فنون

حوار| صبري فواز: أنا مثل لاعب الكرة أستعرض قدرتى للوصول إلى المتعة


حوار- حاتم جمال الدين:


نشر في:
الأحد 29 أكتوبر 2023 – 12:30 ص
| آخر تحديث:
الأحد 29 أكتوبر 2023 – 12:30 ص

ــ الأصل فى فن التمثيل هو روح الشخص الذى أجسده وهو ما حدث مع محمد مرسى بـ «الاختيار 3»
ــ الأستاذ «هيكل» هو الدور الأصعب بين الشخصيات الحقيقية التى لعبتها دراميا
ــ استلهمت روح بليغ حمدى من ألحانه.. وأضفت لأسامة بن لادن خطوات رجل يعيش فى أراضٍ وعرة
ــ «أيم حتب» و«العز بن عبدالسلام» و«زكريا الحجاوى» أدوار أتمنى تقديمها فى أعمال درامية

قدم الفنان صبرى فواز خلال مشواره الفنى نسخا طبق الأصل لشخصيات حقيقية من الحياة على شاشات الدراما، فلا نرى له دورا يشبه آخر بين أكثر من 100 شخصية لعبها فى الدراما التليفزيونية أو بالمسرح والسينما، ولكن يظل التحدى الحقيقى فى مسيرته المهنية هى تجسيده لتلك الشخصيات التى عاشت تحت الأضواء، وعرف الناس عنها الكثير عبر أعمالها وأخبارها وروايات تداولها عنهم الآخرون، ومنها شخصيات سياسية وتاريخية وفنية، حيث جسد بليغ حمدى فى مسلسل «أم كلثوم»، والأستاذ محمد حسنين هيكل فى دراما «صديق العمر»، وزعيم القاعدة أسامة بن لادن مع «أبو عمر المصرى»، وأخيرا كان ظهوره المثير للدهشة بدور الرئيس الأسبق محمد مرسى فى مسلسل «الاختيار 3».

وفى حواره مع «الشروق» يكشف فواز عن سر الخلطة، وأدواته الخفية فى استحضار الأرواح، واستنساخ الأشكال، وصناعة أقرب صورة للأصل، وكيف يستعد لمثل هذه الأدوار التى تضعه تحت اختبارات التشبيه والمقارنة.

وعن معايشته لأدواره يقول الفنان صبرى فواز إنه ينطلق فى جميع أدواره بالتعامل مع النص المكتوب، ويبدأ بقراءة النص كاملا يتعرف فيه على موقع الشخصية التى سيجسدها من الأحداث، وعلاقاته بالشخصيات الأخرى، وبعدها يبدأ فى إعادة القراءة مع التركيز على الشخصية التى سيلعبها، والبحث عن المفاتيح التى يجب استخراجها بعناية، سواء من كلام هذا الشخص، ومواقفه من الآخرين، أو ما يقال عنه على ألسنة الشخصيات الأخرى فى مشاهد قد لا تكون الشخصية حاضرة فيها، ومن هذا كله يستطيع التعرف على تفاصيل وملامح هذا الشخص.

ويضيف فواز أن المرحلة الثالثة من القراءة يركز فيها على الشخصية، والتى يبدأ بعدها استكشاف الأشياء التى قد تكون غير واضحة بالنص، ويحاول الوصول إليها من خلال أحاديث ممتدة مع المؤلف، الذى يفتح له سككا كانت مغلقة أثناء القراءة، وكذلك يعقد جلسات أخرى مع المخرج يتعرف فيها على نظرته للشخصية، ورؤيته الإخراجية، وما هى الزوايا التى سيتعامل من خلالها مع الشخصية، ومن هنا يحدد الطريق الذى سيسير فيه، ليكون أداؤه متوافقا مع رؤية المخرج للعمل.

