذلك تجد من يري أن هناك تناقضا بين حديث رسولنا الكريم وقول الامام الشافعي!
لا يا عزيزي فهذا ليس تناقضا أبدا ؛فنحن فقط ملزومون بمبدأ تحقيق الاتزان وضبط النفس الجادة في غير أوقات الجد وضبط النفس المرحة (التي يغلب عليها طابع الدعابة) في أوقات الجد,فلا يجب علينا أبدا الظهور بمظهر الهزل وطرح النكات و إخراج روح الدعابة في أوقات تتطلب الجدية، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ثلاث جدهن جد وهزلهن جد: النكاح والطلاق والرجعة.
ومعنى الحديث أنه لو طلق أو نكح أو راجع وقال: كنت فيه لاعباً هازلاً لا ينفعه قوله هذا.
كما لا ينبغي الظهور بمظهر الجد والوقار في وقت تري فيه كل من حولك يضحك أو يبتسم أو لا يتحدث في شئ جاد يتطلب الحلم والرزانة، وإظهار الجدية في القول أو الفعل.
فاسمح بجانب الجد والحلم وجانب المرح وإخراج روح الدعابة من أن يشكلا دورا في حياتك ولكن احذر من طغيان إحدي الجانبين على الأخر فكن وقورا مرحا، و جادا تملك روح الدعابة والمرح، وحكيما منضبطا ومبتسما تصنع البهجة والسرور واجعل نفسك البشرية تول وجهها شطر قبلة الاتزان والاعتدال دوما لا تدر وجهها عنها ولا تحيد أبدا.