اخبار فلسطين

كيف كادت إسرائيل تحول زيارة بايدن إلى القدس الشرقية إلى حادثة دبلوماسية

كشف مسؤول كبير في الإدارة الأمريكية لتايمز أوف إسرائيل أن إسرائيل كانت مستعدة لتحويل زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى مستشفى في القدس الشرقية إلى حادث دبلوماسي كبير بسبب رفض واشنطن السماح لأي مسؤول إسرائيلي بالانضمام.

كانت الجولة في مستشفى أوغوستا فيكتوريا يوم الجمعة الماضي هي المرة الأولى التي تطأ فيها قدم رئيس أمريكي القدس الشرقية، باستثناء البلدة القديمة. واعتبرت إسرائيل الزيارة بمثابة بيان سياسي للإدارة يهدف إلى الاعتراف بالعلاقات الفلسطينية مع الجزء الذي تقطنه أغلبية فلسطينية.

ونتيجة لذلك، حاولت على مدى شهور إقناع الولايات المتحدة بالسماح لمسؤولين حكوميين إسرائيليين بحضور الزيارة من أجل إظهار أن القدس الشرقية جزء من عاصمتها الموحدة، كما أوضح المسؤول الكبير في إدارة بايدن في محادثة عقدت بعد عدة أيام من زيارة الرئيس إلى المنطقة.

لكن رفضت الولايات المتحدة الجهود المتكررة، مؤكدة أن زيارة بايدن لم تكن بيانا سياسيا، بل كانت تهدف الى تعزيز الرعاية الصحية للجميع.

وفي ملاحظاته في أوغستا فيكتوريا، ركز بايدن إلى حد كبير على هذه النقطة، قائلا إن التبرع الجديد بقيمة 100 مليون دولار أمريكي لشبكة مستشفيات القدس الشرقية كان “جزءا من التزامنا بدعم الصحة والكرامة للشعب الفلسطيني”.

ومع ذلك، ظلت إسرائيل غير مقتنعة في الفترة التي سبقت رحلة الرئيس بنوايا الإدارة، ولمدة شهرين تقريبا، قام مسؤولون من أعلى المستويات الحكومية في القدس بالتواصل مع نظرائهم الأمريكيين مطالبين بالسماح لممثلين إسرائيليين بمرافقة بايدن، قال المسؤول الأمريكي الكبير. وأضاف المسؤول أن الجهود بدأت خلال فترة تولي نفتالي بينيت لرئاسة الوزراء، لكنها استمرت بعد أن حل محله يائير لبيد في الأول من يوليو، وحتى أنها تضمنت مكالمات هاتفية من مسؤولين إسرائيليين كبار سابقين إلى السفارة الأمريكية في القدس.

زوار يخرجون من مستشفى أوغوستا فيكتوريا قبل زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن في القدس الشرقية، 11 يوليو 2022 (AP Photo / Mahmoud Illean)

وقبل عدة أسابيع من وصول الرئيس، أرسلت الولايات المتحدة فريقًا متقدمًا إلى إسرائيل للتحضير للرحلة. وتضمن جدول الفريق زيارة لأوغستا فيكتوريا من أجل وضع اللمسات الأخيرة على تفاصيل الزيارة. لكن قال المسؤول الكبير في الإدارة إنهم لقيوا فور وصولهم إلى هناك ممثلان من وزارة الصحة الإسرائيلية سعيا إلى “الانضمام دون دعوة” للاجتماع. وأصر الممثلان على أنه تمت الموافقة على حضورهما من قبل السفارة الأمريكية، على الرغم من أن الأخيرة لم تمنحهم مثل هذا التفويض مطلقًا.

وقبل أيام قليلة من زيارة بايدن، اتخذت الحكومة الإسرائيلية “القرار الاستراتيجي” بالسماح بإجرائها دون حضور ممثليها، قال المسؤول الأمريكي.

وأكد المسؤول أنه بينما تجنب الرئيس إصدار بيانات سياسية تخص القدس الشرقية، فإن قرار زيارة ذلك الجزء من المدينة كان “مقصودا”، دون الخوض في مزيد من التفاصيل.

متظاهرون يلوحون بالأعلام الفلسطينية بينما تقف الشرطة الإسرائيلية بالقرب من مستشفى أوغستا فيكتوريا في القدس الشرقية خلال زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، 15 يوليو 2022 (AP Photo / Maya Alleruzzo)

التداعيات غير المباشرة لسياسة ترامب بشأن القدس

كان الموقف الأمريكي بشأن القدس حاضرا في التخطيط للقاء بايدن مع رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، الذي انعقد في بيت لحم فورا بعد زيارته لأوغوستا فيكتوريا.

