حوادث وقضايا

بعد تعرضه للنصب.. جثمان المصري المتوفي قهرا في تركيا يواري الثرى في الدقهلية


بسنت الشرقاوي


نشر في:
الأحد 12 فبراير 2023 – 11:13 م
| آخر تحديث:
الأحد 12 فبراير 2023 – 11:32 م

قالت أسماء، ابنة المصري المتوفى كمدا في تركيا بعد تعرضه للنصب، عبدالمنصف محمود، إن القنصيلة المصرية في إسطنبول تمكنت من استرجاع جثمان والدها مساء الجمعة الماضي.

وكانت “الشروق” قد عرضت قبل أيام مناشدة لابنة المصري الراحل لاسترجاع جثمان والدها الذي كان محتجزا في المستشفى لمدة 3 أيام.

وذكرت أسماء، لـ”الشروق” أن جثمان والدها وارى الثرى ظهر يوم السبت، في محل إقامته بكفر نعيم في محافظة الدقهلية، بعدما وصل إلى مطار القاهرة مغادرا مستشفى “كارتال” في مدينة بندك بإسطنبول.

ماذا حدث؟

تعود القصة التي نشرتها الشروق يوم الجمعة الماضي، إلى تعرض مصري للنصب على يد شاب تركي يعيش في مصر، بعدما أقنع الراحل بامتلاكه مزرعة وسيوفر فرصة عمل له فيها لرفع مستواه المادي هو وأسرته.

ووقعت أحداث النهاية للقصة المؤسفة في تركيا خلال الأيام الماضية، بالتزامن مع كارثة الزلزال، وهي لا تقل قساوة عن فاجعة الزلزال المدمر، فقد قتل القهر المواطن المصري الذي سافر بحثا عن لقمة العيش، فما وجد سوى السراب، لكن أوان التراجع كان قد فات بعدما أنفق الرجل كل ما يملك.

عبدالمنصف محمود، 52 عاما، كان يعمل في مطعم بمدينة دمياط يشارك في تمويله شاب تركي يعيش في مصر، وظن الرجل الخمسيني، أن أبواب الخير قد فتحت أخيرا، بعدما أخبره الشاب التركي عن فرصة سفر إلى تركيا للعمل في مزرعة يمتلكها ستكفل له دخلا شهريا 15 ألف ليرة؛ لرفع مستواه المعيشي، مع ضمان سكن ملائم.

كان حديث الرجل التركي لعبدالمنصف جادا ومليئا بالتفاؤل والثقة، خاصة مع استعراضه ضمانات العيش بكرامة في الغربة، كتوفير السكن والعمل في مزرعة تمتلكها عائلته التركية، وأن أخاه سيكون في انتظاره فور وصوله تركيا، فتشجع عبد المنصف، ولم يمانع خوض تجربة العمل في الخارج طالما وجد شخصا يثق فيه ووعده بتغيير حياة أسرته للأفضل.

بصفاء نية أخذ عبدالمنصف يحضر أوراقه للسفر إلى تركيا، فاقترض مبلغا بنكيا اشترى منه ثمن تأشيرة سياحية لتركيا لمدة شهرين على أمل دفع مصاريف الإقامة عند توفيره أموال من العمل هناك.

سافر عبدالمنصف، من مطار القاهرة إلى مدينة إسطنبول التركية في 19 ديسمبر الماضي، وفور وصوله التقى بشقيق الرجل التركي، وهنا كانت الصدمة، وجد عبدالمنصف نفسه بلا عمل أو سكن تائها في بلد غريب، وتبخرت الأحلام الوردية.

أدرك الرجل أنه تعرض للتضليل والظلم، فحاول البحث عن سكن ملائم فذهب للسكن عند أحد السوريين مقابل 2500 ليرة؛ لكنه تعرض لمعاملة غير آدمية بالنوم على الأرض ومنع الحصول على التدفئة، بالإضافة لتعرضه للنصب من صاحب السكن، الذي ألقى متعلقاته الشخصية في الخارج قبل تمام الشهر رغم علمه أنه بلا مأوى.

من هنا بدأت قصة عبدالمنصف تتردد على المسامع، حيث علمت مجموعة من السوريين قصته وسوء المعاملة التي تعرض لها منذ أن وطأت قدماه تركيا، فقرر “هلال” أحد الشبان السوريين، أن يأويه في بيته وأن يعامله كأبيه، ويساعده للخروج من الظلم الذي وقع عليه بغير حيلة، وأخذ يبحث له عن عمل مناسب وبالفعل استطاع ذلك، ولكن كان للقدر حسابات أخرى.

يحكي الشاب السوري هلال، الذي كان شاهد على آخر أيام عبدالمنصف القاسية في تركيا، لـ”الشروق”، فيقول: “عرفت الحاج عبدالمنصف في سوبر ماركت قبل 15 يوما من وفاته، كان محترما جدا وبشوش الوجه وطيب القلب وعفيف النفس، حكى لي تعرضه للتضليل ثم المعاملة السيئة هنا، فعرضت عليه العيش معي في بيتي”.