وأشار إلى المرحلة الأهم، وهى التى يعيشها مع نفسه مع القراءة الثالثة والتى يصاحبها تحريك للخيال، ووضع تصورات لهذه الشخصية كيف تتحدث، وكيف تتصرف وهى فى حالتها الطبيعية الهادئة، وكيف يكون انفعالها فى الغضب، ويبدأ فى رسم الصورة كاملة فى خياله بعد أن يغلق الورق، وعندما يرى الشخصية تمشى أمامه فى الخيال، يعرف أنه أمسك بالشخصية، ويقوم بتثبيت هذا الشكل وهذه الخطوة فى ذاكرتى.

> سألته.. هذا بالنسبة للشخصيات الدرامية عموما.. فماذا عن المشاهير، والشخصيات التاريخية؟

ــ بالنسبة للشخصية المعروفة يكون الأمر مختلفا قليلا؛ حيث أضيف إلى السابق مراجعة كل التسجيلات الخاصة بهذه الشخصية سواء أعمال تسجيلية أو حوارات تليفزيونية وإذاعية وحتى ما كتبته عنه الصحافة، والبحث فى مواقفة وكيف تعامل معها، ومبرراته لاختيار قراراته، والتى منها أستطيع التعرف على طريقة تفكير الشخصية، وهذا ما حدث مع شخصية بليغ حمدى فى مسلسل «أم كلثوم» الذى كان أول شخصية من المشاهير أجسدها دراميا.

> وما هى مفاتيحك لتجسيد شخصية بليغ حمدى خاصة وأنها كانت أول شخصية تلعبها من الواقع؟

ــ كنت فى بداية حياتى الفنية عندما قدمت هذا الدور، ولم تكن دائرة معارفى واسعة بالقدر الذى أستطيع معه الوصول إلى أشخاص ممن أحاطوا ببليغ، وتعاملوا معه بشكل مباشر من أصدقائه وأقاربه كى أستقى منهم معلومات تمكننى من رسم روح الشخصية، وكان كل ما أعرف عنه شكله الخارجى من صور الصحف والمجلات، وكان يهمنى جدا أن أقدم روح بليغ حمدى الفنان، ومن هنا قررت الاستعانة بألحانه وموسيقاه، لإيمانى بأن الروح التى تصنع هذه الحالة الموسيقية لابد وأن يكون لها ملامح روح المبدعة.

> وكيف كانت ردود أفعال هذه التجربة؟

ــ كانت رائعة، وشعرت بسعادة غامرة عندما لمس الناس هذه الروح فيما قدمته على الشاشة، وقال لى عمار الشريعى رحمه الله أن طبقة صوتى كانت قريبة جدا من بليغ حمدى.

> وما هو الدور الأصعب بين الشخصيات الحقيقية التى جسدتها دراميا؟

ــ الأستاذ «هيكل»، وكانت مشكلتى الأساسية هى جمع معلومات عن شخصية محمد حسنين هيكل الإنسان، خاصة وأن الجميع لا يعلم عن الأستاذ «هيكل» إلا ما قدمه الأستاذ عن نفسه، وبالتالى فهى ليست الصورة الحقيقية التى يجب أن أتعامل معها دراميا، ووجدت أن كل ما جمعته من كتابات عنه يصل بى إلى نفس المنطقة الغامضة، والتى لا نرى فيها إلا الهالة التى كانت تكسو ظهور «الأستاذ» فى أى مكان، وأى مناسبة، وبعد فترة من الحيرة لجأت إلى مفهوم المواطن صبرى فواز عن شخص محمد حسنين هيكل، فمن متابعتى له جاءت فكرة بسيطة تقول إن هيكل هو هذا الرجل الذى عاش على قمة السلطة فى كل العهود بقدر اختلافها وتناقضها، ففى العهد الملكى كان على قمة الحياة الصحفية والسياسية، وكذلك كان فى عصر عبدالناصر على قمة الهرم، ورغم اختلافه مع الرئيس السادات، إلا أن هيكل بقى القيمة والقامة، وظل كذلك حتى آخر أيامه، ومن يستطيع أن يستمر كل هذه السنوات فهو بالقطع شخصية غير عادية، ولها نظام مختلف عن كل من حوله، وهو ما حاولت تقديمه على الشاشة.