وقال المسؤول في الإدارة الأمريكية إن مكتبي بايدن وعباس سعيا في البداية إلى إصدار الزعيمين بيانا مشتركا عقب اجتماعهما من شأنه أن يسلط الضوء على مجالات التوافق الأمريكي الفلسطيني فيما يتعلق بالصراع الإسرائيلي الفلسطيني.

وقامت واشنطن بصياغة نسخة من البيان تم إرسالها إلى رام الله للموافقة عليها. وأعادت السلطة الفلسطينية البيان بتعديلات ذهبت إلى أبعد مما كانت إدارة بايدن مستعدة للذهاب إليه. وفي محاولة أخيرة للتوصل إلى حل وسط، سأل البيت الأبيض مكتب عباس عن الخط الأحمر للبيان وردت رام الله بأنه سيتعين عليها إدراج الاعتراف بالقدس الشرقية عاصمة لدولة فلسطينية في المستقبل.

وأوضح المسؤول في الإدارة الأمريكية أن الولايات المتحدة لن تكون قادرة على إصدار مثل هذا الإعلان لأنه ينتهك الإعلان الذي وقعه الرئيس السابق دونالد ترامب، والذي اعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل مع التأكيد على أن الحدود النهائية للسيادة الإسرائيلية ستكون “خاضعة لمفاوضات الوضع النهائي بين الطرفين”.

بعد إدراك أن الولايات المتحدة لن تتخذ خطوات تخص هذه القضية، اقترح مكتب عباس أن يصدر الرئيسان بيانات منفصلة في ختام اجتماعهما.

في نهاية الأمر، عبر بايدن لأول مرة كرئيس عن دعمه لحل الدولتين على أساس خطوط ما قبل عام 1967، مع تبادل الأراضي المتفق عليه، في إيماءة للمطالب الفلسطينية بالقدس الشرقية.

الرئيس الأمريكي جو بايدن (يسار) يستمع بينما يتحدث رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس خلال مؤتمر صحفي مشترك في مدينة بيت لحم بالضفة الغربية، 15 يوليو 2022 (AP Photo / Majdi Mohammed)

لكنه اكتفى بالقول إن القدس “يجب أن تكون مدينة لجميع أبنائها” مع الحفاظ على الوضع الراهن في أماكنها المقدسة.

من ناحية أخرى، أعلن عباس أن اتفاق السلام يجب أن يشمل “إنهاء الاحتلال الإسرائيلي لأرضنا، أرض دولة فلسطين، وعاصمتها القدس الشرقية، بناء على حدود عام 1967”.

وفي كل من ملاحظاته العلنية وفي لقائهما الخاص، ضغط عباس على بايدن بشأن مطالب السلطة الفلسطينية بأن تفي الإدارة بتعهداتها بإعادة فتح القنصلية الأمريكية في القدس والمكتب الدبلوماسي لمنظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن، بالإضافة إلى إلغاء قانون الكونجرس لعام 1987 الذي ينص على تصنيف منظمة التحرير الفلسطينية والمنظمات التابعة لها على أنها منظمات إرهابية.

وقال عباس لبايدن في تصريحاته العلنية “نحن لسنا إرهابيين”.

عناصر قوات الأمن الفلسطينية يحرسون بينما يلوح طفلان فلسطينيان بالأعلام الوطنية خلال مظاهرة في بيت لحم بالضفة الغربية أثناء زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، 15 يوليو 2022 (ABBAS MOMANI / AFP)

بايدن “صريح” بشأن ما يمكنه تقديمه للسلطة الفلسطينية

في الاجتماع المغلق، كان بايدن “صريحا بشأن ما يمكن أن يفعله”، قال المسؤول الكبير في الإدارة، دون أن يذهب إلى حد القول صراحة إن الرئيس أخبر عباس أن إعادة فتح القنصلية لن يكون ممكنا بسبب المعارضة الإسرائيلية.

وتمت دعوة ممثلين من المكتب الأمريكي الجديد للشؤون الفلسطينية لشرح ما يجب على السلطة الفلسطينية فعله للسماح بإعادة فتح مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن. وقيل لعباس إن القانون الأمريكي سيتطلب منه التخلي عن جهوده ضد إسرائيل في المحكمة الجنائية الدولية إلى جانب وقف جهوده للانضمام إلى وكالات الأمم المتحدة والانضمام إلى عضوية الأمم المتحدة ما يصعب على رام الله قبوله، بالنظر إلى أن رئيس السلطة الفلسطينية طلب من بايدن خلال الاجتماع دعمه للجهد الأخير، اعترف المسؤول في الإدارة.