وواصل حديثه: “في البداية رفض لأنه عفيف النفس جدا، لكن قلت له إحنا أشقاء وواحد في الغربة واستضفته عندي 15 يوما ووفرت له عمل قريب من البيت”.

وتابع: “والله العظيم اعتبرته والدي واستمتعت كثيرا بالكلام معه، كل الناس الكبار كلامهم طيب وما ينشبع منه، كان دايما يحكيلي قصص حزينة، ويقولي مش حابب أكون ثقيل عليك في بيتك، وأنا أقول له بكرة تتيسر، وفجأة لقيته طلع ورقة فيها وصيته، وكتب فيها اسمه وعنوانه وسامحوني وياريت أولادي يسددوا عني ديوني، وبعدها قالي أنا حسيت بنغزة في صدري وحاسس إن هيجرالي حاجة، ده عنواني ووصيتي لو حصلي حاجة أرسلها لأهلي في مصر”.

واستطرد هلال قائلا: “قولت له اتركها لله، ولن يحدث أي شيء إن شاء الله وربنا خلقنا نساعد بعض ومش هتخلى عنك، لكن صباح يوم الاثنين بعدما فطرنا سويا وخرجت للعمل، تفاجأت برفيقي السوري يتصل بي في المساء، ويخبرني أن الحاج عبدالمنصف مريض جدا ويشعر بألم في صدره ويحتاج لطبيب”.

عاد هلال، إلى البيت مسرعا، كما يحكي لـ”الشروق”، وسأله إذا كان يعاني من مرض فأجاب عبدالمنصف، لا، فذهب به إلى مستشفى خاص وكان يردد الشهادتين طوال الطريق، وحاول الأطباء إسعافه لمدة ساعة ونصف لكنه توفي بجلطة.

كان عبدالمنصف، “طول الوقت مقهور وحزين بسبب أولاده وديون القرض الذي أخذه للسفر إلى تركيا، وكان يخاف على أسرته، وقال لي ياريت كنت فضلت بمصر”، حسبما أضاف هلال.

أسماء ابنة المصري الراحل، أكدت في تصريح لـ”الشروق” أن والدها تعرض للتضليل والظلم من شخص معروف للجميع يحمل الجنسية التركية ويسكن في مدينة دمياط، شجعه على السفر لتركيا لرفع المستوى المعيشي لأسرته المكونة من الأم وبنتين وشاب، لكنه واجه الغربة وحيدا في أبشع صورها.

وأضافت أسماء، الطالبة الجامعية، باكية: “راجل تركي عشم أبويا بـ15 ألف ليرة في الشهر وسكن مقابل شغله في مزرعته، بس أبويا سافر تركيا ملقاش أي حاجة من دي وفضل من الساعة 4 العصر لحد 11 بليل بدون سكن، وأبويا مكملش 40 يوم في الغربة وتوفي بجلطة”.

واستطردت: “كل اللي عايزاه حد يساعدنا جثمان أبويا يرجع وبس”.

وذكرت أن والدها اتصل بهم في مكالمة هاتفية قبل الوفاة بيوم، وشعرت حينها أنه ليس بخير، حتى وصلها خبر وفاته في اليوم التالي الساعة 6 صباحا، نتيجة ألم في الصدر، مشددة على أنه لم يكن يعاني أي مرض من أمراض القلب أو الضغط.

وأشارت إلى أن جثمان والدها لا يزال محتجزا في مستشفى “كارتال” في منطقة بندك، بإسطنبول، وأن المستشفى ترفض إعطاء تقرير الوفاة لغير أهل المتوفى، مشيرة إلى أنها حصلت على معلومات عن ضرورة توفير مبلغ 5000 دولار بما يعادل 150 ألف جنيه لاسترجاع جثمان والدها من تركيا، أو استرجاعه على نفقة الدولة لكن في الحالتين سيمكث 20 يوما في المستشفى التركي حتى سفره لمصر: “ياريت حد يساعدنا ترجع بابا احنا منقدرش ندفع الفلوس دي كلها”.

فيما أوضح خالد، نجل الراحل الأكبر لـ”الشروق” أن العائلة تواصلت مع القنصلية التركية في مصر لاسترجاع جثمان ابيه، وأن جيرانهم في الدقهلية لديهم أهل في إسطنبول يحاولون مساعدة العائلة في استرجاع الجثمان من تركيا.

أما عن الوضع في إسطنبول، يقول الشاب السوري هلال، إن الشرطة التركية تأكدت من أن الوفاة طبيعية، موضحا أنه تواصل مع شقيق الرجل التركي في مصر الذي عرض على عبد المنصف السفر، وأخبره أنه سلم جواز سفر عبدالمنصف إلى القنصلية المصرية في تركيا والتي بدورها سترسله للخارجية المصرية لتسهيل نقل الجثمان إلى مصر.

اقرأ أيضا