اخبار المغرب

حجاب المغربية بنزينة يختبر العنصرية الفرنسية في ثمن نهائي مونديال السيدات

بعد تأهل المنتخب المغربي النسوي لكرة القدم إلى دور ثمن نهائي كأس العالم للعبة المقامة حاليا بكل من أستراليا ونيوزيلاندا، ستواجه “لبؤات الأطلس” المنتخب الفرنسي يوم الثلاثاء المقبل، وسط توقعات بأن “تعيد بعض العقليات اللائكية الفرنسية خطابها القديم في ما يخصّ حجاب اللاعبة نهيلة بنزينة”؛ خصوصا لكون العديد من الباحثين المغاربة يعتبرون النموذج العلماني الفرنسي “أصوليّا” و”متطرّفا” في هذا الجانب.

واعتبر الباحثون الذين اخبار السعوديةت معهم جريدة هسبريس أنّ “نبش الفرنسيين في لباس بنزينة قد يمثل إحراجاً للخصم الفرنسي، ولتلك العقلية التي مازالت تحكمه”، عادِّينَ أنّ “التعليق على لباسها لن تكون له حمولة رياضية، بل سيكون عملاً تمييزيا وعنصريا، خصوصا أنّ العلمانية الفرنسية تحولت من بعدها العلمي إلى بعدها الأيديولوجي، الذي خرّب العديد من تصوراتها”.

سعيد ناشيد، الباحث في الفكر الديني والتراث الثقافي، قال إنّ “المؤشرات جميعها تشير إلى أنّ النزعة الإقصائية لدى اللائكيين المتطرّفين بفرنسا يمكن أن تنهض في أي فرصة سانحة، وحتى مع لباس اللاعبة المغربية نهيلة بنزينة”، مشدداً على أنّ “اليمين المتطرّف بدوره ألصق مساوئ كثيرة بهذا النموذج العلمانيّ، جعلت العديد من الفرنسيين ينظرون للحجاب كمشكلة ثقافية؛ ولا ننسى أن السلفيين بالمغرب يعتبرون أيضا لباس بنزينة مشكلة”.

ناشيد أضاف، وهو يقدّم تفسيراته لجريدة هسبريس، أنّ “كلمة الحجاب تبقى ملغومة على نحو مخيف”، موضحا أنّ “فيفا مادامت تقبل ذلك اللباس فلا شأن للفرنسيين به؛ وهو أمر يتعلّق بشكل حصريّ بحرية اللاعبة الشخصية مادامت تستجيبُ للمعايير الكرويّة المعمول بها”، وزاد: “ما ارتدته بنزينة في نهاية المطاف لباس مقبول، قد يرتديه حتى الذّكور. ومن ثمّ، هو من النّاحية المبدئيّة، لا يطرح مشكلا”.

ونبّه الباحث المغربيّ إلى “ضرورة الحذر من مزالق ‘أدلجة الرياضة’، والجرّ بها إلى متاهات سياسوية وانتخابوية قصد حشد أصوات الناخبين الفرنسيين من خلال إهانة اختيارات الآخرين، لكون اليمين المتطرف صار يفقد أوراقه واحدة تلو الأخرى، ولكن موضوع اللاعبة لن يسعف حتى في استغلاله سياسيا”، معتبرا أنّ “الغرب صار في جزء منه متطرفا وصار يتجه نحو نسف العديد من معاني التعددية”.

وسجّل المتحدث ذاته أنّ “ما هو محتمل أن يحصل لبنزينة من إهانات بسبب لباسها سبق وحدث مع اللاعب زكرياء بوخلال خلال كأس العالم، وكنّا حينها ذكّرنا بأنّ الاختيارات الدينية والميول مسائل تنتمي إلى الفرد على وجه الحصر والقطع”، مضيفا أنّ “المباراة المقبلة ستحيي الجرح الذي تركته فرنسا لدينا في فعاليات كأس العالم، وبالتالي محاولة لبؤاتنا الثأر سيقابل بالكثير من السلوكيات التي في المجمل لا يمكننا أن نقبلها”.

لكن، هل يمكن أن تؤثر هذه الحملة المرتقبة في فرنسا ضدّ حجاب اللاعبة على أداء نهيلة بنزينة؟ سؤال تنقله جريدة هسبريس إلى الأخصائي في علم النفس الاجتماعي محسن بنزاكور، الذي قال إنّ “اللاعبة حين عبرت عن إيمانها بالاختلاف تبدو أقوى من أن ترضخ لهذه الأشكال الخبيثة من القتل المعنوي، التي قد نشاهدها في الغرب، وخصوصا في فرنسا، بحكم عدائها المُعلن للحجاب، وعدّه لباسا أيديولوجيّا”.

بنزاكور أورد أنّ “الغريب في الأمر أنّ هذه النقاشات مازالت تطرح في ‘الغرب العلمي’ وفي ‘فرنسا الأنوار’ حتى في 2023، فهناك من الفرنسيين من مازال تفكيرهم محدودا وقاصرا عن استيعاب الاختلاف كقيمة كونية تنتمي إلى عصر الحداثة”، موضحا أنّ “الأمر يصبح أكثر دلالة في دولة لائكيّة تدّعي أنها قادرة على احتواء الاختلاف مثل فرنسا؛ لكن جزءاً من الخطابات السياسية والرسمية تناقض هذه الحقيقة”.

واستطرد المتحدث مفسراً: “بعض الأفكار التي صارت تّتداول اليوم في فرنسا أو غيرها هي مبادئ تنتمي إلى الفكر الهتليري الذي يتحدث عن جنس آري يقصي غيره من الأجناس وقناعاتهم ويمنع استئناف النقاش معهم”، لافتا إلى أنّ “هؤلاء هم أنفسهم من يوصوننا اليوم بالوسطية والانفتاح على حوار الأديان”، وزاد: “لقد صار الوضع عبارة عن سياسية إقصائية ذات أسس عنصرية في دولة تمييزية بامتياز”.

وختم بنزاكور قائلا: “هناك حنين كبير إلى زمن اللائكية العلمية التي كانت في أصلها أن ننفتحَ على كلّ أشكال الاختلاف مع بقاء السّيادة للدولة”، مبرزاً أننا اليوم “أمام لائكية فرنسية جديدة مبنية على نوع من العنصرية”؛ وختم بالقول: “اللائكيّة تعني فصل الدّين عن الدولة، بوصف الأديان تنبني على التعصب، وبالتالي إذا كان هناك اختلاف عقدي سوف ينقسم المجتمع ويشكل خطورة على الدولة.. لم يبق هذا التصور حين صارت اللائكية أيديولوجيا إقصائية جديدة”.