اخبار الكويت

عملية ناجحة بسواعد وطنية أنهت معاناة شابة كويتية جراء «الخلع الوراثي»

– دلال الراشد: لأول مرة في حياتي أستطيع أن أمشي دون عكاز وأمضي قدماً نحو أحلامي
– الدكتور منصور صادقي: حالة دلال كانت متقدمة جدا وأجرينا لها العملية بنجاح وودعت الألم والعكاز إلى الأبد

«جبر الله قلبي بعد انكسار دام 20 عاما»… هكذا بدأت الشابة الكويتية دلال الراشد حديثها بعد أن تمكنت من المشي على قدميها بشكل طبيعي ودون الحاجة إلى عكاز عقب إجراء عملية جراحية معقدة لتبديل مفصل الورك للخلع الوراثي والتي تعد من العمليات الكبرى وبسواعد كويتية.

وبابتسامة الظافرين قالت دلال «بكيت ألما وفرحا وإيمانا بعطايا ربي الذي لم يخذلني يوما وها أنا اليوم أستطيع أن أركع وأسجد وأجلس متربعة لأول مرة في حياتي وأمشي دون عكاز ولا اعوجاج والمضي قدما نحو أحلامي التي صادرتها مني نظرات الشفقة تارة والتنمر تارة اخرى يوما ما».

مدير جامعة الكويت يتفقد سير العمل في الكليات
وزارة التربية

وسردت دلال قصتها التي بدأت منذ أولى لحظات ولادتها عندما خلع فخذها الأيسر أثناء الولادة بسبب عوامل وراثية و لم يعرف أهلها عن هذا الأمر حتى بلغت السنة وستة أشهر من عمرها حيث أجريت لها 3 عمليات جراحية حتى عمر الثلاث سنوات لتوفدها وزارة الصحة بعد ذلك الى جمهورية المانيا (علاج بالخارج) لكن دون جدوى. وفي ختام الرابعة من عمرها تقرر لها جلسات العلاج الطبيعي مدى الحياة والتي التزمت بها حتى بلغت الـ 16 عاما لتعلن تمردها عليها لاعتقادها أن هذه الجلسات ما هي إلا محاولات مغلفة بأوهام وردية.

«كنت أتساءل دوما منذ طفولتي لماذا أرتدي حذاء مختلفا عن مثيلاتي؟ لماذا يتم منعي من دخول مادة التربية البدنية؟ أنا التي كنت أود أن أهم بالركض واللعب مع أقراني» كانت هذه التساؤلات تقتل دلال ألف مرة مثلما كانت تقتلها النظرات الغريبة من بعض المعلمات والطالبات. وقالت «أجبرتني هذه النظرات على أن أخلع حذائي الذي كان أكثر ارتفاعا من الثاني بسبب فرق الطول بين القدمين لأجبر نفسي على تحمل آلام قدمي لأنني لا أقوى على وجع النظرات.. كنت أرتدي أحذية ملونة وغريبة حتى أصرف أنظار الناس عني.. فلا يزال هناك بعض أفراد المجتمع دون وعي ورحمة أحيانا… كنت أبكي بحرقة وأصرخ داخلي بصمت.. كانت حياتي عبارة عن دائرة من الألم ومراجعات طبية لا تنتهي فضلا عن التقاء أطباء زوار وسماع التأكيد الدائم أنه لا أمل بالعلاج».

لم تعرف دلال طعم الفرحة يوما وكأنها تسربت من بين أصابعها منذ أن ولدت ويوم خلعت قدمها.. فهذا الخلع كان كفيلا بانكسارها طوال هذه السنوات.. وكأنه أصاب قلبها لا قدمها. بدأ الألم يفتك بها حتى وصل الى مرحلة لا تطاق وكأنه طعن في عظامها.. عظامها التي كانت تتحطم داخلها دون توقف وكانت تشعر بصوت احتكاكها. تصاعدت وتيرة الآلام حتى سيطرت على تركيزها وذهنها وكان هذا السؤال يحاصرها في صباح كل يوم «كيف أتعامل مع ألمي المتصاعد.. ألم قدمي وألم معدتي التي فتكت بها المسكنات الى أن فقدت شهيتي للحياة.. كنت أتألم من الجلوس والوقوف طويلا حتى تعب الألم من ألمي».

