اخبار المغرب

هكذا يُجنب الملك المغرب تقاطب “المحافظين والحداثيين” بشأن تعديلات المدونة

أكد خطاب الملك محمد السادس، الموجه إلى الشعب المغربي بمناسبة عيد العرش يوم السبت 30 يوليوز 2022، على ضرورة مراجعة مدونة الأسرة، مشددا في الآن نفسه على عبارة “لن أحلل ما حرم الله ولن أحرم ما حلل الله”، وهي العبارة نفسها التي سبق أن حسم بها الخلاف الذي كان قد دار بين “المحافظين” و”الحداثيين” حول مدونة الأسرة وترجمته مسيرتان حاشدتان شارك فيهما عشرات الآلاف من المتظاهرين.

محمد شقير، الباحث والمحلل السياسي، قال في تصريح لهسبريس إن تكرار العاهل المغربي لهذه العبارة مهد لها بعبارة أنه بوصفه أمير المؤمنين الذي تقوم شرعيته على أسس دينية، منها القرآن والسنة. والقرآن يتضمن نصوصا قطعية، سواء في التعدد أو في الصداق أو في تحريم قتل النفس، وبالتالي فهو لا يمكن أن يتجاوز في الإصلاحات والقرارات هذه النصوص القطعية، خاصة فيما يتعلق بالأسرة، يضيف شقير.

وأوضح الباحث أن هذه العبارة هي توجيه إلى أن أي تعديل في مقتضيات وبنود المدونة ومحاولة تجاوز بعض النواقص والاختلافات التي واكبت تنفيذها لن يتجاوز ما قضت به النصوص القرآنية القطعية، وهو في هذا يحاول أن يتفادى أي تقاطب سياسي فيما يتعلق بأي تعديلات في المدونة الحالية، وتجنب تكرار السيناريو الذي تميز بعقد مسيرات لأطياف حداثية بالرباط ومسيرات لأطياف محافظة بالدار البيضاء.

تذكير أمير المؤمنين

من جانبها، أوردت أسماء مهديوي، الباحثة في العلوم السياسية، أن مدونة الأسرة عند صدورها سنة 2004 شكلت “ثورة” على مستوى المضامين المتعلقة بإقرار مبدأ المساواة بين الجنسين، وترسيخ حقوق الطفل وحقوق المرأة، كما عملت على توسيع مجال دور القضاء في تطبيق مقتضيات المدونة، وإحداث أقسام قضاء الأسرة، واعتبار النيابة العامة طرفا رئيسيا في قضايا الأسرة.

وأبرزت المتحدثة أن التطبيق العملي للمدونة اعتراه قصور ونقص تتجلى أبرز مظاهره في زواج القاصرات، “فإذا كانت مدونة الأسرة قد اعتبرت سن الزواج محددا في 18 سنة شمسية كاملة للجنسين معا، وأجازت للمحكمة إمكانية النزول عند هذا الحد استثناء بمقتضى مقرر معلل يحدد مصلحة القاصر في الزواج، فإن الواقع العملي حول الاستثناء إلى قاعدة”.

وتابعت مهديوي أن هناك إشكالا يتعلق بكثرة مساطر التطليق والطلاق واختلاف المقتضيات القانونية بشكل لا يحقق الأمن القانوني وحسن الولوج للعدالة، كما أن هناك إشكالات ولبسا فيما يخص قضية إثبات النسب والإجراءات المتعلقة بذلك، والتي تطرح في جوهرها مشكل عدم المساواة بين طرفي العلاقة نفسها.

وفيما يتعلق بالنيابة الشرعية، أوضحت الباحثة أنها تطرح مشاكل عدة، حيث تعتبر الأم نائبا شرعيا على سبيل الاحتياط في حالة وفاة الأب أو غيابه، مع إمكانية قيامها استثناء ببعض الأمور المستعجلة للأبناء، وهذا يخلق عدة متاعب للأم أمام الإدارات والمصالح، ويفرض عليها طرق أبواب القضاء الاستعجالي، أو النيابة العامة، في حين لا يواجه الأب مثل هذه الصعوبات، تضيف مهديوي.

