اخبار المغرب

اعتراف وطني يضع مآثر إقليم شيشاوة أمام تحديات الترميم والصيانة

وقّع محمد المهدي بنسعيد، وزير الشباب والثقافة والاخبار السعودية، خلال شهر أبريل الماضي، على قرار تقييد معصرة السكر الجنوبية بإقليم شيشاوة في عداد الآثار الوطنية؛ ووفق هذا القرار الذي صدر في الجريدة الرسمية عدد 7003 الصادرة في 18 أبريل 2022، فإن المادة الثانية منه تمنع إحداث أي تغيير في المعصرة إلا بترخيص من المصالح المختصة بقطاع الثقافة.

هذا القرار حرك مواجع وآمال تعايش معها أهل الإقليم الذي يعتمد القطاع الزراعي كنشاط اقتصادي رئيسي، فـ90 في المائة من السكان يعيشون بفضله في المناطق القروية، فأحيى فيهم حلم تحول مدينة شيشاوة إلى قاطرة للتنمية متعدد المحاور الاقتصادية، من خلال جعلها نقطة جذب لسياح يمرون يوميا منها إلى وجهات سياحية أخرى.

فإلى أي حد يشكل الاعتراف الوطني بالإرث التاريخي لشيشاوة “جهادا أصغر”؟ وبأي معنى يمكن الحديث عن الخير العميم الذي سيعود به ترميمها؟ وهل يتوفر الإقليم على مؤهلات أخرى يمكن استثمارها لتحويل الإقليم إلى منطقة سياحة بجهة مراكش؟

التصنيف والترميم

وعن قيمة هذا التقييد، قال محمد حبيب الله، أستاذ بجامعة ابن طفيل وباحث في الثقافة والتراث، إن “هذا الاعتراف شكل نتيجة لمجهود كبير قام به أبناء شيشاوة لإبراز التراث التاريخي لإقليمهم، والدعوة إلى إنقاذه من الضياع والدمار، ويتمثل هذا الإرث في مواقع عديدة بالمنطقة يعود تاريخها إلى عهد المنصور السعدي؛ منها معاصر السكر ومرافق إنتاج هذه المادة الرائجة في الفترة السعدية”.

وتابع الباحث ذاته، الذي ترعرع بإقليم شيشاوة، قائلا في تصريح لهسبريس: “من الآثار التي تم الاعتراف بها سور العبيد الذي يعد معلمة تاريخية تزخر بها عاصمة الإقليم، وتشهد هذه المآثر التاريخية على الدور الاقتصادي لمدينة شيشاوة في هذه المرحلة”، مضيفا: “أمامنا اليوم تحد آخر، يتجلى في ترميمها وصيانتها، بحسب ما تقتضيه ضوابط تقنيات العمارة والترميم، لجعلها مواكبة للعملية التنموية الملحية، عبر مشاريع تبعث الحياة فيها من جديد، لإخراجها من النسيان وتوظيفها اقتصاديا.

وأكد المتحدث نفسه أن نجاح المشروع بعد إعادة تأهيله منوط بالاختيار الموفق لإعادة استخدامه، من خلال دراسة الموقع والمحيط الاجتماعي للمبنى أثناء إعداد مخطط الترميم وإعادة التأهيل، حتى تعطى لهذه الآثار الموجودة بشيشاوة العناية والاهتمام اللازمان، من أجل استثمارها في التنمية المنشودة التي ستوفر مناصب شغل وتشكل موردا اقتصاديا، إلى جانب القطاع الزراعي.

تراث مادي ولا مادي

ولأن إقليم شيشاوة يتوفر على مؤهلات أخرى فإن المجلس السياحي لشيشاوة وضع دليلا سيعرضه خلال المقبل من الأيام لإغنائه، للتعريف بالمؤهلات الطبيعية الخلابة لإقليم بموقع يربط الشمال بالجنوب؛ ما يجعل منه منطقة مهمة لهذا القطاع الذي يبحث عن وجهات جديدة بجهة مراكش أسفي، لتوفره على تراث شفوي يتكون من نظم أمازيغي وعربي، ومدارات متعددة تنتشر بها طبيعة خلابة؛ منها مدار سكساوة كأعلى قمة جبلية، ومتوكة، وأسيف المال، ودمسيرة، وجب استثمارها، لأن جائحة “كوفيد19” علمتنا أن لا نبني اقتصادنا على قطاع واحد”، حسب تصريح بوجمعة أكودار رئيس المجلس سالف الذكر.

وعن أهمية ترميم ما تم تصنيفه، أوضح الفاعل السياحي ذاته أن هذا التحدي يحتاج إلى تضافر جهود كل المتدخلين، وإلى إرادة سياسية قوية، ومبادرة خلاقة كتصنيف الوحدات السياحية العشوائية التي نجحت، بتدخل عامل الإقليم وتفهم المديرية الجهوية للسياحة.

الترميم مطلب مستعجل

تتميز شيشاوة بتنوع العنصر البشري وروافده الثقافية، رغم اختلاف الألسن والنظم، فلكل مكون طرقه وطربه الموسيقي، من أهازيج أحواش الأمازيغية وتشكيلات الرقص الجماعي المشترك بين الإناث والذكور وفن الروايس، إلى رقصة الگدرة الصحراوية، مرورا بأهازيج حمادة الرقصة الرجالية لقبيلة أولاد أبي السباع، وفق إفادة حسن سعود رئيس الفرع الإقليمي للمركز المغربي لحقوق الإنسان، الذي أوضح أن لا تنمية بدون عمق ثقافي، كما تؤكد منظمة اليونسكو.

وشدد سعود على أن “الاعتراف الوطني يشكل خطوة بسيطة أمام ترميم هذه الآثار التاريخية، حتى تصبح قابلة للتوظيف في إطار السياحة الثقافية، كما تحث على ذلك منظمة اليونسكو، لخلق تنمية مستدامة تخرج إقليم شيشاوة من دائرة التهميش، وتحويله إلى منطقة جذابة تخلق الثروة؛ لكن عبد اللطيف مارو، المسؤول الجهوي عن التراث بمديرية الثقافة بجهة مراكش، قال: “لم ندرجها بعد في برنامج الترميم، ولكنها قيد التنفيذ في ملف الترتيب في عداد الآثار الوطنية”.