> وماذا عن شخصية أسامة بن لادن التى قدمتها فى مسلسل «أبو عمر المصرى»؟

ــ شاهدت لـ«بن لادن» فيديوهات كثيرة جدا، وسمعته وهو يتحدث، كما سمعته وهو يقرأ القرآن، لأن دورى بالعمل كان يحتوى على مشاهد أتلو فيها القرآن، ومنها وضعت تصورات الشكل الخارجى، ولكن على مستوى الدراما الإنسانية كان لدى مفهم مختلف لهذا الرجل، فهو ليس شخصا يحلم بأن يحقق أشياء ما على المستوى السياسى، ولكنه من وجهة نظرى شخص له علاقات بأنظمة ومؤسسات دولية، وهو ما ينعكس على طريقة تفكيره وقرراته، ومن هذه المنطقة قدمته على الشاشة، واعتمدت على أن معظم حياته كان فى الجبال، ومن هنا أضفت شيئا من الثقل على حركة قدميه لتناسب طبيعة رجل يسير فى جبال وأرض وعرة سنين طويلة.

> أثرت حالة من الدهشة بتجسيدك دور الرئيس الأسبق محمد مرسى فى مسلسل «الاختيار 3»، فكيف تعاملت مع هذا الاختلاف فى الشكل والمضمون بينك وبين الشخصية؟

ــ أخذنى جدا اختيارى لتجسيد هذه الشخصية.. فلا وجه شبه بينى وبينه من أى نوع، وقلت وقتها لمسئولى شركة الإنتاج إنه كان من الممكن الاستعانة بالزميل «فلان» لأنه أقرب فى الشبه، أو الزميل «فلان» لأن الخطوط الخارجية لجسمه أقرب لهيئة الشخصية، وجاء تعليقهم: «نريد أن تقدم أنت هذا الدور»، وعندما جلست مع المخرج بيتر ميمى سألته نفس السؤال، فأجاب بأنه لا يريد أن ينشغل المشاهدون عن الرسالة التى يقولها العمل، ولا نريد أن تتحول الشخصية إلى مجرد «كاركتر» يزكى الصورة النمطية التى صدرتها السوشيال ميديا، فضلا عن الإفيهات التى كان يطلقها الرئيس مرسى فى خطاباته ولقاءاته الإعلامية.

وعرفت من كلام الدكتور بيتر المنطقة التى يريد أن أسير فيها، وبدأت أشتغل على الحكاية، وقلت لنفسى إن الزملاء فى المكياج والملابس والكوافير سيبذلون جهدا على تقريب الشكل الخارجى، ولكن يبقى الأصل فى فن التمثيل وهو روح الشخص الذى أجسده، وكان علىَّ أن أعمل على الموضوع لأمسك بروح الشخصية، ومن متابعتنا جميعا له كان لدينا عنه صورة معينة، ومن هنا ذهبت لمنطقة أخرى، فصلته فيها عن السياسة العامة وبدأت التركيز على منطقة الدراما.

وأشير هنا إلى أن التعامل مع الدراما بمفهومها الفنى يفرض على الممثل فصل مفهومه ومواقف من الشخصية، والتعامل مع مفرداتها بحيادية، ومن يدرس شخصية محمد مرسى يجد أن هذا الشخص كان يقف فى نقطة التلاقى الملتهبة بين أشرس جماعة دموية، وأعظم جيش فى المنطقة، ومن هنا بدأت أضع تصورات عن كيفية يتصرف مثل هذا الشخص فى هذا الموقف وهو قليل الحيلة، والحمد لله وجدت صدى طيبا من كل الاتجاهات.

الحقيقة أننى لم أضع وجهة نظرى، ولكن كان هذا واضحا من نص العمل، أنه رجل تم وضعه فى موقف أكبر إمكانياته، وهو رجل ضعيف الرأى وقليل الحيلة، وقدمت الموجود فى النص بإحساسى كممثل.