وقال المسؤول الأمريكي أنه إذا تعهدوا بالتراجع عن هذه المبادرات، فإن البيت الأبيض سينظر في توقيع تنازل يسمح بإعادة فتح مكتب منظمة التحرير الفلسطينية مؤقتًا، مضيفًا أنه يمكن التخلي عن توقيع التنازل تمامًا إذا نفذت رام الله تلك التعهدات.

كما أُبلغ عباس خلال الاجتماع أن إلغاء قانون 1987 سيتطلب من السلطة الفلسطينية إصلاح سياستها الاجتماعية، والتي تنص على تقديم مدفوعات للأسرى الأمنيين، بمن فيهم منفذي هجمات ضد إسرائيليين وعائلات القتلى والمعتدين، قال مسؤول ثانٍ في الإدارة.

مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في العاصمة الأمريكية واشنطن، 21 نوفمبر، 2017 (AFP PHOTO / SAUL LOEB)

وقد أعربت سلطة رام الله عن استعدادها لإصلاح السياسة في اجتماعات مغلقة، بما في ذلك في الاجتماع الأخير مع بايدن، وصاغت اقتراحًا من شأنه أن يجعل المدفوعات للسجناء تستند إلى الحاجة المالية، وليس على طول مدة عقوبة السجن كما هو الحال حاليا، قال مسؤولان فلسطينيان لتايمز أوف إسرائيل العام الماضي. لكن لم يتم تطبيق الإصلاح.

ومع ذلك، قال المسؤول الثاني في الإدارة إنهم “وجدوا المزاج العام في بيت لحم بناء إلى حد ما، مقارنة بما كانت عليه الأمور قبل شهر”. والتقى عباس حينها بمساعدة وزيرة الخارجية الأمريكية لشؤون الشرق الأدنى باربرا ليف، وقال أنه مستعد لقطع العلاقات الأمنية مع إسرائيل بسبب تحركات الأخيرة في القدس الشرقية والضفة الغربية.

وأشار المسؤول الأمريكي الكبير إلى أن عباس تراجع منذ ذلك الحين عن هذا الموقف نتيجة زيارة الرئيس وسلسلة الخطوات التي تهدف إلى تحسين الاقتصاد والمعيشة للفلسطينيين الخاضعين للسيطرة الإسرائيلية.

وتضمنت تلك الخطوات الإعلان عن وصول شبكة الاتصالات الخلوية من الجيل الرابع للفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة، وتمديد ساعات عمل معبر جسر اللنبي الحدودي بين الضفة الغربية والأردن ليعمل على مدار الساعة، وإعادة عقد اللجنة الاقتصادية الفلسطينية الإسرائيلية المشتركة.

لافتة تتضمن علمًا إسرائيليًا وعلمًا فلسطينيًا، جزء من حملة لمنظمة “السلام الآن” اليسارية، قبل الزيارة الرسمية للرئيس الأمريكي جو بايدن، معروضة في تل أبيب، 11 يوليو 2022 “الرئيس بايدن، مرحبًا بك في الدولتين اللتين نحبهما” (Avshalom Sassoni/Flash90)

لكن هذه إجراءات أعلنتها إسرائيل من قبل ولم تنفذ بعد. واعترف المسؤول الأمريكي الكبير الأول الذي تحدث إلى التايمز أوف إسرائيل أنه سيتعين على إدارة بايدن المتابعة مع القدس بشأن هذه الخطوات لضمان تطبيقها خلال هذا الوقت.

وأضاف المسؤول أن البيت الأبيض يخطط لبحث ما يمكنه فعله لتطوير الحوار بين لبيد وعباس من أجل المضي قدمًا. وتحدث الزعيمان قبل أيام من زيارة بايدن فيما كان أول اتصال من نوعه بين رئيس وزراء إسرائيلي وعباس منذ خمس سنوات.

وقال لبيد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في وقت سابق من هذا الشهر أنه لن يستبعد إمكانية لقاء عباس شخصيا، رغم عدم وجود خطط فورية لعقد مثل هذا الاجتماع. وأكد مكتبه في الماضي أنه لا يريد اجراء لقاء مع عباس بدون أجندة واضحة بسبب مخاوف من رفع التوقعات الفلسطينية دون داع.

لم يرد مكتب عباس ووزارة الخارجية الإسرائيلية على الفور على طلبات للتعليق على هذا التقرير.