اخبار المغرب

تدابير تنظيم الطائفة اليهودية تكرس قيمة الرافد العبري في الثقافة المغربية‬

يعتزم المغرب اعتماد العديد من المجالس المعنية بتدبير شؤون الطائفة اليهودية، تبعا للتوجيهات الملكية الرامية إلى ضمان حرية ممارسة الشؤون الدينية لكل المغاربة على اختلاف عقائدهم الدينية وتكريس الرافد العبري كمكون للثقافة المغربية.

وتشمل المنظومة الجديدة إحداث مجموعة من الهيئات، المتمثلة في المجلس الوطني للطائفة اليهودية المغربية ولجنة اليهود المغاربة بالخارج ومؤسسة الديانة اليهودية المغربية، بما من شأنه النهوض بالتراث اللامادي اليهودي المغربي وتعزيز الإشعاع الثقافي للديانة اليهودية وتقوية أواصر ارتباط يهود العالم بالوطن الأصلي.

وخلال الأشهر الماضية، عاد مئات اليهود المغاربة إلى مواطن النشأة، وهي الزيارة الأولى لبعضهم؛ غير أن شرائح واسعة من السياح اليهود كانوا يزورون المغرب قبل الجدل السياسي الأخير المرافق لاستئناف العلاقات بين تل أبيب والرباط.

وتعكس التدابير الجديدة، التي أقرها المجلس الوزاري يوم الأربعاء 13 يوليوز الجاري، التوجه المغربي الرسمي لتعزيز مشاركة اليهود المغاربة بالخارج في الارتباط المكين بالهوية المغربية الغنية بكل روافدها الدستورية، اعتبارا للأعداد المهمة للجالية اليهودية المغربية المقيمة بإسرائيل، وكذلك بمختلف دول العالم.

وقد سَبقت العلاقات الروحية بين اليهود والمغرب بكثير العلاقات السياسية بين تل أبيب والرباط؛ بالنظر إلى القرون الطويلة من التعايش الثقافي بين المسلمين واليهود المغاربة بأغلب المناطق التاريخية للمملكة، بالموازاة مع علاقاتهم مع السلاطين المغاربة الذين كانوا يوظفون الأعيان اليهود في مناصب الترجمة والدبلوماسية والجيش والتجارة.

واستمرت الروابط الثقافية بين جميع مكونات المجتمع المغربي طيلة الحقب التاريخية، إلى أن جاءت الحقبة الاستعمارية التي تسببت في اختلالات جزئية بين الفينة والأخرى؛ لكن الرعاية السلطانية ظلت ماخبار السعوديةة لهذا المكون الهوياتي على الرغم من التحولات الجيواستراتيجية بالمنطقة.

وتعززت تلك الروابط بتنظيم حياة الطائفة اليهودية في العقود الفائتة؛ من خلال تنقيح المقررات التعليمية التي تتضمن محتويات غير ملائمة تجاه الثقافة اليهودية، وإجراء الانتخابات المنظمة لأعضاء لجان مجالس الطوائف اليهودية، والحفاظ على الغرفة العبرية بالمحكمة الابتدائية بالدار البيضاء.

وتكرست الأبعاد الثقافية للوجود اليهودي المغربي بإنشاء متحف يعد الأول من نوعه بمنطقة شمال إفريقيا والشرق الأوسط بالدار البيضاء، إلى جانب ترميم المعابد والمقابر ومواقع التراث اليهودي منذ سنوات، فضلا عن مواكبة المشاريع الاقتصادية لليهود المغاربة.

وبالنسبة إلى رشيد دوناس، باحث في التاريخ المعاصر حاصل على شهادة الدكتوراه في موضوع ذي صلة بتاريخ المغاربة اليهود، فإن “خطوة الدولة المغربية بخصوص القرارات المتخذة تأتي من منطلق تثمين المكون العبري المغربي، باعتباره جزءا لا يتجزأ من الذاكرة الجماعية للمغرب، ومن نسيجه الاجتماعي العريض متعدد الثقافات، إن على المستويات العرقية أو الدينية”.