مرت الأيام على دلال أسوأ من قبلها وكأنها في مباراة أزلية مع أوجاع مبرحة وكأنها سكاكين في قدمها.. وقالت «كل ما تبقى من أمنياتي المبتورة هو أن أكمل حياتي دون الوصول الى مرحلة الكرسي المتحرك.. كنت أستسلم للنوم وكأنه موت بطيء.. باتت أيامي كلها رمادية وإن طرأ عليها تغير طفيف اتجهت قليلا نحو السواد». استمر ذلك حتى قررت دلال إجراء العملية بعد تخوفها منها كتخوف والديها.. لذلك اختارت عدم إخبارهما بقرارها.. وفي ليلة ظلماء خاصمها البدر خرجت من المنزل متجهة الى مستشفى الرازي وقالت «كنت انظر إلى والدي قبل خروجي من خلف الأبواب المواربة والتساؤلات تتزاحم في ذهني كيف أخبرهما وكيف يتحمل أبي؟ وكيف يكون وقع خبر العملية على أمي؟..أمي التي كانت تقطف الابتسامة من شفتيها لتعطيها لي.. أمي ريحانة الدار وأجمل ما في الوجود.. خرجت من المنزل وقلت في سري لا رجوع عن هذه الخطوة».

كانت ليلة باردة والمطر يتساقط من سماوات ملبدة بغيوم سوداء.. كأنها سماء الكويت عند احتراق آبارها اثناء الغزو العراقي الغاشم.. «وقفت عند بوابة المستشفى كي أستجمع قواي وأحسب الأيام التي علي اجتيازها حتى أصل الى ما وصلت إليه الآن». وتابعت بامتنان «.. وهذا بفضل ربي وفضل وطني الكويت التي وفرت لي خدمة صحية بهذا المستوى الرفيع عبر فريق طبي كويتي متمرس غمرني بالاهتمام البالغ»، مضيفة «حطوني فوق راسهم ومشوا فيني». وبعيون غنية بدموع الفرح قالت دلال «تغيرت حياتي للأفضل بت إنسانة أخرى لا تشبه دلال السابقة التي تعايشت مع كسرة القلب طوال هذه السنوات.. أصبحت أمارس الرياضة وهواياتي المحببة ونسيت طعم الألم وأصبح العكاز ذكرى احتفظ بها في سيارتي».

من جانبه قال الجراح الكويتي الدكتور منصور صادقي الذي أجرى العملية ضمن فريق طبي متكامل إن “حالة دلال كانت متقدمة جدا لأن المفصل كان متآكلا تماما مما سبب خلعا في رأس الفخذ من تجويف مفصل الورك بالإضافة الى تآكل الطبقة الغضروفية المبطنة للمفصل مما سبب لها آلاما مبرحة واحتكاكا شديدا بالعظم بالإضافة الى وجود فرق واضح في طول قدميها وعرج شديد أثناء المشي”.

وأضاف «بحمدالله أجرينا لها العملية بنجاح ضمن فريق متكامل وودعت الألم والعكاز إلى الأبد»، مبينا أن هناك الكثير من حالات الخلع الوراثي موجودة في المجتمع وذلك لعدة أسباب أغلبها وراثية حيث يكون أحد الأبوين حاملا لهذا الجين مما ينتج أطفالا يعانون الخلع الوراثي بالإضافة الى حالات الخلع في رحم الأم نتيجة الاستعداد الوراثي أو وضع الطفل في الرحم أو اثناء عملية الولادة، فضلا عن بعض الممارسات أثناء نمو الطفل كالتقميط.

وأفاد بأن التأخر باكتشاف الخلع يؤدي الى تشوهات شديدة بالمفصل مما يجعل التدخل الجراحي هو الحل الوحيد، موضحا أن «عملية تبديل مفصل الورك بسبب الخلع الوراثي تعد من أفضل العمليات لهؤلاء المرضى وتقدم أفضل النتائج لإنهاء معاناتهم إذا تمت بالشكل الصحيح لأنها تحدث نقلة نوعية في حياتهم، فهناك الكثير من المرضى أجروا هذه العملية وانتقلوا من مرحلة الكرسي المتحرك او العرج الشديد الى المشي بالشكل الصحيح دون استخدام عصا او عكاز والى الأبد ومارسوا حياتهم بالشكل الطبيعي، وبلا شك ان هذه النتائج تفرحنا كثيرا كأطباء وجراحين».