> وكيف وجدت ردود الأفعال لهذا الدور؟

ــ الناس تعاملت مع ما قدمته باعتباره عملا دراميا دون أى تحيز، سعدت جدا بردود أفعال المشاهدين، وسعدت أكثر بأننى لم أدخل فى لغط كبير بعد تجسيد مثل هذه الشخصية.

> وما مدى تدخلك فى عناصر المكياج والملابس وغيرها من العوامل المساعدة فى تقديم مثل هذه الأدوار؟

ــ هى لعبة جماعية ومن هنا أناقش التفاصيل مع الماكير والكوافير والملابس ومع المؤلف والمخرج، وأحيانا أتناقش مع مدير التصوير ومهندس الإضاءة من باب معرفة مكانى فى الكادر، والزوايا والعدسات التى يستخدمها، ومن وجهة نظرى فإن النقاش بين فريق العمل هو أمر طبيعى جدا فى صناعة العمل الفنى.

> ومن بين الأدوار ذات الطابع التاريخ التى قدمتها أيهم كان الأقرب لك كممثل؟

ــ سعدت بكل الأدوار التى جسدتها، لأننى من البداية أعتذر عن أى شخصية لا تصل بى كممثل إلى حالة فنية تسعدنى، فأنا دائما أبحث عن الإحساس بأننى ألعب طول الوقت، تماما مثل لاعب كرة القدم الذى يستعرض قدرته على التلاعب بالكرة، والوصول إلى منطقة المتعة والانتشاء، وهذا من وجهة نظرى هو شريان علاقتى بالشغلانة.

> وهل هناك شخصية تاريخية تحلم بتقديمها؟

ــ نفسى أجسد شخصية زكريا الحجاوى، ليس فقط لأنه شخص عظيم أفنى عمره فى جمع الفلكلور المصرى، ولكن أيضا لأن حياته مليئة بالدراما، ولأن مشروعه كان مشروعا قوميا، فهو فنان جمع أشلاء وملامح الفن الشعبى المصرى من الغيطان والنجوع، وطاف أقاليم مصر كلها لجمع فرقة تقدم الفلكلور الشعبى على أصوله، وعندما اعترضت أسرة «الست خضرا» على احترافها الغناء لظروف اجتماعية؛ تزوجها ليضمها إلى فرقته.

وأرى رحلته تلمس عندى رحلة «إيزيس» فى جمع أشلاء حبيها «أوزوريس»، ومن هنا أقول أن رحلته كانت من أجل لم أشلاء وملامح فن الغناء المصرى.

> ولكن تقديم زكريا الحجاوى يحتاج عملا غنائيا موسيقيا..

– أنا بطبيعتى أحب الموسيقى ويمكن أن تقول أنى مؤدٍ جيد، ولكن رحلة الحجاوى من وجهة نظرى من الموضوعات التى نحتاج التركيز عليها فى مرحلة إعادة بناء بلدنا، ومثل هذه الأعمال تمثل جزءا من تأسيس المجتمع، وبعيدا عن هذا فهى أيضا رحلة مليئة بالدراما، والأحداث التى تقدم عملا فنيا جيدا وممتعا.

> ومن هى الشخصية التى تشغلك فى التاريخ المصرى؟

ــ المهندس «إيم حتب» هذا الفنان الذى أبدع واحدا من أجمل المعابد الفرعونية معبد الدير البحرى، وصاحب قصة الحب مع الملكة «حتشبسوت»، وفى التاريخ الإسلامى يشدنى بقوة شخصية «العز بن عبدالسلام» التى أراها شخصية درامية عظيمة، وسبق أن قدمتها من قبل فى عرض مسرحى من إخراجى باسم «الحد قبل السبت أحيانا»، والعز بن عبدالسلام لعب دورا تاريخيا مهما فى لم شمل الأمة، بينما الخطر يحدق بالبلاد، حينما وقف على المنبر يذكر المماليك بفضل مصر عليهم، وأنها وطنهم والدفاع عنها واجب عليهم، أتمنى أن أقدمه فى عمل فنى كبير سواء فى السينما أو على شاشة التليفزيون.