وأشارت المتحدثة إلى أن عبارة “لن أحلل ما حرم الله ولن أحرم ما حلل الله” ما هي إلا تذكير من الملك، بصفته أمير المؤمنين وحامي حمى الملة والدين المؤتمن على أمن المغاربة الديني، بأن عددا من المسائل التي تخص الأسرة مسائل قطعية لا يمكن الخوض فيها.

من جهة أخرى، أبرزت مهديوي أن عدة مقتضيات قانونية في مدونة الأسرة الحالية أصبحت غير ملائمة للتغيرات التي يعرفها المجتمع المغربي، وللتحول الدستوري وللاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب، وهو ما يفرض إعادة النظر وفتح النقاش حول التعديل، الذي ينبغي ان يشمل الجانب الموضوعي وكذلك الجانب الإجرائي، من خلال الارتقاء بتجربة أقسام قضاء الأسرة لتصبح محاكم متخصصة في الأسرة ومدها بالموارد التي تحتاجها، ومأسسة الصلح والوسائل البديلة لحل المنازعات، وتوسيع نطاق المساعدة القانونية والقضائية، وكذلك الاهتمام أكثر بقضايا مغاربة المهجر، سواء فيما يتعلق بتنازع القوانين أو بإشكاليات الزواج المختلط وأثره على وضعية الأسرة.

مغرب المساواة

من جانبها، أشارت فدرالية رابطة حقوق النساء إلى أن الخطاب الملكي ذكر بأن “بناء مغرب التقدم والكرامة الذي نريده لن يتم إلا بمشاركة جميع المغاربة، رجالا ونساء، في عملية التنمية. لذا نشدد مرة أخرى على ضرورة المشاركة الكاملة للمرأة المغربية في كل المجالات”، مضيفة أن “الأمر هنا، لا يتعلق بمنح المرأة امتيازات مجانية، وإنما بإعطائها حقوقها القانونية والشرعية. وفي مغرب اليوم لا يمكن أن تحرم المرأة من حقوقها”.

ونوهت الفدرالية بهذا الخطاب؛ مؤكدة أنه ينصف النساء، ويفعل روح وأحكام الدستور فيما يخص المساواة والمناصفة والقضاء على التمييز بسبب الجنس، ويضع المرأة المغربية في موقعها الطبيعي المتوازن والريادي لأن “تقدم المغرب يبقى رهينا بتقدم مكانة المرأة، وبمشاركتها الفاعلة في مختلف مجالات التنمية”، كما جاء في نص الخطاب.

وجددت الهيئة ذاتها التأكيد على مطالبها بإصلاح شامل لمدونة الأسرة، التي أثبتت بعد 18 سنة من دخولها حيز التنفيذ قصورها واختلالاتها وسلبياتها وفق ما يقره دستور البلاد من مساواة ومناصفة في ديباجته وفي الفصل 19 منه.

وطالبت الفدرالية، في بيان توصلت به هسبريس، بملاءمة الترسانة القانونية الوطنية مع المواثيق الدولية لحقوق الإنسان التي صادق عليها المغرب. كما دعت “كل القوى الحية الوطنية المتنورين إلى الانخراط في هذا الورش الكبير الذي يعني النساء والرجال والأطفال والمجتمع برمته لأن مدونة الأسرة ليست خاصة بالنساء فقط”.

ودعت أيضا إلى تفعيل المؤسسات الدستورية والفعاليات المعنية بحقوق الأسرة والمرأة، وتحيين الآليات والتشريعات الوطنية للنهوض بوضعيتها، كما جاء في الخطاب الملكي، والإخراج الفوري لهيئة الإنصاف، وتمكينها من الموارد البشرية والمالية للقيام بالدور الموكول إليها من أجل القضاء على كل أشكال العنف والتمييز المبني على النوع.