وأوضح دوناس، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن “هذه الخطوة تعزز القرار الشجاع الذي سبق أن اتخذته وزارة التربية الوطنية مؤخرا، والقاضي بتضمين المقررات التعليمية دروسا عن المكون العبري المغربي والثقافة اليهودية بشكل عام؛ وهو ما سيسمح بوضع حد لجهل أجيال مغربية متعاقبة لكل شيء تقريبا عن الروافد اليهودية المكونة للشخصية المغربية”.

وأردف قائلا: “هي قرارات جريئة ستسمح للمغاربة بشكل عام، بغض النظر عن خلفياتهم الدينية والعرقية، بالتعاطي مع جزء غني من ذاكرتهم الجماعية في إطار الخصوصية المغربية، بعيدا عن التمثلات والصور النمطية والإسقاطات التي كرستها بعض وسائل الإعلام، بسبب استمرار الصراع الفلسطيني الإسرائيلي الذي أدى إلى توسيع فجوة من سوء الفهم”.

وتابع الباحث المغربي بأن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي أدى كذلك إلى “الحد من درجة الحوار بين المجموعات الدينية محليا وإقليميا وعالميا؛ بغض النظر عن الخصوصيات المحلية، خصوصا أن لدينا في المغرب موروثا قديما في مجال التساكن بين اليهود والمسلمين، بغض النظر عن التوترات واللحظات الصعبة التي أصابت هذا التساكن”.

واستطرد بأن “المغاربة اليهود تأثروا كغيرهم من المجموعات الإثنية بتقلبات الظروف بسلبياتها وإيجابياتها، تبعا لإكراهات وشروط السياق التاريخي؛ لكن ذلك لم يمنعهم من المساهمة بالكم والكيف في صياغة خصوصية الهوية المغربية كما هو الحال في كل تجربة إنسانية اغتنت بالتنوع والاختلاف، فكان وجودهم فاعلا ومؤثرا في التركيبة الاجتماعية والثقافية للمغرب؛ وهو ما كان من الصعب الوقوف عليه في ظل ما أحيط بهذا الحضور من التغافل المؤسسي، حتى وقت قريب”.

وواصل دوناس بأن تلك القرارات تأتي لـ”استدراك ما فات، وفي الوقت نفسه من شأنها أن توفر شروطا مؤسساتية مساعدة في تأطير أنشطة وفعاليات ثقافية وعلمية وفنية، من شأنها أن تمكن المغرب من أن يصير قوة ناعمة، وفضاء مثاليا لاحتضان مشاريع حوار وتثاقف بين الخلفيات الثقافية والعرقية والدينية المختلفة”.

ولفت المتحدث إلى أن ذلك من شأنه “تعزيز ارتباط مغاربة الخارج ببلادهم وضمان الاستفادة من خبراتهم أيا كانت ديانتهم”. وتوقف عند هذه النقطة بالقول: “وهو الأمر الذي سبق أن دأبت عليه الدولة المغربية منذ مدة ليست بالقصيرة. وفي هذا الصدد، نستحضر الزيارة التي كان قد قام بها الراحل الحسن الثاني إلى إسبانيا سنة 1989، حيث التقى بقادة الطوائف اليهودية والمسلمة المنحدرة من أصول مغربية”.

واستدل الباحث بالتصريح الذي أدلى به الراحل الحسن الثاني عن علاقته الخاصة مع اليهود المغاربة في جميع أنحاء العالم، حيث أعلن فيه ما يلي: “أنا لا أعتبركم يهودا ينحدرون من أصول مغربية لأن الجنسية المغربية لا تسقط أبدا عن صاحبها. ونحن نعتبركم أنتم وجميع إخوانكم الذين يعيشون من إسرائيل إلى كندا، في كل من فنزويلا وفرنسا وإنكلترا وأمريكا وأمريكا اللاتينية وفي غيرها من الأماكن الأخرى، بمثابة رعايا مغاربة تتمتعون بجميع الحقوق التي يضمنها لكم الدستور المغربي […] إن حقوقكم مضمونة بمقتضيات الدستور لأن هناك حدثين شهدهما عهد والدي محمد الخامس وعهدي أنا أيضا [ …] حيث جعل منكم محمد الخامس مواطنين. وفي الدستور الذي وضعته، جعلت منكم مغاربة بالمعنى الكامل للكلمة”.